شكرا ..قناة الجزيرة لحضوركم مراسم الدفن بقلم / محمود عثمان إيلوس
4-Sep-2014
عدوليس
الموضوع : الفلم الوثائقي الذي عرضه برنامج ( تحت المجهر) في قناة الجزيرة الموقرة ؛ تحت عنوان ” بين الرمضاء والنار” الأربعاء 8/20/2014 لمحاولة عرض مأساة اللاجئين الإرتريين في شرق السودان.
خطورة الموضوع وعظم قناة الجزيرة:تعد الجزيرة احدى أكبر القنوات العالمية التي تمتلك قدرة توجيه رأي عام في المناطق التي يراد لها تكثيفا اعلاميا . فأي موضوع يتم تناوله من قبل الجزيرة إنما يكون له مشاهدة واسعة النظاق بغض النظرعن مواقف المتلقيتن أو المشاهدين . وعرفت الجزيرة بالحيوية والحضور لإعداد برامجها الساخنة ، والشواهد كثيرة لاتعد ولاتحصى ، فهي اقوى قناة مؤثرة في مجريات الاحداث في مصر وسوريا وفلسطين ، بل شكلت الجزيرة مؤثرا قويا لدى المتابع الأوربي والأمريكي ، حيث تعد الجزيرة أحد اهم المصادر الإعلامية لدى قراء الرأي العام العالمي ، كما يعد موضوع اللاجئين الإرتريين قديما وحديثا في غاية الخطورة ، وفي غاية الأهمية ؛ ليس لأن اللجوء صفة انسانية تضطر الانسان لهجر بلاده وتسليم أمره للآخرين فحسب ؛ وإنما لما تنطوي علىه قضية اللجوء الإرتري من مسببات خطيرة ، ولما تعرض له الإنسان الإرتري المهاجر من انتهاكات خطيرة في انسانيته وكرامته وعرضه وشرفه في كل معبر من معابر النجاة من ارتريا.لماذا قضية اللاجئين الآن ..؟ظلت العلاقات الإرترية القطرية الرسمية مؤثرة في اتجاهات الاعلام العربي في المنطقة ، حيث تعتبر الجزيرة احدى اهم القنوات الاعلامية البارزة التي تخفف من تناولها للأوضاع الإرترية ، أو تغض الطرف عنها في كثير من الأحيان . فقد ظلت قطر في موقف داعم للنظام الحاكم في إرتريا ، للتوجه الاستراتيجي الذي تتبناه قطر تجاه المنطقة ، لاسيما في مجالاتها الاستثمارية والتجارية، بل لما تحاول ان تمثل قطر من دور دولة متزنة ومؤثرة كتأثير بريطانيا في أروبا . ولاشك ان دول قطر ايجابي في كثير من المواقف في الاصلاح بين كثير من الدول المتجاورة . والحديث عن العلاقات الدولية وتأثيراتها أمرواسع وشائك لامجال لحشره في هذه الجزئية بقدرما اقتضت الضرورة للاشارة اليه بين يدي القضية الحالية وفي ظل مايشكله موضوع اللاجئين من آلام وجراح لنظام أسياس أفورقي الحاكم في إرتريا. فهل ارادت الجزيرة أن تصفع النظام الحاكم ولسان حالها يقول انظر الى سوءاتك وجرائمك التي تسترنا عليها حينا من الدهر ، أم ارادت الجزيرة ان تغير مجرى سياساتها الاعلامية وإدخال إرتريا ضمن اعلامها الجاد ، ابتداء بأم القضايا الارترية ممثلة في هول اللجوء السرمدي الذي لا نهاية له . من خلال تقييمي الخاص للموضوع الذي قدمته الجزيرة حول هذه المأساة ، يبدو انه لايخرج من دائرة مبادرات محدودة لم توضع له الجهود المادية والبشرية المعهودة في برامج الجزيرة الموعودة . أي ، ان الفيلم الذي قدمته الجزيرة لايشبه الجزيرة في قدراتها وتعليقاتها وكمراتها التي تربط مابين صورة اليوم والأرشيف. ومع هذا كله لا ينفك الأمر من التراخي السياسي القطري الراعي تجاه النظام الحاكم في إرتريا .