شمال يوغندا: خلفية النزاع وفرص نجاح عملية السلام «2-2»:ياسين محمد عبد الله
14-Sep-2006
المركز
عملية التفاوض:في سبتمبر 2005م وضع سلفا كير النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب ثلاثة خيارات أمام جيش الرب:1/ الدخول في محادثات سلام مع الحكومة اليوغندية، 2/ مغادرة جنوب السودان،3/ المواجهة العسكرية مع الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان.
رد جوزيف كوني على رسالة كير بعد ثلاثة أشهر مبدياً استعداد حركته للدخول في مفاوضات مع الحكومة اليوغندية. والتقى نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار بالقرب من حدود الكنغو الديمقراطية بجوزيف كوني، وقدم له مساعدات غذائية ومبلغ 20000 دولار أمريكي، مما أثار غضب بعض منظمات حقوق الإنسان مثل هيومان رايتس ووتش التي قالت إنه كان يتوجب على مشار اعتقال كوني لا تقديم المساعدات له.وفي مارس 2006م توصلت حكومة الجنوب وجيش الرب إلى اتفاق تضمن النقاط التالية:1/ أن تقوم حكومة الجنوب بوساطة نزيهة.2/ أن يوقف جيش الرب أعماله القتالية.3/ أن يغادر مقاتلو جيش الرب السودان في حال فشل مفاوضات السلام.وباقتراح من سلفا كير بعث جوزيف كوني رسالة إلى يوري موسفيني في مايو الماضي، طلب فيها الدخول في مفاوضات سلام. ورد الأخير في اليوم التالي بالموافقة مشترطا إيقاف جيش الرب لأعماله القتالية في فترة أقصاها يوليو 2006م، وقال موسفيني إنه سيتجاهل اتهامات المحكمة الجنائية ويمنح عفواً لمقاتلي جيش الرب، فيما إذا تم التوصل لاتفاق سلام. وحددت الحكومة اليوغندية تاريخ 12/9 موعداً نهائيا لإكمال مفاوضات السلام، ويبدو إنها تريد إيجاد حل للمشكلة قبل اجتماع الكومنولث الذي سيعقد في كمبالا العام القادم. وقد أيدت الولايات المتحدة الأميركية من خلال مساعدة وزيرة الخارجية فريزر إجراء المفاوضات بين الطرفين. بدأت المفاوضات في الرابع عشر من يوليو الماضي بمدينة جوبا بإشراف مباشر من الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب.وكان جيش الرب قد تقدم قبل بدء المفاوضات بالمطالب التالية:1/ وقف العدائيات بين الطرفين.2/ ألا يعتقل أي شخص أو يضطهد بتهمة انتمائه أو تعاونه مع جيش الرب.3/ ألا ينخرط أي طرف في دعاية عدائية تجاه الآخر.وتقدمت الحكومة اليوغندية ببعض المطالب والتعهدات منها:1/ أن يتخلى جيش الرب عن كل أشكال الإرهاب.2/ أن يوقف الأعمال العدائية كافة.3/ أن يتخلى عن سلاحه وذخيرته وأن يقدم قائمة بهما.4/ أن تتجمع قوات جيش الرب في أماكن معينة من أجل تجريدها من السلاح وتسريحها.5/ تعهدت بالعفو عن كل المقاتلين بعد التوصل إلى اتفاق سلام.6/ تعهدت بدمج المقاتلين السابقين في الحياة المدنية ودمج المؤهلين والراغبين في الجيش الحكومي.وتقدم جيش الرب خلال المفاوضات بورقة أكثر طموحا تضمنت المطالب التالية:1/ وقف شامل لإطلاق النار.2/ إعادة الذين يعيشون في القرى المحمية إلى قراهم وإنشاء مفوضية خاصة من الراعين للمفاوضات لتنفيذ ذلك.3/ عدم التصرف في أراضي سكان الإقليم الذين سبق وسرقت مواشيهم حتى يتم حسم موضوع التعويضات.4/ تعويض شامل لسكان الإقليم الذين تضرروا نتيجة للحرب الأهلية أو بسبب تحريض الحكومة ضدهم، وأن تقبل الحكومة المسؤولية عن خسارة السكان لمواشيهم وتدمير منازلهم وممتلكاتهم الأخرى في شمال وشرق يوغندا.5/ المطالبة بحل الجيش الحالي الذي لا يمثل الأمة ويدين بالولاء لموسفيني وحده، على أن يتم التجنيد للجيش تحت إشراف دولي، مع الأخذ في الاعتبار التوازن القبلي ودمج جيش الرب والمعارضة المسلحة الأخرى في الجيش الجديد.6/ اقتسام السلطة والثروة، حيث يعاني شمال وشرق يوغندا من الاضطهاد والتهميش السياسي، مع الأخذ في الاعتبار التوازن الإقليمي والسكاني في البلاد.7/ حيث أن الشمال والشرق أقصيا من التنمية في العشرين عاما السابقة، المطلوب تكوين إطار خاص للتنمية لمعالجة عدم التوازن.8/ تحقيق تكافؤ الفرص في التوظيف لكل الأقاليم والمجموعات العرقية.9/ الكف عن استخدام لغة الاحتقار المستخدمة تجاه بعض المجموعات العرقية.