تحية للشعب السوداني البطل! بقلم/ حمد كلوـ لندن*
9-Feb-2019
عدوليس
حركة التاريخ لا تتوقف . ربما تتباطئ أو تتوقف قليلا لفترة،لكن دورانها يعاود من جديد، لأن هذا الكون ليس جامدا بل في حالة حراك دائم. وهو ما يمكن أن نسميه (قانون الحياة).اذا شعر الحكام وغيرهم أن الأمور تسير على أهوائهم، أو أن الديمومة بيدهم ، فتلك هي الحسرة التي يقعون فيها . والدهر يومان، يوم لك ويوم عليك.
وأنا أتابع عبر وسائط التواصل الاجتماعي تلك المواكب الهادرة للشعب السوداني الشقيق ، في كل مدن السودان عادت بي الذاكرة لمواكب ثورة أكتوبر الخالدة، حيث شاركت في أحد التجمعات الكبيرة في ميدان عبدالمنعم في الخرطوم٣. والشعارات مرفوعه وهتاف قوي ينادي بسقوط نظام عبود الطاغية.
ذلك الموكب سار بنا الى شارع الحرية وعبر كوبري الحرية ، مواصلا طريقه في نفس الشارع الى أن دار الموكب شمالا، ليتلاحم مع موكب آخر في ميدان الأمم المتحدة واتجه الموكبان شمالا الى ميدان ( أبو جنزير)، ليعانقا,موكبا اخر.
وتلاحمت تلك المواكب متجهة الى القصر الجمهوري. كانت تلك المواكب الهادرة تنادي بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، في نضال مستمر حقق غاياته وإنتصر.
مشاركتنا كانت تعبير حي لتضامننا مع أبناء الشعب السوداني الشقيق في مواكب ثورة أكتوبر المجيدة ، كان ايمانا منا بأن الحرية لا تتجزأ ، وان انتصار الشعب السوداني في ثورة أكتوبر ، كان أيضا انتصار للشعب الإريتري وثورته.
كان نظام الطاغية عبود يمارس الأرهاب والسجن والكبت ، وقد أطلق جواسيس السفارة الأثيوبية في الخرطوم ، للتجسس على الاريتريين ومطاردتهم، بل تعدى ذلك أن نظام عبود قام بتسليم عدد من الإريتريين لنظام الامبراطور هيلي سيلاسي.
هذا التسليم حرك مشاعر القوى الوطنية والديمقراطية السودانية ، وبالرغم من كبت نظام عبود ،إلا ان القوى الممثلة في المحاميين والصحفيين والسياسيين السودانيين ، تصدت له وتحدته ، وعبرت عن رفضها لعملية التسليم من خلال موكب صامت تضامنا مع الشعب الإريتري وكان ذلك في منتصف عام ١٩٦٢.
هذا الموكب لفت انتباه الشعب السوداني الى ان هناك قضية إريترية . واذا كانت إريتريا وقضيتها معروفة في شرق السودان، فأنها لم تكن معروفة في شمال السودان، ومنطقة الجزيرة بما فيها مدينة ود مدني والعاصمة المثلثة الخرطوم.
كانت نشاطات وتحركات الثورة الإريترية في الخرطوم تتم في سرية تامة في ظل ذلك المناخ السياسي الكابت للحريات. وهنا لابد من الأشادة بدور كوادر الثورة الإريترية الذين كانوا يتحركون في سرية تامة للاتصال بالصحفيين والمحامين والسياسيين ورؤساء الأحزاب لشرح وإبراز قضيتهم . وبعد انتصار ثورة أكتوبر المجيدة اتسعت مساحة نشاطات الثورة الإريترية ،وبشكل علني، وأصبح لها مكاتب ولها إعلامها.
لقد تغنى الشعراء السودانيين كثيرا لثورة أكتوبر تعبيرا وتخليدا لانتصار ارادة الانسان السوداني . وهذه واحدة من درر القصائد التي تغنوا بها:
“أي المشارق لم نغازل شمسها
ونميط عن زيف الغموض خمارها
أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها
أي الأناشيد السماويات لم نشدد لأعراس الجديد بشاشة أوتارها
نحن رفاق الشهدا
نبايع الثورة والدا وولدا
نبايع الشهيد القرشي قائدا”.
عناصر النظام وهي مرعوبة من هذا السيل الهادر من الثوار ، وعجزها كبح هذا الموج، تحاول عبر إعلامها أن تقلل من قيمة هذا العمل الجبار ، لكنها تنسى أو تتناسوا هذا الغبن المتراكم لثلاثين عاما.
لم يرى الشباب في نظام الأنقاذ الشفافية ، بل الفساد، ولم يكن نظاما يسمح بالتداول السلمي للسلطة ويعلي من سيادة القانون.
ولم يشهد السودان في تاريخه , تدهورا اقتصاديا , ارتبط في نقص في السلع ووصلت فيه قيمة الرغيف الى ثلاث جنيهات . وبدأ الجوع في الانتشار، وازدادت الاعتقالات والسجون وظهور ما يسمى ببيوت الأشباح.
يحاول النظام تجيير المظاهرات والاحتجاجات لصالح الشيوعيين والبعثيين ، ويدعي أن هنالك مخربين من أحدى حركات التحرر الدارفورية ،متجاهلا حقيقة ان الشعب السوداني بأكمله ضدهم ،ينادي بمليء الصوت والصورة وصدور عارية :
# تسقط _ بس.
حرية .. سلام وعدالة
الثورة خيار الشعب.
وفي خارج السودان نشاهد ونسمع من بعض وسائط الإعلام ، وهي تشكك في هذه الهبة الجماهيرية السلمية ، وتسميها بالـ ( الربيع العربي)، وهي تعني بذلك أن هذه الثورة ستدمر السودان وستخلق دولة فاشلة شبيهة بليبيا.
هذا الاعلام موجه من بعض الانظمة المرتبطة بنظام الإنقاذ ، وهذه الجهات نست أو تناست أن نظام “الإنقاذ” قد تسبب في فصل جنوب السودان ، وان هناك قتال يدور في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ،وان ماحصل من قتل وتدمير وتشريد لشعوب هذه المنطقةيتحمل مسؤوليته قاد ” الإنقاذ” ، وشرق السودان ذلك الإقليم المجهول والمكلوم، والبعوض المسبب للملاريا يفتك بشعبه.
هذا الإعلام الغوغائي هو القبيح للخارج وعليه أن يعي ، أن هذه ثالث ثورة شعبية منذ الاستقلال ، الثورة كانت ضد نظام عبود ، والثانية ضد نظام جعفر نميري.
والشعب السوداني بأحزابه وكفاءاته قادر على أن يعيد بناء دولة حديثة ،دولة قوامها العدل والمساواة والديمقراطية.
* مناضل وبلوماسي سابق.