مقالات

الكومندانتي …. غادرنا.! بقلم/ حُمد كلو ـ لندن 6/12/2016

7-Dec-2016

عدوليس ـ ملبورن

رحل القائد الاعلى للثورة الكوبية في الساعة 22:29 من مساء يوم الجمعة الموافق 25/11/2016م عن 90 عاما واعلن مجلس الدولة الحداد. انتشر نبأ رحيل كاسترو الذي اعلن منتصف الليل بسرعة في شوارع هافانا حيث عبر كثير من السكان عن المهم لرحيل الكومندانتي. الكومندانتي .. هكذا يسميه الشعب ويسمونه ايضا ( فيديل) من رحم المعانات يولد القادة الابطال ومن الظلم والقهر والاستبداد والاذلال تتشكل العزيمة والاصرار ، كانت معظم شعوب امريكا اللاتينية تحت استعباد امريكا وكان يطلق عليها جمهوريات الموز . ( كانت هناك شعوب اخرى تحت الظلم لكننا هنا نفرد هذا المقال لامريكا اللاتينية) كانت وكالة المخابرات الامريكية تنصب حكاما على هذه البلدان وشعوبها ، ذاك كان في زمن الحرب الباردة، والويل لمن حاول ان يثور على هذه الاوضاع، وكلنا يذكر الانقلاب الذي حدث في (شيلي) عام 1973م الذي اطاح بالرئيس الاشتراكي ( سلفادور الليندى) بتدبير من المخابرات الامريكية لصالح العميل ( بينوشيه) والمجازر التي قام بها وما حدث ايضا في الارجنتين.

معانات هذه الشعوب عكسها ابنائها من الكتاب والروائيين لكن هنا نبدأها بذاك الثورى ( ارنستو همنقواى) ، هذا الكاتب الامريكي خير شاهد على مظالم دولته عبر عنها قلمه ، كان شاهدا على الحرب الاهلية الاسبانية 1936م – 1939م والمذابح التي ارتكبها ( فرانكو) دكتاتور اسبانيا عبر عنها همنقواى في روايته ( لمن تدق الاجراس ) وروايته الاخرى التي تحكي عن الفقر في مراسي (كوبا ) في رواية ( العجوز والبحر) وكيف ذاك البحار بقاربه اصطاد سمكة كبيرة لكنها بقوتها سحبته الى مسافات بعيدة في مياه البحر لكنه قاومهاوبعد يوم كامل ومنهك عاد العجوز الى الشاطئ بسمكته الكبيرة لكن كانت كلاب البحر قد اجهزت على لحمها ، وحين سحب العجوز سمكة القرش الى الشاطئ سحب الهيكل فقط، هكذا عاد العجوز الى رفاقه خاوي اليدين، كانت الرواية تعكس معانات صيادي (كوبا).
بلا ادنى شك كبار كتاب امريكا اللاتينية اتحفونا بعكسهم معانات شعوبهم ، (جورج امادو) في روايته (غابرييلا قرفة وقرنفل) وتلك العلاقة في الرواية بين اللبناني لا ادري ام الفلسطيني وتلك الخلاسية، في المطعم وما يجري في المجتمع من حولهم، والكاتب الكبير ( غابرييل قارسيا ماركيز) رائد الادب اللاتيني في روايته ( خريف البطريارك)وكيف حكى عن ذاك القسيس الارتري واوضاع المجتمع، وروايته ( مئة عام من العزلة) ورواية ( الحب في زمن الكوليرا) وفي هذه الرواية نقرأ كيف تعاملت ام بطل الرواية مع تلك النسوة اللائي دار بهن الزمن وهن في الاصل من الاسر الميسرة ، كن ياتين اليها ليرهن حليهن الغالية ليظهرن امام المجتمع انهن مازلن أغنياء في المناسبات، وابنها بطل الرواية ينتظر محبوبته التي خدعته قديما وتزوجت طبيبا ميسرا وهو ينتظر الى ان وصل عمره ستين عاما لكن حاله تيسر فيموت الطبيب ويتزوج محبوبته بعد ان داهما الاثنان خريف العمر، في هذه الرواية معانات شعب الكوليرا تفتك به.
