مقالات

سقوط الفراعنة : عمر جابر عمر

12-Feb-2011

المركز

مدخل
كان الرئيس المصري الراحل ( أنور السادات ) يقول بعد أن استقر له الحكم : أنا وعبد الناصر آخر الفراعنة !! كلا … الفرعون هو المستبد – الذي يملك كل شيء ولا يسأله أحد عما يفعل – وبهذا المعنى هناك فراعنة كثيرون في عالمنا هذا.

كلمة فرعون كانت تطلق أصلا على قصر الحاكم أي مكان إقامته –ثم تغير استعمالها ليشمل ساكن القصر أي الحاكم. الدكتاتورية نظام ونهج معروف منذ فجر التاريخ ولا يقتصر على شعب بعينه – إذا تفحصنا قليلا تجربة شعوب منطقتنا العربية والأفريقية خلال العقدين الماضيين نجد بعض النماذج لهؤلاء الفراعنة :صدام حسين – على عبد الله صالح – حسنى مبارك – زين العابدين بن على – أسياس أفورقى !!لم أذكر الملوك لأن هؤلاء فراعنة بالوراثة والتوريث ولا يدعون أنهم وصلوا إلى السلطة بالانتخابات !الفراعنة تجمعهم خصائص ومواصفات مشتركة :1.الاستيلاء على السلطة بوسائل ملتوية والانفراد بها والسيطرة على كل شيء – القرار والمال والأضواء – وكل من معه من وزراء ومستشارين مجرد خدم ينفذون ما يطلب منهم.2. الفرعون لا يقبل النصيحة من أي جهة – يحكى أحد قادة المعارضة السودانية فى أسمرا أنه فتح يوما موضوع المعتقلين السياسيين في إرتريا وطلب من فرعون ارتريا أن يطلق سراحهم – قال له الفرعون :هؤلاء أخطأوا ويجب أ ن يأخذوا عقابهم – قال المعارض السوداني : ربما تكون أنت المخطىء – حتى الأنبياء يخطئون – قال الفرعون: نعم الأنبياء يخطئون ولكنني لا أخطىء !؟حسنى مبارك كان ينصح صدام حسين ليستقيل ويجنب شعبه نتائج مدمرة – رفض صدام وعندما جاء الدور على حسنى مبارك رفض النصيحة وقال أنه لا يقبل أي ) إملاء )من الخارج !؟3.الفرعون لا يسافر كثيرا إلى الخارج – وإذا سافر يعود مسرعا والسبب هو أنه يتحاشى اللقاء مع وسائل الأعلام الخارجية التي تحرجه بأسئلة لا يريد سماعها وهو أيضا يريد أن يقول للرعية أنا موجود … 4.الفرعون لا يفكر في الموت – يعتقد أنه خالد – اسياس قال أنه سيعيش مائة عام !5.الفراعنة لا يتعظون بمن سبقوهم – يكررون نفس الأخطاء ويرددون نفس المبررات – أسياس يقول ( إن الشعب يحبه وهو يحب الشعب ) – حسنى مبارك قال أن غالبية الشعب المصري يعرفون من هو ويحبونه وأنه يأسف أن يرى ( بعض (أبناء مصر في الشوارع – ملايين يصفهم هكذا !؟التغيير ثورات تونس ومصر أحدثت تغييرا شاملا وجذريا فى أنظمة البلدين – ولكن الصحيح أن نقول أن التغيير في نفوس ووعى الشعبين هو الذي صنع الثورة. (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .التغيير كان يتكون تدريجيا من خلال الأثير ( الانترنت والفضائيات ) والثورة كانت تتخلق بهدوء ولكن بثبات لتبنى إرادة وقوة ومبادرة لتحدى الطغيان. جاء التغيير لتسديد فواتير لم يتم تسديدها منذ الاستقلال ولينفذ استحقاقات طال أجلها بعضها يتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية ولكن الانفجار كان بسبب وصول تلك الأوضاع إلى درجة إهانة كرامة الأمة والاستخفاف بقيمها ومثلها وأخلاقياتها. كان الشعراء والأدباء يمارسون الجلد الذاتي طوال العقود الماضية ولكن كان لا بد من نضوج الظروف الموضوعية.