خذي الدرس من حماس الأقصى يا حماس إرتريا …. باسم القروي
4-Mar-2006
المركز
من قديم علمت الحياة الإنسان أن يحمي نفسه بعصى يرفعها في وجه ذئب يعوي, أو كلب ينبح , أو أسد يزأر , أو ثور هائج ينطح , إذا ما كان اعتداء عليه من أهل هذه الغابة الموحشة ؛ لأنه يعلم أنه بغير عصى تقرع لا يرتدع أحد من هذه المخلوقات المفترسة, وفي عالم الإنس – مثل عالم الحيوان الأعجم – طرف مفترس, يحرص على ابتلاع حقوق الآخرين , والاعتداء على كرامتهم, و العصى نفسها التي ترفع في وجه المعتدي الأول, هي التي يجب رفعها في وجه المعتدي”الإنسي ” حين تحركه نفسه الأمارة بالسوء تجاه الآخرين معتديا, وليس من الحكمة في شيء أن يمد الإنسان يد المصافحة إلى ثعبان يلدغها , أو أسديقضمها, أو تمساح يبتلعها.
ومن الحماقة أن ترفع غصن زيتون في وجه من يرميك بصاروخ ظالم, وأن تهدي حمامة سلام إلى من يطلق عليك رصاصة استبداد , وأن تساهم في إنقاذ غريق تعرف أن في نجاته هلاك الأمة غدا, وأن تحسن إلى من لا يستحق المعروف وأن تداوي مريضا تعرف أنه سوف يطعنك بخنجر بعد أن تساهم أنت في عافيته . وإن الإسلام قد فرض على أتباعه الغلظة والشدة تجاه الأعداء المعتدين, وفرض التحدي والظهور والمجالدة تجاه من ينال من عقيدة المسلمين وحرماتهم , وإن هدي نبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام – قد جسد هذه المعاني , عندما تحرك ينشر دعوة ربه, ويعلن بالوضوح تحديه لقوى الكفر: أن له دينه ولهم دين, وأنه لا يقبل التنازل عن دينه حتى لو وضعوا الشمس والقمر في كلتا يديه, وجمعوا له من أموالهم حتى يكون أغناهم, وبسطوا كل المغريات أمامه ؛ من جاه ورياسة وظهور, فلم يثنه ذلك عن الصمود في موقفه المعادي لهم , المصر على معارضة فكرهم الجاهلي , والساعي إلى تحطيم عروش كياناتهم السياسية المتسلطة. وقد كان من سيرته – صلى الله عليه وسلم – أنه قد تعرض لأصعب الخيارات ابتلاء من قتل ,أو حبس, أو نفي عن الوطن, وإهانة وتعذيب . فلم يزده ذلك إلا إصرارا في المغالبة , والتحدي المكشوف حتى انتصر جيشه, وكسرت شوكة عدوه . إذا كان الأمر كذلك فالواهمون – إذا – هم الذين يظنون أن الاختفاء عن المسرح السياسي الإسلامي ينجيهم من الغضب والبطش الأمريكي مرعوبين بما يشاهدون من شديد بأسه – مخدوعا بظرفه المادي المتعالي – على المسلمين, فهو يبحث عن نار الخلوة القرآنية يريد أن يطفئها, وعن المنهج الإسلامي في المدرسة يريد أن ينزعه, وعن الخطيب الإسلامي يريد أن يسقطه من المنبر, وأن يلجم صوته عن قول المعروف , وعن الشيخ المجاهد يريد أن يقتله حتى لو كان عجوزا مقعدا مشلولا , لا يملك غير كلمة حق تصدع بها شفتاه المرتجفتان . أخذ يبحث عن عدوه ” الإرهاب ” في المدن , والقرى ,والبوادي , في الجبال, والصحاري. وسخر كل طاقاته من أجل المواجهة في معركة شرسة وغاضبة على كل ما له علاقة بالإسلام الحقيقي , فلا ينجو من هذه المعركة – في رأيه – غير من آمن بالصيغة الأمريكية للإسلام التي تطلب من المسلمين أن يرفعوا أغصان الزيتون أمام كل من : • يمص ثروات