النظرة التي قدمها الفليم الوثائقي :انطلق معدوا الفليم من مبدأ الاعتماد على جمع وتنسيق المواد الأرشيفية المشاعة المسجلة حول اللاجئين الإرتريين، والاكتفاء باجراء بعض مقابلات مباشرة مع بعض شخصيات مقتدرة على الحديث من بين اللائجين أنفسهم ، وبعض مقابلات رسمية وسط مديري معسكرات اللاجئين ومعتمدية اللاجيئن ، حيث شكلت هذه المقابلات في جملتها الفكرة الرئيسة لمحتوى التعليق المصاحب . ومن يشاهد الفلم دونما تكون له معرفة مسبقة بما يجري في إرتريا إنما يخرج بنتيجة مفادها أن السبب الرئيس في اللجوء الإرتري المتدفق هو الهروب من الخدمة العسكرية غير محددة الأمد إلى جانب بحث الإرتريين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية . والحقيقة ان الخدمة الوطنية المفروضة في ارتريا لا تعد ان تكون جزء من الأسباب الرئيسة التي تدفع الإرتريين للخروج من بلادهم . إذ أن الأرامل والأيتام المهاجرة لم تفقد أزواجهم أو آبائهم في الحروب العسكرية فحسب وإنما فقدوهم في غياهب السجون والمعتقلات العنصرية التي شيدها النظام الحاكم. لم يهرب الإرتريون ابدا من العسكرية والحروب الدفاعية عن حدود بلادهم ، ولكنهم يهربون من ظلمات الدكتاتورية الغاشمة والمصير المظلم الذي احاط بمستقبل البلاد السياسي ، حيث انهارت مقومات الأمل لدى المجتمع الإرتري بين يدي نار النظام الدكتاتوري الحاكم وهشاشة البديل السياسي المرتقب . كما أن الفيلم حاول ان يتجسد مشاكل التعليم والفاقد التربوي وسط اللاجئين ، بل حاول أن يرسخ ظواهر اندماج التلاميذ في المجتمع السوداني لكونهم يدرسون مناهج تربوية سودانية ، ومع صحة هذه الناحية لم يحاول البرنامج للاشارة إلى بعض الجهود التي تقدمها منظمات وجهات ارترية في هذا المجال وسط اللاجئين الإرتريين في السودان ، هذه الجهود مع قلتها تشكل دورا مهما جدا والاشارة إليها تلفت إلى اهمية دعمها وتقويتها من قبل الخيرين الذين لربما يشاهدون مثل هذه البرنامج ، إذ أن البرنامج لا بد وأن يحمل رسالة واضحة إلى المجتمع وإلى المشاهدين.كان يمكن لبرنامج الجزيرة حول اللاجئين ان ينزل على الميدان ويتلمس أوضاع اللاجئين بشكل واقعي وحقيقي ومباشر ليقدم ملخصا متماسكا ووافيا للحالة . لحالة لجوء متجدد بمالايقل عن 100 حالة يوميا على الحدود الارترية السودانية ، وماخفي اعظم، لأن من يريد ان يتحدث عن مشكلة اللاجئين الإرتريين يجب عليه ان يمتلك الشجاعة ويتحدث عن الأسباب الرئيسة بشكل مباشر ، كما يجب عليه أن يمتلك النظرة الانسانية المجردة عن المجاملات الرسمية ويذهب إلى اللاجئين ليتحدث إليهم مباشرة وليس ليتحدث مع من يعتقد انهم يتحدثون باسم اللاجئين. اللاجئون الإرتريون ، وهم يمثلون بؤرة الحقيقة لمستقبل انهيار الكيان الارتري واحتمال زوال الدولة الارترية من الوجود؛ لانتفاء الشرط الثاني لمقومات قيام الدولة، وهو الشعب . فالدولة انما هي ارض وشعب ونظم. ان الحقيقة هنا ليست هجرة ولجوء وإنما هو مشروع لرحيل أمة . وقد صدق ذلك البرنامج الذي قدمته نخب اعلامية ارترية من خلال التلفاز السوداني قبل عدة سنوات ، حيث سموا المشروع ” إرتريا : رحيل أمة” أو مايشبه ذلك . وكان لذلك البرنامج اثر ايجابي وبالغ في يقظة الشارع الإرتري ؛ هذه هي الوجهة الحقيقية لمن يريد ان يتحدث عن الأوضاع الإرترية ، أنه مشروع لرحيل أمة لتتلاشي إرتريا من الوجود.إذا كانت الجزيرة قد وضعت سياسة جديدة تجاه مشكلات ارتريا ، وعدم غض الطرف عن ذلك اللهيب المستمر منذ عشرات السنين، وتغطيتها بشكل مجرد ، مثلها كمثل كثير من الدول التي ابتليت بأوضاع سياسية وانسانية في الشرق الأوسط وافريقيا ؛ فإنه امر يبعث السرور إلى نفوسنا ، ومرحبا بهذه الوجهة حتى لوجاءت متأخرة ، وسيكون للجزيرة دور كبير لايصال رسالة الشعب الإرتري إلى العالم بشكل حقيقي وموضوعي ، وهنا يحب ان تقابل مثل هذه الخطوات بوعي ونهضة ارترية للتعاون والتكاتف اللامحدود لتوضيح مأساة الشعب الإرتري بشكلها الحقيقي . وأما اذا كان منطلق قناة الجزيرة مجرد ملئ فراغ لفكرة عابرة لمجرد مبادرات محدودة لهدف محدود ، ولمجرد نعي موت آلاف الإرتريين وهم احياء ؛ فحسبنا أن نقول للجزيرة شكر الله سعيكم ، وشكرا لحضوركم مراسم الدفن