ردود الفعل بالرغم من أن الصورة العامة متقاربة لكن ردود فعل الفراعنة على ثورات شعوبهم تتفاوت بحكم التكوين العقلي لكل منهم والتركيبة الثقافية والنفسية للفرعون.# — تونس – جنرال منعم عمل في السلك الدبلوماسي في أوربا وتم تجنيده من قبل المخابرات الأمريكية هناك. ثم حملوه إلى السلطة وعاش في نعيم الدنيا ورفاهيتها – وفى لحظة الخيار الحاسم أختار نعيم الدنيا وزينتها على السلطان وجبروته.#- العراق – قاوم وساوم للبقاء ولكنه عندما وصل إلى قناعة بأن رأسه هو المطلوب أخرج كل المخزون من تراثه العربي التكريتى ومات بكبرياء.#- مصر – حسنى مبارك متبلد الإحساس – بارد المشاعر – إنه (جاموسة ) مصرية لا تكترث بما يجرى حولها ويمكن أن تنسف ( الحظيرة ) في لحظة عناد !#- اليمن – النظام يتسلح بالقبيلة –ومشكلة اليمن أنه لم يستطع أن يغير من علاقاته الاجتماعية ومفاهيمه الثقافية طيلة العقود الماضية – قامت (الثورة – الجمهورية ) ضد الملكية ولكنها كانت فوقية – هي التي جاءت إلى الشعب ولم يذهب إليها الشعب ! ولولا تدخل الجيش المصري لما استقر النظام الجمهوري.تم إدخال ( الحضارة – التلفزيون – التلفون – السيارة والسلاح إلى مناطق القبائل وهى في مواقعها وبيئتها لم تتحرك ولم تتغير ! ومهما كانت النتائج فان التغيير قد بدأ في اليمن ولكن خصوصية الواقع اليمنى ستكون حاسمة في تشكيل وإخراج النتيجة النهائية ولكنها بالتأكيد ستكتب نهاية فرعون اليمن وأبنه.# – ارتريا هل يمكن أن يحدث في ارتريا ما جرى في تونس ومصر وما يجرى في اليمن ؟ لم لا ؟التاريخ يقول أن تلك هي حتمية الأنظمة الدكتاتورية ولكن لكل بلد خصوصيته. التجربة الارترية مليئة بتراث العمل الجماعي والتحرك الموحد خاصة إذا وجد قيادة قادرة على رسم خارطة طريق وتحديد الهدف.بعد التحرير انتهى ذلك الميراث والموروث – استنفذنا واستهلكنا كل المخزون الجماهيري والروح الشعبية الواحدة – أخذ الجميع ( استراحة محارب) وانتظر الشعب بزوغ فجر جديد – ولكنه كان كابوسا مخيفا – قامت الدولة بدور الجلاد والسجان لشعبها وانفردت الجبهة الشعبية بالحكم . أصبحت هي ) الشعب ( وهاجر الآخرون وعاش من تبقى هناك تحت القيود. هل يمكن أن تثور الشعبية على نفسها ؟ في غياب التحرك الجماعي تكون هناك المبادرة الفردية – إذا استحال قطع الجذور فان البديل هو قطع الرأس !إذا أنقطع الرأس اختلف الورثة من بعده إما لتضارب المصالح أو تعارض المواقف أو ربما بسبب يقظة ضمير ! دوائر صغيرة على عدد أصابع اليد الواحدة هي التي ستأخذ المبادرة وستنجح واحدة منها لا محالة.