تغيير العملة الإرترية (النقفه) .. مناورة لصرف الانتباه ؟ أم معالجة اقتصادية لابد منها ؟!!: محمد علي صالح هنتولاي
7-Nov-2015
عدوليس
إصدار عملة جديدة .. أو طباعة فئات نقدية جديدة ضمن العملة نفسها .. ليس بالأمر المستغرب في الأحوال العادية .. فعادة ما تلجأ الحكومات إلى هذه المعالجات استجابة لظروفها الاقتصادية لسد العجز في الموازنة .. وذلك عندما يتنامى العجز نتيجة تراجع إيرادات الحكومة وانعدام الصادرات ، وبالتالي عدم وجود احتياطيات من العملات الأجنبية.
الاقتصاد في إرتريا لا يمكن وصفه بأنه اقتصاد دولة وشعب .. بقدر ما هو مؤسسة اقتصادية حزبية تتبع لتنظيم الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة .. بالإضافة إلى هذه البنية غير السوية .. النظام الحاكم في أسمرا يواجه أعباء مالية هائلة .. نتيجة لحالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب العقدين من الزمان.. فمع حالة اقتصاد الحرب وفي بلد يقوم أصلا على معالم اقتصادية مشوهة بفعل السياسات الخرقاء .. تواجه الدولة تحمل أعباء المحافظة على السلطة كالاستمرار في دفع رواتب موظفيها في القطاع العام وفي مؤسساتها الحزبية.. وتأمين احتياجاتها الأمنية غير المحدودة من أسلحة وصرف على قنوات مشبوهة في أجهزتها الأمنية سيئة السمعة.. كل ذلك في ظل انعدام الإيرادات بسبب تراجع السيولة من العائدات التي يتم تحصيلها عن طريق الخدمات والرسوم الحكومية والضرائب فضلا التراجع الكبير في نسبة الـ 2% التي رفض الكثيرين من المغتربين الإرتريين دفعها للنظام. يضاف إلى ذلك الانعدام شبه التام للاستثمارات الأجنبية في إرتريا، وشلل حركة الإنتاج بشكل عام نتيجة لحالة اللاحرب واللاسلم مع إثيوبيا.
وبصرف النظر عن البنية الاقتصادية الاستثنائية .. اقتصاد الحرب في حد ذاته يكبل مفاصل الدولة ويزيد معدلات التضخم في الاقتصاد المتضرر أصلا بفعل السياسات غير الناضجة مما يتسبب في إضعاف قيمة العملة الإرترية مقابل العملات الأجنبية. كل هذا بالإضافة إلى الارتفاع الجنوني في مستوى الأسعار خاصة مع جمود وشلل هيكل الإنتاج وقصور مستويات إنتاجية القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وبالعودة إلى الحالة غير العادية في إرتريا والتي لا يمكن إخضاعها لأية تحليلات اقتصادية منطقية وحقيقية .. يمكننا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى.
فإذا افترضنا أن مسألة إصدار عملة جديدة .. هي مجرد مناورة لصرف الانتباه عن مسألة أهم ؟ .. عن ماذا يريدون صرف انتباه الناس ؟ وهل لدى النظام ما يخشى عليه أو يخفيه بعد كل هذا السفور .. وسوءاته البائسة التي يتبجح بها في كل مناسبة؟ .. وهل للأمر علاقة بما يشاع هذه الأيام حول غياب اسياس .. ومرضه أو حتى هلاكه ؟ .. فتريد العصابة إلهاء الشعب الإرتري وتنظيماته المعارضة بمثل هذه المواضيع .. حتى يتسنى لها ترتيب الأوضاع وتجهز دكتاتور جديد .. وتدشين حقبة جديدة من القمع والتنكيل ؟!!.. علما بأن أقوى أدوات إسياس وأخلص معاونيه سيئ الصيت (فلبوس ولدي يهنس) لا يزال بصحة جيدة .. وربما يملك الكثير من الأوراق المهمة ومنذ عهد بعيد!!
