طبائع المستبد ومعارضيه في قضية (نايزقي كفلو)! ماليليا بخيت
6-Mar-2012
المركز
إن خطورة الأنظمة الديكتاتورية لا يكمن في أنها تمنع شعوبها من التمتع بحقوقهم المستحقة فحسب، (رغم اهمية ذلك ومركزيته) بل في أنها تؤسس لأنساق من السلوك السلبي الشائن الذي يؤثث بدوره لمرحلة انعدام الصفة الأخلاقية، لأي كائن بشري، وبالتالي تساهم في صياغة مجتمعات مشوهة تفتقد لصفتها الإنسانية وتنتمي –للاسف- لمنظومة مختلة من انماط السلوك الغريزي الذي يعتمد اساساً على خصائص الخسة والإنتهازية والإنتقام، الأمر الذي يصعب معه تصور مستقبلاً مشرقا لتلك الشعوب حتى بعد تحررها من نير الديكتاتورية حيث يستغرق الأمر وقت طويلاً لتماثلها للشفاء من تلك الاعراض الكامنة في شخصية المجتمع كنتاج طبيعي لعقود الإستبداد والقهر.
ولنا في “جماهيرية العقيد” مثالاً بارزاً لتلك الحالة، فما أن سقط نظام القذافي في ليبيا تحت وقع ثورة شعبية حتى إنبرى نفرُ من الفتية لوضع حداً لحياة الديكتاتور، بطريقة بشعة وتفتقد للقيم الأخلاقية والقانونية التي قامت من أجلها ولأجلها الثورة الشعبية ..لم يصمد أولئك الفتية لدقائق وهم يرون الرجل الذي حكمهم لأربعة عقود متتالية بالحديد والنار، و قد أصبح قدره بين أيديهم .. وفي لحظة درامية كهذه لم يكن هؤلاء الشباب سوى ضحايا “قيم الإستبداد” التي كرسها الرجل طوال فترة حكمه، وبصف النظر عن الأبعاد القانونية والسياسة لهكذا فعل، فإن من المؤكد أن تلك الحالة ما هي إلا تعبير صادق عن ما تكرسه الديكتاتوريات المستبدة في “شخصية المجتمع” من قيم وسلوكيات مختلة . و هي لحظة كاشفة ايضاً لصعوبة المهمة التي ستواجهها الأنظمة الجديدة ، من أجل القضاء على منظومة القيم التي ظلت سائدة خلال فترة اسلافها المستبدين . أعود لهذه الحالة الكاشفة لاحدى “طبائع الإستبداد” من أجل تناول آخر المستجدات التراجيدية التي كشفت “طبائع” نظام افورقي الذي رفض مؤخراً قبول”جثمان” الوزير السابق “نايزقي كفلو” الذي يحكى أنه كان الساعد الأيمن للديكتاتور طوال عقود الثورة وما بعدها، إلا أن خلافاً طارئاً بين “التابع والمتبوع” وضع العلاقة في زاوية ضيقة، ولأن “طبائع” المستبد لا يمكن أن تتسع لأي خلاف من أي نوع، فإن العلاقة بلغت حالة من التراجيدية لا يمكن تصورها عندما رفض “الديكتاتور” أن ينعم “تابعه السابق” بحفرة تسع جثمانه في الوطن الذي ناضل من اجله لعقود !ولعل هذا السلوك الغرائزي الممعن في قيم الإذلال لأهله والإنتقام منه حتى وهو جثة هامدة لا يكشف “طبائع” المستبد وحده بل يصيغ ويلقي الضوء حتى على الآخريين الذين تباينت مواقفهم من هذا السلوك الشائن / المختل/ وغير الإنساني . وبالتالي يكشف عن”القيم” التي تسربت الى المجتمع وبدت انها تتكرس في “شخصيته” بشكل يدعوا للقلق والريبة ، ويؤكد في الآن ذاته بروز تلك الخطورة التي أشرنا اليها في بداية المقال .فإذا كان الإنتقام من جثة “صديق سابق” أمر ينبغي إدانته عرفاً وقانوناُ وأخلاقاً، فإن تصفية الحسابات السياسية، مع جثة “عدو سابق” ايضاً أمراً يستحق الإستهجان والملاحظة، سيما وأن مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر اضحت تطفح بمفرادات التشفي والشماتة الصادرة ممن يُعرفون أنفسهم بـ “معارضي” النظام الإستبدادي في اسمرا . وهم إزاء هذه الحالة الإنسانية انما يعبِرون عن مدى تسرب “طبائع المستبد” نحو معارضيه في غفلة منه ومنهم .