كما قلت من رحم هذه المعانات والظلم يولد الابطال ، كاسترو من مواليد 1926م كان يحكم كوبا وقتها الدكتاتور ( فيلغينسيوباتيستا) جاء الى الحكم عبر انقلاب ساندته المخابرات الامريكية ، كانت دكتاتورية فاسدة مترهلة وعسكرية سلمت نفسها لعصابات المافيا الامريكية لادارة كازينوهات القمار ومراكز للدعارة على الجزيرة .
شارك كاسترو في مظاهرات طلاب الجامعة واعتقل وسجن، ومع مجموعة من الثوار اقاموا في مكان نائي في المكسيك معسكرا ومنه اتجهوا في مركب بحري اطلقوا عليه اسم ( غرانما) الى الشاطي الكوبي ومنه اتجهوا الى جبال ( سييرا مايسترا) وبدأوا في قتال النظام الذي وانتهى بالاطاحة بالدكتاتور الكوبي المؤيد لواشنطن في الاول من يناير 1959م. كوبا جزيرة واقعة في امريكا الوسطى وتبعد 200 كلم من شواطئ الولايات المتحدة الامريكية.
انتزع كاسترو السلطة في عام 1959م وحكم كوبا 49 عاما وهو نجل كبار ملاكي الارض من ذوي الاصول الاسبانية .كانت كوبا قبل الثورة تهيمن عليها الاسر الغنية من ذوي الاصول الاسبانية وعبر التاريخ القديم استجلبوا الزنوج الافارقة واستخدموهم عبيدا لزراعة الارض، لكن الثورة الكوبية وعلى رأسها كاسترو قلب جميع الموازين وجعل منهم قوة وطنية شريكة في الوطن متساوية في الحقوق والواجبات.المخابرات الامريكية حين نما الى علمها خبر ان الثورة في كوبا ذات توجه يساري وانها تبني علاقات متينة مع الاتحاد السوفيتي جن جنونهم ، وبدأت المخابرات الامريكية تعد العدة لغزو الجزيرة عام 1961م لكن كوبا بقيادة كاسترو تصدت للغزو الذي تم عبر خليج الخنازير ثم اكتشفت امريكا من جديد وجود صواريخ سوفيتية في الجزيرة في العام 1962م واثارت ازمة وهى عبارة عن مواجهة بين امريكا والسوفيت استمرت 13 يوما جعلت العالم اقرب ما يكون لنشوب حرب نووية لكنها انتهت بان يسحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا على ان تسحب امريكا صواريخها من تركيا. اقسم كاسترو على تحويل كوبا الى ( قوة طبية) عندما لم يكن في البلاد سوى 3الف طبيب مقابل 88 الفا حاليا اي طبيب لكل 640 نسمة .
لا يمكن الحديث عن تاريخ القرن العشرين بلا كاسترو ، ستينات القرن الماضي دعم حركات التحرير في الارجنتين ، وبوليفيا، نيكراغوا، وفي نهاية التسعينات تبنى سياسته الفنزويلي (هغو شافيز)، واليوم تستضيف كوبا محادثات السلام بين حركات التحرير ( القوات المسلحة الثورية الكولمبية) والمعروفة ب (فارك) والحكومة الكولمبية ، وقال الرجل الثاني في قيادة حركة الثورة الكولمبية انه بفضل كوبا تمكنا من تحقيق تقدم الى حد انه لم تنجح اى محاولة للسلام في كولمبيا من قبل.