بلادهم • يروج لفكرالعلمانية والديمقراطية الأمريكية • يجتهد أن يغرس عقيدة التفسخ والانحلال على ناشئتهم هذا التوجه الأمريكي يرغب أن يلغي تلاوة كل الآيات القرآنية التي لعنت اليهود والنصارى, وفضحت مواقفهم المخزية ضد الأنبياء, وضد كتب السماء, ويرغب أن يفرض على المسلمين ثقافة السلام التي تعلمهم كيف يخضعون لقاتليهم , وكيف يمسحون أحذية مدنسي مقدساتهم . يريد الأمريكان الإسلام “المتسامح ” الذي ليس فيه آيات الجهاد في سبيل الله , ولا الآيات التي تخلد الكفار في النار, ولا آيات الولاء والبراء التي تفرض على المسلمين العداء الدائم لكل من عاداهم , وتعرض بسوء لكرامتهم . يريد الأمريكان “مسلمين” لا يغارون على حرماتهم, ولا يغضبون لسلب حقوقهم , ولا يتحاكمون على شريعة ربهم , ولا يجتهدون لإعادة مجدهم . فأي حياة هذه التي يحرص فيها المسلم بعد أن يسلب منه كل شيئ عزيز في دنياه وفي دينه ؟ وأي مسلم هذا الذي تخصى رجولته وقوته وعزته ليصبح أسدا مروضا يلعب به الصبيان تارة خلف القضبان وتارة خارجها؟ إن المؤمن الحقيقي لن يرضى بحياة المذلة والصغار التي تفرض عليه أن ينكس رأسه لكل طاغوت جبار , وإنما يظل يقاوم حتى ينال أحد الخيارين : النصر والتمكين أو الاستشهاد في درب الأبطال الشرفاء, ولن يجد رضى الله ولا رضى الناس من تنكب لهذين الخيارين؛ فآل ياسر في تاريخنا الإسلامي , وأصحاب “بئر معونة” لم ترفع منزلتهم إلا بالاستشهاد , وأمثال خالد بن الوليد لم ينالوا وسام ” سيف الله المسلول ” إلا بالانتصار تحت راية التوحيد , وهل بقي بين الفريقين إلا المنافقون أو أصحاب الأعذار من عميان أو مقعدين أو الصبيان أو النساء الذين عذرهم الله عن القيام بواجب القتال في سبيل الله . ولا سبيل إلى إحدى المكرمتين إلا بالجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله, حجة بحجة , وسيفا بسيف ؛ مفاوضات لمن يفاوض, ومقارعات لمن يقارع . وليس من المقاومة في شيء الصمت المقيت الذي يختفي فيه المسلم عن الحياة السياسية خوفا من أن تشهد أمريكا بأنه “إرهابي” أو خوفا من مطاردة ظالمة تضيق عليه الخناق وربما ترجح الاحتمال أنها تسلمه إلى عدوه وفاء بعهود ظالمة , أو مراعاة لمصالح متبادلة .كما أنه ليس من الحكمة في شيء أن نروض أنفسنا في سلوك ننال به تزكية من أمريكا برفع اسمنا من قائمة الإرهاب أو نحصل به على نوالها ، وذلك لأنها لا تزكي من يتحلى بقيم الجهاد والإسلام الحقيقي ، ولا تقدم الدعم إلا بثمن التخلي عن مبادئ الإسلام الحقيقي. وأي ربح يناله المرء من خلال خسارة الآخرة وخسارة الشرف والكرامة فليس بذي جدوى تثني عزم المؤمن عن المواصلة في درب الجهاد والتضحية . إن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الظهور للناس لا الاختفاء عنهم عرضا للدعوة وبحثا عن مناصريها وإظهارا للقوة ؛ قوة الإيمان والتحدي كما ردد بلال ” أحد أحد ” وهو يجر في شائكات الحجارة , أو قوة الشوكة و العدد والمبادئ كما تمثله مشاهد من غزوة الفتح , وليس من سنة الإسلام في شيء أن يظل المسلم بدعوته أسيرا يندس