يتضح من المطالب المذكورة أن جيش الرب طور من سقف مطالبه ومن الإطار الجغرافي الذي يشملها، فالأشولي الذين يشكلون هذا الجيش ليسوا وحدهم من يسكن شمال البلاد، ناهيك عن سكان الشرق الذين تحدثت عنهم ورقة الجيش. وقد تؤسس رؤية جيش الرب الجديدة لطبيعة المشكلة في البلاد لتحالف سياسي واسع يجمعه مع معارضي موسفيني في الداخل، تمهيداً لتشكيل قاعدة أوسع لخوض الانتخابات القادمة في عام 2011م، خاصة أن الأغلبية العظمى من سكان الشمال والشرق صوتوا في الانتخابات الماضية لمنافس موسفيني. ويعكس الطرح الجديد لجيش الرب مدى تأثير رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان وتكتيكاتها المجربة، والتي استندت إلى تشكيل تحالف بين من يُطلق عليهم تسمية المهمشين ضد المركز، على المنطقة. ويعكس هذا الطرح، الطموح سياسياً وجغرافياً، أيضا الدور الفعال لمثقفي الأشولي في المهجر الذين يشاركون في وفد جيش الرب المفاوض في صياغة أسس الحل ونقل القضية من مجرد تمرد عنيف يستند إلى هلوسة دينية وتعصب عرقي، إلى قضية ذات طابع إنساني وسياسي عادل. اتفق طرفا التفاوض في نهاية أغسطس على وقف إطلاق النار. ونص الاتفاق على تجميع قوات جيش الرب في نقطتين في جنوب السودان تحت حماية الجيش الشعبي لتحرير السودان، على أن يفتح الجيش اليوغندي الحكومي ممرات آمنة لوحدات جيش الرب للوصول إلى النقطتين. ونص الاتفاق على إنه في حال عدم توصل الطرفين لاتفاق سلام، فإن الجيش الشعبي سيسمح لقوات جيش الرب بالانسحاب من نقطتي التجمع بسلام.مستقبل عملية السلام:بالرغم من التفاؤل الذي أوجده اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة اليوغندية وجيش الرب، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من العقبات أمام عملية التفاوض، أهمها التعارض الكبير بين طرحي الطرفين. فالحكومة اليوغندية تريد تصفية سلمية لجيش الرب مقابل العفو وبعض الوظائف. ويتطلع جيش الرب لاقتسام السلطة والثروة لصالح شمال وشرق البلاد. وتلعب مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية دوراً معوقاً أيضاً في مسار المفاوضات، فبسبب الخوف من الاعتقال على أساس هذه المذكرات، لم يشترك القادة الكبار لجيش الرب في المفاوضات. وإذا لم يكن مهما مشاركتهم في المراحل التمهيدية، فإن اشتراكهم في المراحل المتقدمة من التفاوض سيكون حاسماً بغرض التوصل لاتفاق نهائي. ويمكن للطرف الحكومي أيضا أن يبتز قادة جيش الرب من خلال التلويح بتلك المذكرات، لذا قد يكون مهما أن تتخذ المحكمة الجنائية الدولية، التي تصر حتى الآن على مساعيها لاعتقال القادة الخمسة الذين أصدرت مذكرات توقيف بحقهم، قراراً بسحب تلك المذكرات أو تجميدها، وهو ما يسمح به نظامها في ظروف معينة، وإلا فإن مذكراتها هذه يمكن أن تعطل سير المفاوضات أو حتى تفشلها. وبدلاً عن اللجوء للمحكمة يمكن للطرفين الاتفاق على نظام للتقاضي الوطني أو التصالح في إطار عملية سلام شامل وراسخ.ويحتاج نجاح عملية التفاوض الى دور أكبر من المجتمع الدولي الذي لا يزال يقف موقف المتفرج من سيرها، ما عدا قرار الأمين العام بتعيين مبعوث خاص له للسلام في شمال يوغندا الذي لم ترحب به الحكومة اليوغندية حتى الآن. ومع أن الولايات المتحدة أيدت المفاوضات إلا أنها لم تبادر بلعب أي دور تشجيعي ملموس فيها. وإذا كان قرار المحكمة الجنائية الدولية يمنع الدول الأوروبية من لعب مثل هذا الدور، فبإمكان الولايات المتحدة الأميركية، التي لم توقع على نظام المحكمة، أن تضطلع بدور إيجابي في عملية التفاوض، كأن تتعهد بضمان تنفيذ بنود أي اتفاق سلام، أو بتوفير التمويل المطلوب لتنفيذه، ومن خلال ممارسة الضغوط على طرفي التفاوض لضمان نجاح العملية. وسيكون لتحقيق السلام في شمال يوغندا مردود إيجابي كبير على الإقليم وعلى يوغندا وجنوب السودان. فبالنسبة للإقليم سينهي اتفاق السلام سنوات المعاناة الطويلة لحوالي مليوني شخص يعيشون منذ عشرة أعوام في قرى محمية، وفي ظروف أمنية ومعيشية وصحية غاية في السوء. وسيكون السلام في صالح تطوير التجارة الحدودية بين شمال يوغندا وجنوب السودان، كما سيسهل تنقل اليوغنديين الذين سيجدون فرصا مهمة للعمل في الجنوب. وسيشجع السلام جنوب السودان على الاستثمار في يوغندا، وسيوفر له ظروفا أمنية أفضل لتطبيق اتفاقية السلام في جنوب السودان. وستستفيد أعمال التنقيب عن النفط في يوغندا التي أكدت على وجوده بكميات تجارية، من أجواء السلام في البلاد. ويمكن أن يوسع فشل مفاوضات السلام من إطار الحرب الأهلية جغرافياً وسياسياً، ويدفع بقوى جديدة للمشاركة فيها. وقد يصل سقف مطالب المتمردين إلى حد المطالبة بدولة منفصلة في الشمال والشرق. وسيؤدي استمرار الحرب الأهلية إلى توتر علاقة جنوب السودان بيوغندا، وسينعكس سلبا على أوضاع الجنوب الأمنية، ويضيع عليه فرصاً واعدة لعملية التنمية.