وفي القرن الافريقي كان لنا مأخذ على مواقف كاسترو في فترة حكم منقستو هيلى ماريام، وهو في البدء اندفع وساند الحكم في اثيوبيا من خلال تبني تكوين مليشيات اثيوبية تدريبا وتسليحا لكنه بالمقابل طرح مشروعا متسرعا غير مدروس ونادى باقامة نظام كونفدرالي بين ارتريا واثيوبيا والصومال لكنه لم يوفق، وشعر انه اندفع اكثر من اللازم وان قراءته للاوضاع كانت سطحية في مواجهة الخبث ( الامهراوي) والتلهف السوفيتي للانفراد باثيوبيا، وكان راى الثورة الارترية في ذاك الزمن للكوبين وغيرهم ان تقدمية النظام في اثيوبيا مرهون باعترافه بالقضية الارترية، ولولا الثورة الارترية لما سقط نظام الامبراطور ولما تمكن منقستو هيلى ماريام من الوصول الى سدة الحكم. لكننا نحسب لكاسترو رفض ارسال مقاتلين كوبين الى ارتريا وفي النهاية بدأ يتراجع واكتشف ان المنطقة في حاجة الى حل جذري. ومن ناحية اخرى لابد من الاشارة الى ان الثورة الكوبية قد دعمت الثورة الارترية من خلال تقديم التدريب العسكري لكادر الثورة وكان ذلك في الستينات وكلنا يذكر الدورة التي ارسلتها الجبهة الى كوبا في العام 1968م وقبلها دورة عسكرية عن طريق حركة تحرير اريتريا.
أثارت الثورة الكوبية نوع من الاعجاب وافتخر النظام الكوبي بقضائه على الامية واقام نظاما صحيا ناجعا وناجحا حسب تقارير سابقة لمنظمة الصحة العالمية وفي متناول سكان كوبا الباغ عددهم 11.1 مليون نسمة وهو انجاز نادر.
صحيفة لوس انجلس تايمز قالت: ( ان كاسترو كان رمزا ثوريا تجاوز نفوذه كوبا) .
لا وسط في الحكم على القادة التاريخين ولا مواقف رمادية حيالهم ، مع القادة التاريخين الحكم قائم والاعجاب مثل الكراهية فوق النقاش، فديل كاسترومن هؤلاء عبدالناصر ، نيلسون مانديلا، غاندي ، نهرو ، ماوسيتونغ، هوشيمنا وتيتو، انهم نمط الثورين الذي لا يجوز ادراجهم في خانة واحدة مع سارقي الثورات والمتاجرين بالشعارات ووارثي النضالات الزائفة.
كاسترو نجح في احداث تحول في بلاده من الثورة المطوقة الى الدولة القادرة على التعامل مع المتغيرات السياسية في عالمنا الثالث، قرأ جيدا احكام الجغرافية بلا انعزالية وتعامل معها.
وكوبا التي تحدر منها هؤلاء الاغنياء اللاجئين وابناء المنفين الميسرين وأحفادهم الذين تظاهروا في ولاية فلوريدا الامريكية فرحا بموت كاسترو ليعرف ويعلم هؤلاء كوبا تغيرت كما تغيرت بلدان عديدة، تبدلت المعاير السياسية دون ان تتبدل الطموحات والاطماع واختلفت موازين اللعبة. في شوارع هافانا العتيقة مازلت العربات القديمة التي عفى الزمن على ماركاتها .