بها خلف قوى علمانية تارة , وخلف شعارات الوطنية والقبلية تارات أخر . بالإسلام يمكن أن تجد كسبا, وبغيره لن يكون مصيرك أفضل مما آلت إليه القوى العلمانية المناضلة التي تمزقت عبر التاريخ ولا تزال تزداد تمزقا . وكلما هبت إليها رياح التشرذم عادت إلى القبيلة والعشيرة تبحث عن مناصرتها لتبقى في الإطار الضيق !! ودليل ذلك ما يقوم به بعض ” كوادر ” التنظيمات العلمانية الأرترية وبعض فرقها الفنية التي تجوب أوساط المهاجرين حيث تبدأ بحفلة راقصة ثم تنتهي بالبحث عن الأنساب والأحساب وقد سقط في شباكها عدد من مثقفي الأمة. ويا للعار والخسارة !! إن هذا الدين كتب الله نصره على شعاع السيف, وأسنة الرماح , وفوهات البنادق, فهودين القوة والحرب , مثلما هو دين الوفاء والتسامح والسلام والتعاون , فله لكل داء دواء, ولكل ظرف سياسة, ولكل خصم سلاح . ولهذا فليس بصحيح الاتجاه الذي يسعى أن يجعل من السلوك المسالم الخائف منهجا للإسلام , ويجتهد أن يصنع من أعضاء تنظيمه حمامات للسلام تذبح عند المواجهة, أو أغصانا للزيتون تيبس عند اشتداد الجفاف, وإنما الموقف الصحيح أن يكون هم التنظيم الاقتداء بالسنة التي ربى الله عليها الأنبياء فموسى عليه السلام نشأ في ظلمة البحر وأهواله , وسكين فرعون وقسوتها , حتى اشتد عوده. فكانت المواجهة القوية بينه وبين عدوه جهادا وتضحية ختمت بانتصار . ومحمد- صلى الله عليه وسلم- قد بعثه ربه بالسيف , به حمى دعوته وأنصاره, وفي ظل السيف عاهد وحاور وسالم وصالح , مثلما قاتل وحارب وجاهد وخاصم .. واليوم- في زمن الخوف الذليل – ظهرت حماس الأقصى فأخذت السنة نفسها متعالية على كل الصيحات الجبانة التي أشفقت عليها فنصحتها أن تتخلى عن السلاح , والصيحات الظالمة التي وصفتها بالإرهاب , وكادت ومكرت لحربها. ولم تصغ حماس الأقصى لتثبيطات المشفقين, ولا لتهديدات الباطشين , وإنما مضت تجاهد بالحجة ضد الحجة, وبالسيف ضد السيف, وبالصوت ضد الصوت وتثق فيمن يثق بها وتكيد لمن يكيد ضدها . وأحدث المشاهد المثيرة أن انتصرت حما س الأقصى بصندوق الاقتراع المعزز بكتائب عز الدين القسام , والدرس المفيد أنها جمعت بين النضال السياسي والنضال العسكري , فأثمر الجهادان النتيجة التي أثلجت صدور المؤمنين . ومما لا شك فيه أن حماس الأقصى نجحت في إدارة الصراع فكسبت المعركة فهل ستنجح في إدارة الصراع التالي لتكسب التمكين ؟ الله معها . وبناء على حكمة أهلنا القائلة : ( إذاحلق أخوك شعره بلل رأسك ) ها هو البرق يلمع في الأفق , يحمل تباشير انتصارك, فهل أنت مستعدة لتحمل تبعات قيادة الناس, يا حماس أرتريا ؟. • لا شك أنك كنت تحسنين الثبات في الطريق فبقيت في ساحة الوغى تبذلين الدماء من خيرة شبابك خريجي الجامعات والراتعين في رياض الذكر و خلاوي القرآن . • لا شك أنك كنت تحسنين الحوار فقد أقنعت – بفعلك ومقالك وثباتك – الآخرين حتى أدركوا في نهاية المطاف فأتوا إليك متحالفين واشتركوا معك في سفينة المقاومة. • لا شك أنك كنت تحسين الصبر على البلاء ولك القدرة على امتصاص أذى الآخرين إلى درجة غضضت الطرف فيها عن الذين رموك بالتسليم لأفورقي وخيانة الجهاد حتى علمهم الزمن أن الحق معك فأتوا يتشبثون بحبال السفينة التي تقودين من الخلف بحثا عن النجاة من الغرق . فهل أنت يا حماس أرتريا قادرة لقيادة الأمة لتكونوا البديل الراشد عن نظام الاستبداد وفصائل التسول المعارضة التي تتوالد من رحم الانشقاقات لا من رحم الشعب وظلت – ولا تزال – تنتظر الدعم الأمريكي ليأتي بها إلى سدة الحكم كما فعلته دبابته في دعمها لـ (كرزاي) الأفغان و(طالبرزاني) الأكراد و(جعفري) الشيعة في العراق . خطابك كان قويا عند الطرح مما جعل الشعب يقبل إليك ويدبر عن العلمانيين وكنت قادرة على الإقناع وجذابة مما يبشر أن الشعب لا يفضل غيرك عليك وإن صندوق الاقتراع الأصم – عند التحاكم إليه – لن يقف إلا متعاطفا مع شعار “الله أكبر” ضد شعارات الشياطين المختلفة . فهل أنت يا حماس أرتريا مستعدة لقيادة الأمة بمختلف تناقضها وعقائدها ورغباتها ومكائدها . إن مرحلة قيادة الناس وإدارة الدولة تختلف عن مرحلة التبشير بالإسلام وحلوله الناجعة إن المرحلة التالية للانتصار لهي أصعب من مرحلة الجهاد والمقاومة وذلك لأن الناس الذين أيدوا تنظيما مقتنعين بطرحه السياسي وشعارات الرخاء التي وعد بها يريدون أن يعايشوا تلك الشعارات واقعا معاشا . سقطت أقنعة العلمانية بمختلف فروعها المناضلة عبر صناديق الاقتراع في فلسطين لتفتح المجال أمام الشيخ المعمم ليحكم البلاد والعباد هذه المرة دون أن يتخلى عن الخشوع في محراب مسجده ودون أن يفتر عن أداء أذكاره وإقامة صلواته فهو كان إماما للناس في دينهم ولهذا اختاروه إماما لهم في دنياهم ليصل بهم الحياة الدنيا بالحياة الآخرة في توافق بينهما دعا إليه الدين داحضا بذلك ما ادعاه العلمانيون من تدابر بين الدين والسياسة. نجحت حماس الأقصى بعون الله ثم بإرادة الشعب الفلسطيني الذي أيدها وآزرها وهو يعلم أنها غير مدعومة أمريكيا وغير مرغوب فيها غربيا وغير متوقع أن تنصر وأن تجد الدعم المادي المناسب عربيا وإسلاميا . وذلك لكونها تحمل مشروعا إسلاميا يعاديه جل حكومات العالم الإسلامي العلمانية . ونجاح حماس الأقصى يا حماس أرتريا شرف لكل حركة إسلامية مجاهدة وهو مبشر بصبح جديد يمكن أن يتمدد نوره إلى بقية ديار الإسلام بإذن الله وهو تجربة ثرة يلزم أخذ الدرس منها والعبر النافعة . التجربة كلها دروس وعبر ؛ ولأنها كانت مديدة العمر وعميقة التاريخ فإن ما يؤخذ منها من دروس وعبر متشعب كتشعب خبرتها وتاريخها وبذلها وعطائها في مختلف مجالات الحياة الجهادية والسياسية والاجتماعية, ومن أهم ما يلزم لفت الانتباه إليه ( درس الجهاد المسلح), فبه أرعبت عدوها اليهودي حتى بنى الجدار العازل يتحصن به عن ضربات المجاهدين , وبه علا صوتها, ورفع ذكرها, وخاف منها عدوها , وأحبها شعبها واختارها على غيرها . فهل لا تزال بيدك بارقات السيوف مثلما ما بيدك ملفات الحوار يا حماس أرتريا ؟ ولماذا كان الأشهر منك – صوتا وتضحية – المقاومات الحديثة الولادة في العراق ؟ باسم القروي 4/ 3/2006 dabersala@yahoo.com