ربما يذهب البعض إلى محاولة مقارنة ارتريا بالوضع في تونس – بحكم النسبة السكانية – ولكنني أجد أن أقرب نموذج هو العراق – إذا تركنا جانبا الثروة النفطية والنسبة العالية للتعليم والمصادر المتنوعة للثروة التي يملكها العراق.1- كل من فرعون العراق وفرعون ارتريا وصلا إلى الحكم بجهود وتأييد حزب – أي بدعم من رفاق نضالهما –ولكنهما خانا الأمانة وانفردا بالسلطة وقاما باعتقال واغتيال هؤلاء الرفاق !2. المجتمعان العراقي والإرتري فيهما تنوع ثقافى وتعدد عرقي واختلاف ديني – وهى حالة يمكن أن يستغلها الفرعون لتدعيم حكمه كما أن القوى الخارجية يمكن أيضا أن تستخدمها ضد الفرعون.3. البلدان وضعتهما أقدارهما بجوار دول كبيرة خاضت حروبا مدمرة ضدهما وما تزال مطامعهما تشكل خطرا على استقرار ووحدة الشعبين الداخلية (إيران وأثيوبيا ) .4. القوى الخارجية (الغرب )قام بغزو العراق بسبب صراعه مع إيران ولتغيير النظام ولكنه في الحالة الارترية تحالف مع أثيوبيا لإزالة النظام الإرتري.5.التشابه الأخير ربما يكون غريبا خاصة لمن لا يهتمون بسايكولوجية الفراعنة وسلوكهم – أعنى التشابه الكبير بين الشخصيتين ( صدام وأسياس ) !؟ من لم يشاهدهما قد لا يصدق ذلك ولكن مراجعة لأفلام الفيديو ) توضح ما أريد قوله. لقد أتيحت لى الفرصة أن أرى الرجلين قبل وصولهما إلى السلطة وبعد أن وصلا !!كان صدام يأتي إلى نادي كليتنا في بغداد وهو طالب ومعه زملاؤه – كان يسير أمامهم وهم يسيرون خلفه وليس إلى جانبه وهو مجرد طالب ! طريقة مشيته كانت تعكس الروح الطاووسية التي تسكنه – وبعد أن أصبح الآمر الناهي في العراق قابلته في القصر الجمهوري وكان يجلس لوحده في كرسي ( العرش ).بعيدا عن الوزراء يعطى أوامره بالإشارة ! وبعد الحرب مع إيران لبس الكاكى للدعاية الإعلامية ولكنه في داخل قصوره كان يعيش مثل الإمبراطور. بعد حرب الخليج الأولى قبل الهدنة بطريقة مهينة ضد سيادة العراق وبعد الغزو الأمريكي الأخير للعراق أختبأ في ( حفرة ) ثم خرج رافعا يديه وهو يقول : نتفاوض أنه حب السلطة والتمسك بها مهما كان الثمن !الذين يعرفون أسياس يقولون أنه حتى في حلقات السمر فى الميدان كان يجلس وحيدا يراقب من بعيد !بعد التحرير قابلته عدة مرات في المطاعم والشارع العام – كان يسير أمامهم وهم من خلفه ! وفى اجتماعات مجلس الوزراء نراه يجلس وحيدا بعيدا عن بقية الوزراء – وبعد حرب بادمى قبل بوقف اطلاق النار رغم معارضة وزير خارجيته ورغم كل التهديدات رضخ للأمر الواقع.الغريب أن الأثنين – صدام وأسياس – كانت بداية حياتهما السياسية من خلال المخابرات الأمريكية !الأول ( صدام ) في القاهرة التي كان يعيش فيها كلاجىء والثاني ( أسياس ) في القاعدة الأمريكية فى أسمرا. لكن العلاقة مع الاثنين انتهت إلى العداء وذهب الأول ضحية لها وما يزال الثاني ينتظر !؟كانت انتفاضة الشعبين التونسي والمصري رسالة لفتح صفحة جديدة في التاريخ المعاصر – رسالة فحواها أن الشعوب مهما صبرت وتحملت لا بد أن تثور لكرامتها وحريتها – الحرية فطرة في تكوين الإنسان لا يمكن أن تزول – وأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة – هنيئا للشعبين التونسي والمصري لعبورهما إلى شاطئ الحرية والأمان ونسأل الله أن يوعدنا ويحقق لنا أمنياتنا و نرى نهاية وسقوط فرعون ارتريا – اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى