حديث الذكريات والمذكرات( الحلقة الثانية ) – بقلم/ محمد سعيد ناود
16-Feb-2007
المركز
والحدث الثاني الذي كتب لي أن أشاهده كان الحرب العالمية الثانية 1939 -1945م . ورغم صغر آنذاك حيث أنني من مواليد 1939م ، إلا أن جزء منها لا يزال عالقا بذهني ، وذلك الجزء يتمثل في أحداثها سني التي دارت في منطقتنا بين الإنجليز في السودان والإيطاليين في إرتريا وإثيوبيا . وهذه الحرب أشعلها أيضا الرجل الأبيض في أوروبا . وكان طرفها الأول هي دول الحلفاء التي كانت تتكون من أوروبا شرقا وغربا وبريطانيا . أما الطرف الثاني فقد كان يتكون من ألمانيا النازية بزعامة ” أدولف هتلر ” وايطاليا الفاشستية وعلى رأسها ” الدوتشي موسوليني ” ، ومن خارج القارة الأوربية وكجزء من المحور كانت اليابان شريكا في تلك الحرب .
وفي مرحلة لاحقة انضمت الولايات المتحدة الاميركية للحرب إلى جانب دول الحلفاء عندما قام الأسطول الجوي الياباني بتدمير الأسطول البحري الأمريكي في ميناء ” بيرل هاربر ” . كما انضم الاتحاد السوفييتي والذي كان الدولة الاشتراكية الأولى والوحيدة في العالم ، انضم إلى جانب دول الحلفاء ضد دول المحور عندما قامت الجيوش الألمانية البرية والطيران الألماني بشن حملات مفاجئة على الأراضي الروسية وضد موسكو وليننغراد . وفي هذه الحرب العالمية الثانية فان الرجل الأبيض في أوروبا قد زج بشعوب المستعمرات في هذه الحرب الشرسة حيث خاضت غمارها في معارك القتال وفي ميادين واسعة . وهنا رأينا الجيوش البريطانية ومعها قوة دفاع السودان عندما اندفعت باتجاه الأراضي الإرترية لمواجهة الجيوش الإيطالية من جبهتين الأولى اندفعت من كسلا واكتسحت المديرية الغربية من إرتريا وتوقفت أمام كرن المحصنة بسلسلة من الجبال . أما الجبهة الثانية وعبر طوكر اندفعت إلى قرورة ومنها إلى نقفة وكبكب وللامام ، وعند سقوط كرن بيد الحلفاء بواسطة هاتين الجبهتين ،فقد اندفعت قوات الحلفاء باتجاه ٍاسمرا واستولت عليها ، ثم واصلت زحفها باتجاه مصوع وأنزلت الهزيمة النهائية بالجيوش الإيطالية الجرارة في إرتريا . ومما جعل شعوب المستعمرات تشارك بفعالية في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء كانت الوعود المعسولة التي تلقتها من المستعمرين بأنها سوف تنال حق تقرير المصير بعد الانتصار في هذه الحرب . انتهت تلك الحرب بانتصار دول الحلفاء عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلتها الذرية – وهو الحدث الأول من نوعه في العالم ـ فوق مدينتي ” هيروشيما ” ، و” نجازاكي ” في اليابان يوم 6 أغسطس 1945م الأمر الذي أدى إلى استسلام اليابان دون قيد أو شرط أمام ذلك السلاح الرهيب . وفي أوروبا عندما أطبقت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الأمريكي ” داويت ايزنهاور ” ـ والذي انتخب بعد نهاية الحرب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ـ عندما أطبقت قواته من الغرب ، والجيش الأحمر السوفييتي بقيادة الجنرال جوكوف على برلين عاصمة ألمانيا النازية من الشرق . وكانت النهاية المأساوية لهتلر وأعمدة حكمه أمثال هملر وجوبلز عندما أقاموا حفلة قصيرة في احد الأقبية تحت الأرض ومارسوا انتحارا جماعيا . وإن هتلر وقبل أن يضع نهاية لحياته بواسطة مسدسه فإنه عقد قرانه على عشيقته التي لازمته لسنوات . وهي بدورها مارست الانتحار أيضا إلى جانبه ولكن بتناولها للسم وليس بمسدس كما فعل هتلر . أما رفيق هتلر الدوشي موسوليني والذي كان يعتبر هتلر أستاذه وقدوته فإنه وعند هزيمته فقد قامت المقاومة الإيطالية المناهضة للفاشية بقتله ومعه أيضا عشيقته وقامت بتعليقهما من ارجلهما في أحد الأعمدة كالخراف المذبوحة . أثناء الحرب وقبل نهايتها فإن ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا يسجل في مذكراته بأنه كان ينوي بعد الانتصار على دول المحور توجيه الحرب ضد حليفهم الاتحاد السوفييتي للتخلص من ظاهرة الدولة الاشتراكية التي ظهرت إلى الوجود في روسيا . إلا أن الرئيس الأمريكي روزفلت اعترض على ذلك ، كما أن التقارب والود بين ستالين وروزفلت كان أمرا ظاهرا أثناء سير الحرب ، وان تشرشل لم يكن مرتاحا لذلك . ومن ابرز نتائج الحرب العالمية الثانية كان اكتشاف السلاح النووي والذي كان له ما بعده إلى وقتنا الراهن والصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من كوريا الشمالية وإيران حول حيازة هذا السلاح . إن حرب الحلفاء ضد دول المحور فقد قادها باقتدار كل من ستالين رئيس الاتحاد السوفييتي ، روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا ، كما إن باريس كانت قد سقطت بأيدي ألمانيا النازية في 14 يونيو 1940م . وشكل الجنرال يتان حكومة في فيشي في حين واصل الجنرال ديغول حربه ضد النازية . وشكل حكومة “فرنسا الحرة ” في المنفى في لندن ، كما شكل جيشا من الجيوش الفرنسية التي كانت بالمستعمرات الفرنسية وراء البحار ، فقام بتنظيم المقاومة داخل فرنسا ضد الاحتلال الألماني . وبذلك فإنه فرض وجوده بين من ساهموا في الحرب الثانية إلى جانب دول الحلفاء . بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اجتمع الرؤساء ستالين ، روزفلت وتشرشل ثلاثتهم في ” يا لطا ” وتوزعوا الغنائم فيما بينهم ، ونتيجة لذلك فإن الاتحاد السوفييتي والذي كان الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم قبل الحرب فقد تحول إلى المعسكر الاشتراكي والذي شمل شرق أوروبا، وهي الدول التي حررها الجيش الأحمر السوفييتي من أيدي ألمانيا النازية وشمل ذلك أيضا ألمانيا الشرقية عندما تم تقسيم ألمانيا إلى جزأين شرقي وغربي ، وأصبحت باقي أوروبا الغربية من نصيب باقي دول الحلفاء وقامت بتشكيلها بالصورة التي تخدم أهدافها الإستراتيجية كما يعزز نفوذ المعسكر الاشتراكي عندما انتصرت الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وعلى رأسه القائد ماو تسي تونج في عام 1949م .