سلام السودان وإرتريا ..تختلف الأهداف لاختلاف المنطلقات ..بقلم : أحمد محمد ناصر
23-Jun-2006
المركز
صرح الرئيس الإرتري اسياس افورقي لوكالات الأنباء بعد عودته إلى اسمرا على إثر زيارته القصيرة للسودان “كل شيء رميناه في الزبالة”. المقصود بهذا التصريح أن الحكومتين صفيتا جذريا كل العوامل التي كانت تعيق عودة العلاقة بين البلدين إلى طبيعتها.
نرجو أن يكون هذا التصريح معبرا عن صدق النوايا إذ لا يوجد بين مواطني البلدين الشقيقين من لا يتمنى زوال الجفاء الذي حكم العلاقة الإرترية السودانية طوال عشرة أعوام مضت. لأن الأبقى في العلاقة هو بين الشعوب وليس بين الحكام. لا شك أن السودان يهدف من تحركه إطفاء بؤر التوتر في بلاده من أجل المواصلة في العملية السلمية التي بدأها باتفاق “نيفاشا” وأعقبها “بابوجا” متوخيا استكمالها بالتفاوض مع جبهة الشرق. وعلى هذا الأساس رحب بمبادرة إرتريا للتوسط واستضافة المفاوضات في أسمرا. وفي المقابل يحق لنا، من واقع تجارنا مع النظام الإرتري، أن نتشكك كثيرا فيما يتوخاه النظام من مساعيه لتطبيع العلاقة مع السودان بعد أن شهدت تدهورا لعقد من الزمن.بداهة أن أهداف البلدين تختلف باختلاف المنطلقات التي تنطلق منها رغبة كل طرف من تطبيع العلاقة. فأمر السودان محسوم من حيث المنطلق والهدف، كما نوهنا في السطور عالية. أما النظام الإرتري رغما عن أن أزماته الداخلية التي وصلت إلى درجة تهدد استمراره في سدة الحكم، إلا أنه لا يقر بها مفضلا الهروب إلى الأمام باستمرار. فالأرجح أنه يعتقد عبر العامل الخارجي(التطبيع) يستطيع إنقاذ نظامه بخنق نشاط المعارضة الذي بدأ في التصاعد داخليا وخارجيا. وهنا يأتي الفرق الشاسع بين الطرفين إذ من يريد أن يعزز الإنجاز الداخلي بالمضي قدما في العملية السلمية ومن يريد أن يقضي على المعارضة عبر الورقة الخارجية. أننا نطمح في أن نرى سلاما جادا وحقيقيا ونرجو أن يبرهن اسياس عكس ما ذهبنا إليه بمراجعة نظريته المدمرة القاضية إلى إمكانية حسم قضايا الشعوب بالقمع والإرهاب والتي جعلها ناموسا يهتدي به في تعامله مع الرأي الآخر منذ اعتلائه الحكم في إرتريا. وإذا كان المبتغى هو الوفاق الوطني ثم الاستقرار، فالعلاقة بين السلام الداخلي والتطبيع مع الخارج لا يمكن أن يعزلا عن بعضهما البعض.أمر لا يقبل الجدل ، بأن العمليات السلمية الجادة التي بلغت غايتها وأخرجت بعض البلدان التي عانت داخليا من أزمات عميقة ، بدأت إنطلاقتها من الداخل . وعلى نقيض من ذلك فأن المساعي التي انطلقت من الخارج كان مآلها الإخفاق. هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن النظام الإرتري لا يزال متشبثا بفكره المتحجر إزاء الوضع الداخلي ولا تبدو في الأفق القريب أنه ينوي معالجته بنظرة واقعية وموضوعية . وفي هذا الشأن يؤكد الأمين محمد سعيد، أمين عام الحزب الحاكم، استقراءنا هذا عندما قال ” أن نظامه لا يمانع اللقاء مع المعارضة ولكنها لا تملك تصورا “.ولا عجب في أن نسمع مثل هذه المقولة من الأمين محمد سعيد الذي يمارس نظامه الإرهاب والقمع كسلاح مفضل في وجه الرأي الآخر، ونهج التعالي والغطرسة في علاقته مع المجتمع الدولي التي من خلالها أساء إلى سمعة الإرتريين ، بينما تناضل المعارضة في سبيل تغيير تلك الصور القبيحة التي رسخها النظام الديكتاتوري لدى الرأي العام العالمي عن إرتريا وانتصار قيم الحرية والديمقراطية والعدالة . قبل أن نختتم هذه المقالة لابد من التأكيد أنه بصرف النظر عما يقوم بالوساطة، فأننا نتمنى أن يفضي التفاوض بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق إلى حل الأزمة جذريا لينصرف الأشقاء السودانيون جميعهم نحو تنفيذ مشاريع التنمية ولترفرف رآية السلام في ربوع السودان. ولكننا نشك كثيرا في أن نظاما كان وما يزال طرفا في تأجيج وتغذية مشاكل السودان، بتعاون لصيق مع جهات معادية له، أن يتحول فجأة إلى حمل وديع ليطرح نفسه أبا للسلام ومشاركا أمينا في الجهود المبذولة لانتصار السلام في السودان حتى يؤتمن جانبه بهذه البساطة. وفي ذات الوقت نود أن نذكر أخوتنا السودانيين عتابنا كمعارضة بالأخطاء التي ارتكبت في حقنا على الصعيد الرسمي في السابق. نعم، أنكم أحرار فيما تخذونه من مواقف وقرارات غير أننا نأمل ألا يكون التعامل مع المتغير على حساب الثابت في علاقات وتطلعات الشعبين التي تظل أزلية بينما علاقات الأنظمة مصيرها إلى الزوال .