الحقائق والوقائع التي لا تريد ان تفهما ( قوى الشر) ان كاسترو لم ياتي الى السلطة على ظهر دبابة انقلابية كحال عملائها من دكتاتوري امريكا اللاتينية ابان حقبة الحرب الباردة وقبلها او ما كان يطلق عليها جمهوريات الموزالتي اذاقت شعوب امريكا اللاتينية العذاب ونهب الثروات وتحويل الشعب الى عبيد ل (اليانكي)
مهما ذكرت كل عيوب نظام كاسترو وخاصة في مجال الحريات العامة فانه بالصمود في وجه حصار خانق استمر لاكثر من نصف قرن، وخلال الخمسين عاما كانت هناك اكثر من 600 محاولة لاغتياله اثناء حكم 11 رئيسا امريكيا على حد قول الرئيس السابق للاستخبارات الكوبية ( فابيان اسكالانتي).يقول (سالموني سوزي) مؤلف كتاب (قاموس فكر فديل كاسترو) انه رسم لنفسه صورة عامة جذابة جدا تشكل جزءا من اسطورة فديل، وان كان صاخبا على الساحة العامة الا انه كان سريا في حياته الخاصة وابقى باستمرار حياته الخاصة بمنأى عن الاضواء وله 8 ابناء .
الاتحاد السوفيتي كان يدعم كوبا في مواجهة الحصار الدولى الواقع على كوبا، نصب صواريخ نووية في كوبا فنشبت ( ازمة صواريخ) في اكتوبر 1962م ايام نكينا خروتشوف قادة العالم الى شفير نزاع ذري، وكان كندي وقتها رئيس امريكا، كاسترو شعر بمرارة لعدم استشارته بعد ان تم التوصل الى اتفاق بين القوتين الاعظم.
مع انهيار الاتحاد السوفيتي اكبر داعم لكوبا في 1991م سدد ضربة قوية للاقتصاد الكوبي، وواجه السكان نقصا كبيرا في المواد التموينية واعلن كاسترو عندها ( فترة خاصة في زمن السلم) وتكهن كثيرون بنهاية نظامه غير ان كاسترو الذي اعتبر بطل الاستمرارية السياسية وجد مصدرا جديدا للدخل مع السياحة وخصوصا مع حليفين جديدين هما الصين وفنزويلا في عهد الرئيس ( هغو شافيز) الذي قدمه كاسترو باعتبار ( ابنه الروحي) .
وفي الشرق الاوسط وقف مع القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين، الجزائر ومصر.
الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا تكشف لها حتى ولو كان ذلك متأخرا بعض الشيئ ان الشعوب لن تستمر او تحتمل الاذلال والخنوع ونهب خيراتها، وخير شاهد على ذلك خلال سنوات قليلة فاز اليسار تقريبا بالحكم غبر صناديق الاقتراع في معظم دول امريكا اللاتينية باستثناء كولمبيا والبارغواى ومع ان بعض التجاوزات وحالات الفساد اعاد التوازن بين اليسار واليمن في بعض الدول ، وتعثرت مسيرة تداول السلطة في دول قليلة فان هذه المسيرة اصبحت جزءا اساسيا من الثقافة السياسية لهذه الدول وغدت القاعدة لا الاستثناء كما كانت من قبل، حتى كوبا نفسها تخلت عن ذهنية الحصار وطوت صفحة الخوف من الانفتاح واستقبلت على ارضها بابا الفاتكان ورئيس الولايات المتحدة الامريكية.
من اقواله:
لن اتقاعد ابدا من السياسة ، السلطة عبودية وانا عبدها ومع ذلك حتى بعد ان تقاعد من الحكم ظل يوجه الدولة عبر كتاباته ومقالاته المنوعة.
كتب عنه صديقه الكولمبي (غابرييل قارسيا ماركيز) في العام 2008م ( صبر لا يقهر ، انضباط حديدى ، قوة المخيلة تسمح له بقهر اي طارئ)
غاب فديل كاسترو تماما عن الاضواء بين فبراير 2014م وابريل 2015م ما غذى حينها شائعات حول حالته الصحية. توفى فديل كاسترو عن 90 عاما بعد ان اقام نظام اشتراكي على بعد 200كلم من الولايات المتحدة الامريكية، وتحدى على مدى 50 عاما محالات اسقاطه ، ونجى من اكثر من 600 محاولة اغتياله وعاصره وتحدى 11 رئيسا امريكيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى