انتظرناه طويلا ولكن … (الحلقة الاولى ) : حسين محمد باقر
22-Aug-2012
المركز
في التعليق على بعض ما جاء في كتاب الاستاذ/ أحمد طاهر بادوري ( اريتريا …. رحلة في الذاكرة ) الذي صدر مؤخراً . يطوف الاستاذ/ بادوري بالقارىء في سنوات الصبا والشباب ثم النضال وصولا لقيام الدولة الاريترية .
بأسلوب أدبي أنيق وبديع يتحدث الاخ أحمد عن سيرته الذاتية ابتداءاً من بلدته التأريخية ( حرقيقو) حيث النشأة الاولى ومرابع الطفولة والصبا , وجلسات السمر مع عيال الحارة في البلدة التي هي حزينة الآن . ثم يقود القارئ للعاصمة اسمرا التي ذهب اليها بغرض التحصيل الدراسي ليفارقها تحت ضغط ظروف قاهرة للسودان ومنها لجمهورية مصر العربية ليستقر الشاب الطموح الذكي هناك ثم ينتقل الى الجمهورية العربية السورية ليلتحق بكلية الطب بجامعة حلب ثم يعود بالبوابة الجنوبية لبلاده والتي أسماها بالبوابة الخلفية ملتحقا مع عدد من رفاقه بالثورة الاريترية وتحديدا بقوات التحرير الشعبية في منطقة دنكاليا الشمالية ( بوري ) في أواخر 1970 م ومنها يتواصل الزحف شمالا لمنطقة جبل (قدم العظيم ) الاستراتيجي والآمن نسبيا انذاك . يقدم الكاتب للقارىء منطقة ( قدم ) بأسلوب رائع ووصفا متناهي الروعة يأسر القارئ. الى هنا لا يستطيع كائن من كان أن يتدخل فيما يكتب أي كاتب لان المسألة تتعلق بسيرة الكاتب الذاتية ومن حقه أن يكتب ما يشاء , لان السيرة الذاتية ملك لصاحبها الا تلك التي تتداخل مع حياة الاخرين أوما ترتبط بالقضايا العامة . وقبل البدء في الحوار مع الكاتب والكتاب أحب أن أؤكد اِنني أكن كل التقدير والاحترام للأخ أحمد طاهر بادوري , وهو من الجيل الذي يلينا وتربطني به علاقات اجتماعية وأسرية هي موضع تقدير لي وله . ولكن كل هذا لا يمنع من أن يكون لكل منا رأيا ورؤية مختلفة . اما الجزء الثاني من الكتاب فهو عن الصراعات السياسية التي شهدتها الساحة الاريترية خلال العقود الماضية سواء كان الصراع في اطار قوات التحرير الشعبية (الامانة العامة – ثم البعثة الخارجية ) واللجنة الادارية – القيادة العسكرية أو الصراع بين جبهة التحرير الاريترية وقوات التحرير الشعبية وافرازات الحرب الاهلية التي درات بين الفصيلين وما سببته من الآم ومرآرات مازال الشعب الاريتري يعاني من اثارها . ونظرا لحساسية هذا الموضوع ورغم اقتناعي بأن قرار جبهة التحرير الارتيرية بشن حرب تصفية جسدية على قوات التحرير الشعبية ووصفها بالثورة المضادة كان ذلك بداية النهاية لللانسان المسلم الاريتري في الساحة الاريترية وكسر شوكته على الرغم من ذلك الا انني لا أريد أن أتطرق في تفاصيل ما جرى في تلك الحقبة حتى لا أتوه في دهاليز وتعرجات تلك المرحلة . وفي الجزء الثالث والاخير تحدث الكاتب عن انجازات الجبهة الشعبية وتأريخها وقياداتها وانتصاراتها العسكرية والسياسية وأفكارها وعن تأسيس حزب الشعب الثوري الاريتري وأيدلوجيته الماركسية أو الشيوعية . رايت من الاجدى قبل المناقشة أن أحدد مع القارئ العزيز عدد من القواعد والمفاهيم والاحكام التي أرى مهمة جدا في تفهم شكل الحوار والمناقشة , كما وأنها تعين القارىء على ما أريد قوله من تفنيد آراء الكاتب وألخصها في الاتي :- من البديهي أن الكاتب سواء كان كاتبا للشعر أو الرواية أو كاتب الرأي والتاريخ وحتى الفنان والرسام والنحات لايبدعون ما لم تتوافر لهم مناخات من الحريات العامة والخاصة لكي يستطيعوا قول الحقيقة كاملة دون اكراه أو خوف , وهذا لا يتحقق الا في ظل وجود قوانين تحدد ذلك وتضبط حركة المجتمع كله لتسير الحياة سلسة وطبيعية . والقوانين تستخلص أو تستولد اساسا من الدستور الذي يتعاقد عليه كل أفراد المجتمع . وبغياب الدستور كما هو الحال في اريتريا اليوم نجد أن الامزجة الشخصية للحكام والقائمين على الامر ومن شايعهم هي التي ُتسير عنوة المجتمع , لذا يجد الكاتب أو المبدع نفسه أمام خيارات نوجزها بالقول :- الخيار الاول ( الصمت ) الى حين زوال الوضع الماثل وانقشاع الغمة وهذا حال الكثيرين من الشرفاء المناضلين الذين عاصروا فترات النضال الاريتري حتى الان وهؤلاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ولا أدري هل سيمد الله الاجال وتتاح لهم فرصة الاسهام في كتابة تأريخ تلك الاحداث أم سيرحلون ؟ أتمنى من الله أن يمد الله في أعمارهم ليشهدوا اريتريا التي نحلم بها جميعا . الخيار الثاني :- رغم ظروف القهر والاستبداد لابد من قول الحقيقة حتى لو أصبح مصير الكاتب مثل من سبقوهم من أصحاب الكلمة الحرة أختطافات وتصفيات جسدية وغياهب السجون . وقد ذكر الاخ أحمد في كتابه باشمئزاز عن ما شاهده من أعتقالات وتعذيب للمواطنين عندما كان في أسمرا في عهد هيلي سلاسي على يد الجنرالات ( تلا عقبيت وزرئي ماريام ) فكيف يمكن أن يكرر جنرالات عهد مابعد الاستقلال مافعله عهد الاحتلال بل اسوأ وانكى من ذلك ؟ الخيار الثالث :- أن يكون الكاتب بعيدا عن قبضة السلطان الجائر أسوة لما درج عليه الاحرار ضد الانظمة المستبدة في العالم . فاذا كنا قد رفضنا الظلم من المستعمر البغيض وثرنا عليه ,فكيف لانثور على ظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضاضة وقسوة ؟ ونحن في اريتريا لسنا استثاء في هذا الكون فمن من واجبنا بل لزاما علينا أن ندافع عن حقوقنا مهما كانت التضحيات . الخيار الرابع :- أن يكتب الكاتب في ظل الظروف الراهنة في اريتريا ولكن بالقدر الذي لا يغضب الحاكم , وفي هذا تضليل للرأي العام وتزييف للتاريخ وتغييب للحقيقة وهذا مرفوض لان الكتاب وثيقة تتداولها الاجيال عبر عقود وربما قرون من الزمن وليس مجرد بيان أو تصريح ينتهي مفعوله بانتهاء الاوضاع والاحداث التي كتب فيها .