سيرة تاريخية عن حياة وطني غيور ومعلم جليل/ بقلم :أ. محمد نور فايد حمبره*
22-Feb-2014
عدوليس
بسم الله الرحمن الرحيم (كل من عليها فن ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) ــ صدق الله العظيم ــرحل عن هذه الدنيا الفانية المعلم والمربي الجليل الاستاذ صالح محمد محمود ، الوطني الغيور والإنسان الكادح .
الاستاذ صالح كرس كل حياته في سبيل تربية وتعليم الأجيال سواء في داخل الوطن أو في المهجر ، طوال سنوات عمره لم يفكر هذا الرجل الكادح يوما ليأخذ قسطا من الراحة أو إلتفافة لأولادةه، حتى وافته المنية رحمة الله رحمة واسعة .
عاصرت الاستاذ صالح منذ ان كنت تلميذا ثم معلما ،ثم في مرحلة من مراحل النضال الوطني ، لذا رأيت لزاما علي ان أكتب هذه السطور لفائدة القاريء الكريم ليتعرف على مدى الطموح والمشاعر الوطنية النبيلة التي كان يتحلى بها هذا الفقيد الكبير .
عندما تخرج من معهد التأهيل التربوي في عام 1949م بأسمرا ، ألتحق فورا بمدرسة مدينة قندع الإبتدائية حتى عام 1955 م ، حيث تم نقله معلما لثانوية مدينة كرن والتي كنت حينها طالبا فيها . كان يدرسنا مادة الرياضيات والتي أبدع في طرق تدريسها ، وعلمنا طرق سهلة لحل المسائل الرياضية ، وهذا ما افادني لأكون من الذين تجاوزا إمتحانات معهد المعلمين عقب إكمالي للمرحلة الثانوية في عا م 1959 م فقد كانت ثلاثة مسائل من أسئلة مادة الرياضات صعبه للغاية وتجاوزتها بإستخدم طريقة معلمي رحمة الله وحللتها بينما فشل الكثيرين من الزملاء في ذلك .
من مواقفة الوطنية الجريئة أسجل هنا موقفه من مظاهرات 1957م والتي عمت كل المدن الإريترية ، كان الفقيد يلتقي بنا ويشجعنا على الإستمرار في الاضراب ، بينما كان بقية المعلمين يبدون موقفا متحفظة أو رافضة خشية من عواقب ذلك .
وقد كان الراحل يحمل هموم أبناء المنخفضات الغربية والشرقية المهملين والمحرومين من حق التعليم ، حيث كانت نصيب تلك المناطق فقط حتى المراحل الإبتدائية ، ولا تواجد مدارسة ثانوية .
في عام 1970 عندما شيدت الحكومة الإثيوبية لأول مرة مدرسة ثانية في مدينة أغوردات بادر الفقيد بالاستقالة من مهنة التدريس والذهاب إلى أديس ابابا لتلقي دورة تدريبية في الإدارة ، عين على إثرها مديرا للثانوية الجديدة ، وقد سبق الفقيد إفتتاح المدرسة رسميا بسلسلة واسعة من عمليات البحث والتقصي عن المعلمين الأكفاء ولأجل هذا الغرض كان يلتقي بمدراء المدارس لمعرفة المعلمين لإستيعابهم في هذه المدرسة ، كما نسق جيداً للإعداد مع المرحوم الأستاذ جابر سعد ضابط التعليم في الأقليم آنذاك ، وقد أفتتحت المدرسة رسميا في سبتمبر 1971م ، وتدفق نحوها عشرات الطلاب من مختلف أنحاء الأقليم ،وكان لي شرف الألتحاق بها كمعلم ، وكنت قبلها معلما في المدرسة الخيرية الإسلامية الثانوية في أسمرا وذات يوم أتصل بي الاستاذ عيسى سيد محمد متعه الله بالصحة وأبلغني رغبة الفقيد الأستاذ صالح في ان أنضم لطاقم المعلمين معه في المدرسة وكان ذلك .
مدرسة أغوردات الثانوية التي استمرت من 1971 وحتى 1975م ، تميزت بالإنضباط والحيوية والنشاط والكسب التربوي والعلمي .
وكما يقال تأتي الرياح بما تشتهي النفس دائما فقد كان يوم الأحد الأسود في التاسع من مارس 1975م حيث قتل العشرات من أبناء المدينة وشرد الأسر وتشتت سكان المدينة .
وفي عام 1976م هاجرت مع أسرتي إلى السودان حيث استقريت بمعسكر ود الحليو ولعامين كنت معلما في معهد النهضة الإسلامية ، ولا أنسى هنا فضل الأستاذ المربي المرحوم محمود سبي رئيس جهاز التعليم الإريتري التابع لقوات التحرير الشعبية وذلك لمؤازرته لي ومساعدتي في منحي راتب شهري مقابل التدريس في المعهد ، وبعدها ذهبت لمدينة كسلا ودرستُ في مدرسة اليونسكو الثانوية حتى تحرير اريتريا قي مايو 1991م .
أما الاستاذ صالح محمود ورفيقه الأستاذ جابر سعد رحمهما الله فقد ألتحقا بجبهة التحرير الإريترية واسسا جهاز التعليم الإريتري التابع للجبهة وأتفقا مع إدارتي وزارة التربية والتعليم السودانية ومفوضية غوث اللاجئين السامية التابعة للأمم المتحدة لفتح مدرستين إعدادية وأخرى ثانوية في كسلا وذلك لإستقبال الطلاب الإريترين ، وبمساعي من الفقيد تم تعين الأستاذ صالح حمدي مد الله في عمره مديرا للثانوية العامة ( الإعدادي ) والاستاذ حامد سيد محمد مد الله في عمره مديرا للثانوية العليا ، وبعد عام خلفه الأستاذ الشهيد مكئيل قابر.
وكان الفقيد رحمه الله يوجه كل المعلمين للالتحاق بالميدان في العطلة السنوية للمدارس للمشاركة في إعداد وترجمة منهج التعليم للمرحلة الإبتدائية ، كما كان الفقيد يشرف على المدارس وعمليات التدريس في المدن المحررة والريف الإريتري آنذاك والتي كان يدرس فيها الطلاب الإريترين القادمين من سوريا والعراق والسودان وليبيا .. الخ من العواصم العربية ، حتى عام 1980 م الكارثية والمحطمة للآمال وذلك بإنسحاب جبهة التحرير الإريترية إلى الأراضي السودانية .
ان ما سردته هو القليل من سيرة هذا الرجل وخدماته للشعب الإريتري ولا تفي بحقه .. هذا الرجل الذي قدم كل غال ونفيس من أجل خدمة وطنه وشعبه جعلها الله في ميزان حسناته .
إلا رحم الله الفقيد وأسكنه مع الصديقين والشهداء والصبر لعائلته .
* ملبورن ـ أستراليا