لو جاءت هذه الخطوة .. إصدار عملة جديدة.. في توقيت غير التوقيت الذي نعيشه .. لقلنا أنها قد تكون معالجة اقتصادية لابد منها .. لأن تغيير العملة بإصدار عملة جديدة .. حيلة اقتصادية تلجأ إليها بعض الحكومات للسيطرة على انهيار العملة .. وقد يكون القصد منها طرح عملة جديدة تتغير فيها مسميات الوحدات التي انهارت أمام العملات الاجنبية .. كتغيير الجنيه بالدينار (كما حدث في السودان) بحيث تقوم الوحدة النقدية الجديدة بامتصاص الكم الهائل من العملة السابقة .. فكل عدة آلاف وحدة من العملة السابقة (جنيه) يمكن التعبير عنها بوحدة نقدية واحدة (دينار أو جنية جديد) .. فبدلا من شراء كوب الشاي بعدة آلاف من الجنيهات القديمة.. تشتريه بجنيه أو جنيهين من العملة الجديدة .. مجرد لملمة لا أكثر!!
وهذه بطبيعة الحال معالجات سطحية .. وغير عميقة .. وغير اقتصادية.. لأن مهمتها ذر الرماد في العيون فقط .. مع بقاء القيمة الحقيقية للعملة (real value) مقابل العملات الأجنبية على ما هي عليه .. وطرح قيمة شكلية أو اسميه (nominal value) لا تعكس الواقع الاقتصادي للبلاد.
وبالنظر إلى العبقرية الاقتصادية للعصابة الحاكمة في أسمرا .. الاحتمال الذي أميل إليه .. هو أن هذه حيلة أخرى من الحيل المكشوفة وغير المتقنة التي يمارسها النظام.. فهو بطبيعته لا يهتم بأية معالجات علمية .. في أي مجال من مجالات الحياة في إرتريا اقتصادية كانت أو اجتماعية أو أمنية .. لأنه ببساطة يدير البلاد بكوادر لم تسمع بالكثير من هذه الأمور .. وبالتالي تغيير العملة قد يكون لأسباب أخرى .. ليس من بينها أية اعتبارات تتعلق بمعالجات اقتصادية تصب في صالح البلاد .. وهي بالتالي قد تكون لسببين لا ثالث لهما:
أولهما : قد تكون هذه محاولة أخرى (غير علمية .. وغير ناضجة .. بل وكيدية.. كعادة النظام) للتحكم في إدارة السيولة النقدية .. خاصة وأن جزء كبير من التحويلات التي تأتي بالعملات الصعبة من الخارج تذهب إلى السوق السوداء (ويتم صرفها بالقيمة الحقيقية للنقفة في السوق الموازي) .. وهناك مبالغ هائلة في أيدي التجار الإرتريين في الداخل وربما في السودان .. لأن النظام المصرفي الحكومي يقدم (سعر رسمي).. غير مجزي نهائياً .. يعادل ربع السعر الحقيقي في السوق.. وبالتالي قد يكون القرار (كيديا) يستهدف فئات معينة يريد وضعها في مأزق نقدي .. أكثر من كونه سياسة مالية أو نقدية عادية.. وهو ما يتضح جليا من الفترة الزمنية المحدودة جداً للتبديل .. والمبالغ المسموح بتبديلها.
وثانيهما: ربما تعرض النظام .. ونتيجة للكثير من الممارسات العشوائية التي تدار بها البلاد لعملية نصب أو سطو هائلة .. وقد تكون من داخل النظام نفسه .. ربما قام بعض جنرالاته الذين يمارسون تجارة الحدود غير الرسيمة .. بما فيها صرف العملة وتبديلها .. بتهريب كميات ضخمة من الوحدات النقدية المتداولة (النقفة) .. وبالتالي وفي ظل حالة التنافس التي نسمع عنها بين بعض الجنرالات داخل أروقة النظام .. ربما هناك تيار آخر من العصابة يريد قتل الأموال المسروقة في يد من سرقوها.
هذه مجرد تكهنات .. لأن واقع الحال لا يساعد على بناء أية افتراضات علمية في ظل انعدام أية بيانات أو معطيات يمكن البناء عليها.
لكن على أية حال .. حكاية تبديل العملة كافية لتكون شغلا شاغلا لعدة أيام وربما أسابيع لمعارضة لا تجد ما يشغلها غير بالونات النظام..
والله المستعان
للتواصل مع الكاتب :hintolai@gmail.com