حبر احمر، ودم معطر
19-Sep-2013
عدوليس
بقلم. آمال علي – هكذا.. السجن زمن ..تؤرِّخه في الأيام الأولى ..على الجدران .. وفي الشهور اللاحقة ..على الذاكرة
ولكن عندما تصبح السنوات
قطاراً طويلاً
متعباً من الصفير
ويائساً من المحطات
فإنكَ تحاول شيئاً آخر
يشبه النسيان.
(فرج بيرقدار،شاعر وصحفي ،وسجين سابق من حمص-سوريا)
وان هم اضطروا إلى النسيان ، من تعب وألم وطول انتظار ، هل ننسى !!!
كيف ننسى ، ونحن الشعب السيئ الحظ. وكل اعيادنا نواقيس للأسى وتذكره للحزن . في سبتمبر نحتفل بحلم لم يكتمل ، وفي مايو نبكي حرية ناقصة ، ويونيو تشخص عيوننا في ترمومتر ترتفع فيه أعداد شهداؤنا وقتلانا… إذا نحاول شيئا يشبه النسيان ..، ولا ننسى وبصدق ،لا اعرف أي المناسبات (الوطنية ) أكثر إيلاما ، وأقسى تأثيرا في تداعياتها ..
فنهاية الحرب ،أسوء من بدايتها ،و نكىء الجراح ، أعمق ألما منها ..
إغلاق الصحف المستقلة ، اعتقال الصحفيين ، ووأد سريع لأول محاوله تأسس للكلمة الخاصة ،الغير حكوميه والحرة تماماً في إرتريا (الحره)….وفي أقصر فتره زمنيه )١٩٩٨-٢٠٠١) ….بالتوازي مع اعتقال مجموعه الخمسة عشر الإصلاحية ..سيظل هذه سابقه مهمة تسجل لنظام افورقي في رفعه لمستوى القمع السياسي ، من الحظر والحجر والتهديد إلى اجتثاث أي تحرك مشوش ومقلق من جذوره ودون تردد وبدم بارد .
خوض تجربه العمل الصحفي المستقل، والتأسيس الجريء لمشروع إعلامي يوسع الهامش المتاح حينها ،للتداخل تدريجيا ، مع العام أو الحكومي ، أو السائد ، من اجل التغيير ، كان ،دون شك ،إعلان موت صريح من قبل صحفيين وطنيين غيورين وشرفاء .
فالإعلام ،كما الاقتصاد والتعليم والثقافة ،مناطق حكرا ،على حكومة الرئيس آسياس افورقي ، والتي لها منهجيه محدده ومرجعيه واضحة لا تحيد عنها ..وهي ترسيخ خط سير واحد ،لنظام أحادي ،ضيق ،في وطن متعدد وواسع الأفق ..
احتكار المعلومة، التعتيم على كل التحركات المهمة والغير مهمة لرجال الدولة ، محاصره رأس المال الوطني ، وتعويم المفاهيم من وحده وطنيه ، إلى خدمه وطنيه ،إلى سيادة وطنيه ووووو….. إلى فرض الرقابة التعسفية ،وإجبار كل الصحف الخاصة على تقديم موادها بالتفصيل للرقابة واخذ تصريح بالنشر قبل الصدور . هذا واقع تحدته ( صحيفه سقناي،قستىدبنا، ستيت ، مقالح، ادماس،زمن،وينتانا) ودفع ثمنه صحفييها غاليا.
هو الأمل في وطن أكثر رحابه ، والإيمان بشعب يستحق الحياة ، ما دفع الإعلامي المخضرم فسهاي جشوا ، والجريء الطموح يوسف محمد علي ، امانئل أسرات ، مدهنى هيلي،سعيد ابو بكر ،والمشاكس الشجاع صالح الجزائري ووووو ما دفعهم أن يخطو نحو الموت ، حاملين صحف مكتوبة بحبر احمر من دم معطر .
واليوم ، تمر ذكرى عام آخر ، على تغييبهم ، بعيدا ، وراء الشمس ، قي ظلمات سجون لا احد يعرف عنهم شيء أحياء كانوا أم قتلهم الظلام ، كما المئات من أسرى رجال ونساء من فجر تحرير لم يتم ،إلى يومنا هذا .
والمفارقة ، ان يطل علينا السيد الرئيس آسياس افورقي ، في مقابله مارثونيه، تقطع الأنفاس وتجف الأفواه من طولها ،كما جفت سماء إرتريا من الأمطار ..يطل ، ليعطي الضوء الأخضر للإعلام الارتري ،ليكشف ويستكشف الحقائق من المسؤولين وأولي الأمر .. وهل من أولي الأمر، والسيد الرئيس ، لم يدع اقتصاد ،من زراعه وصناعه ،وصيانة طائرات إلا وتحدث عنها ، أضف إلى خبرته وباعه الطويل في السياسة الدولية والتعدين والصحة وووو..
فعن ماذا سيتحدث الآخرون أن تجرؤا أصلا ..
وهل وجود أربعه من قدامى الإعلاميين (مع احترامي لبعضهم ، وهو جدير بالاحترام ) على طاوله الرئاسة ،بأسئلته المعدة سلفا والمصدق عليها ،هل تعتبر هذه بادره نحو انفتاح إعلامي وصحافه ناقده…
وهل أصبح الفساد اليوم ،ظاهره يشار إليها علنا، والنقد بناءا ، بعد ان زج بمن زج بهم في السجون ، وهجر من هجر ، وقتل من قتل ،عندما نادوا بالتصحيح واعلوا أصواتهم ضد الفساد ..هي ذكرى أخرى كما قلنا ، وستمر علينا الذكريات،مؤلمه وفاضحه، لتذكرنا بأننا مازلنا مشروع شعب ، وحلم دوله لم ينجز بعد ..
كي لا ننسى ، أقلامنا الحمراء ، وأصواتنا المخنوقة في السجون … رغم كل من يعلي السجان فوق جراحنا ليراه.