تنميط سياسي ولغة لم تعد صالحة
بقلم صالح م تيدروس
استمعت الي تسجيلات صوتية تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدرها منصات تابعة او داعمة للحكومة الارترية ، تحاول هذا التسجيلات التي هي عبارة عن مقالات كُتبت باسماء مستعارة ان تصف مسيرات الشباب التي نُظمت امام عدد من السفارات الارترية في الدول الاروبية مؤخرا بأن من يقف وراءها هم المجاهدون او انها تحركات جهادية.
بالتأكيد ان مصطلح الجهاد في الأصل ليس مصطلحا سلبيا بل يعني النضال والكفاح من اجل تحقيق هدف مقدس وهو شرف ومفخرة لكل من ارتضى ان يتقدم الصفوف من اجل شعبه ووطنه. ولكن الاستخدام هنا محاولة بائسة لربط الناشطين بظاهرة الارهاب التي ربما تجد من يتوجس منها في الدوائر الغربية.
ابان مرحلة الكفاح المسلح اعتادت وسائل الاعلام الاثيوبية ان تصف الثورة الارترية والجبهة الشعبية على وجه التحديد بكلمة (شعبية) ظنا منهم ان هذه الكلمة عندما تستخدم باللغة الامهرية كما هي ستثير حفيظة الشعب الاثيوبي وتجعله ينهض للوقوف في وجه الاستهداف العربي لحضارة الـ3000 عام المزعومة. ولكن في نهاية المطاف لم تجدي محاولات تغييب الوعي عبر الالة الاعلامية نفعا فانتصرت الثورة الارترية واصبحت كلمة الشعبية شرفا لمن ينتمي لها.
خلال السنوات التي تلت استقلال ارتريا كانت هناك تحركات للتنظيمات الجهادية الارترية في المناطق الغربية انطلاقا من الاراضي السودانية وقد اعطى ذلك مبررا للحكومة الارترية لكي تصف كل من ينشط في معارضتها بأنه من المجاهدين (لاحظ ان القصد هنا الارهاب). لم يقتصر الوصف على المجموعات التي ترفع راية الجهاد علنا بل حتى التنظيمات الاخرى بما في ذلك اعضاء الجبهة الشعبية الذين يبدون معارضة لسياسات الحكومة اذا كانوا ينتمون الى المكون المسلم. وبما ان الهدف هو الاغتيال السياسي فانه كان لا بد من ايجاد وصف آخر لاولئك الذين لا ينتمون الى المكون المسلم حيث وجد الاعلام الحكومي ضالته في عبارة (عملاء الوياني) لكي يتم تعميمها على كل من له صلة بالمعارضة وينتمي الى المكون المسيحي.
ولتأكيد ما ذهبت اليه من قول سأورد هنا بعض الملاحظات التي يمكن التثبت منها كدليل على التنميط السياسي الذي يلجأ اليه صناع القرار في اسمرا للانقضاض على معارضيهم.
في العام 2001 وقبيل اعتقال مجموعة الخمسة عشر انخرط المكتب المركزي للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في حملة مكثفة لتشويه قيادات مجموعة الـ15 ومحاولة ربطهم بالوياني دون ابراز دليل واحد يؤكد تلك الاتهامات مما ادى الى حالة من الاستهجان والرفض الصامت. واذكر هنا ان علي عبده الذي كان مديرا للتلفزيون حينها اجتهد كثيرا لتلفيق عبارات وجمل محددة تؤكد ارتباط المجموعة بالوياني الى لسان هيلي درع حيث استفاد من الكلمة التي القاها درع في اجتماع عقده للارتريين في فرانكفورت، وامر احد اعضاء قسم المونتاج لكي يقوم باعادة منتجة الخطاب عبر قطع كلمات محددة واستبدالها باخرى لكي تبدو الرسالة على النحو الذي تم التخطيط له. ولكن عضو قسم المونتاج وهو مقاتل سابق(نحتفظ باسمه) رفض القيام بهذا العمل القذر مما ادى الى اعتقاله لاكثر من عام ومن ثم ابعاده عن وزارة الاعلام.
في العام 2013 عندما قام الشهيد سعيد على حجاي بتلك العملية التي عرفت بعملية فورتو ، سارع عدد من المسؤولين بوصف اعضاء تلك المجموعة بانهم يرتبطون بالجهاد. قال ذلك السفير قرما اسمروم في اجتماع مع الدبلوماسيين الافارقة في اديس ابابا واعادها يماني قبراب في تصريح لاذاعة صوت اميركا. وبعد مرور ايام قلائل صادف حينها ان قرقيس شيخ زايد الذي كان حاكما لاقليم عنسبا تلقف المعلومة والقى بها في اجتماع تقييمي دوري كان يعقده مع المسؤولين في اقسام الوزارات والادارات في الاقليم. ولكن يبدو ان صناع القرار في اسمرا كانوا قد اعادوا تقييمهم لذلك التوصيف حيث تم استدعاء قرقيس الى اسمرا وابلاغه بعدم ترديد تلك المعلومة بعد الان. وبما ان قرقيس فك الله اسره هو رجل بسيط عاد الى كرن واجتمع الى المسؤولين في الاقليم وقال لهم بالحرف : ان ما قلته لكم في الاسبوع الماضي بان المشاركين في حركة فورتو هم من المجاهدين كان خطأً حيث ثبت بأنه كان من بينهم ايضا (كرستيان).
ان تلك العبارة التي فلتت سهوا من لسان قرقيس شيخ زايد تلخص المشهد برمته حيث ان اي تحرك مضاد اذا كانت تتصدره عناصر من المكون المسلم فهو بالضرورة تحرك جهادي واذا تصدرته عناصر من المكون المسيحي فهو بالضرورة مرتبط بالوياني.
هذا كان في الماضي حيث ان محاولات التنميط المتعمدة كانت تجد من يصغي لها خاصة في ظل وجود نظامين يعاديان اسمرا في كل من اديس ابابا والخرطوم. اما اليوم فلم يعد الحال كما كان ومن باب اولى ان يفكر هولاء الذين يرسمون السياسية الدعائية في اسمرا الف مرة في طريقة تعاطيهم مع التطورات المستجدة على الساحة الارترية. لا احد سيصدق بأن هولاء مجاهدون او ان اؤلئك عملاء للوياني. ومن التعقل والحكمة ايضا الابتعاد عن هذه اللغة الطائفية والعرقية خاصة وأن بلادنا تواجه الآن تهديدا وجوديا بعد اعلان الاثيوبيين عن رغبتهم صراحة بالعودة الى البحر الاحمر.