طبيعة الخلافات بين النظامين الارتري والاثيوبي (الحلقة الرابعة ) : حمد كل
11-Oct-2011
المركز
هناك موضوع لابد من العودة اليه كنا قد اشرنا اليه في الحلقة السابقة، وهو ان الامريكان في الفترة التي سبقت اجتماع لندن كانوا قد عرضوا ليكون لقاء بين الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والوياني تجراي من جانب ومن الجانب الاخر وفد المجلس العسكري الاثيوبي باشراف امريكي، وكنت اشرت ان الامريكان قد عرضوا على الاطراف الثلاثة بعد ان يتفقوا ان يسعو لاقامة حكومة تتالف من الاطراف الثلاث تحكم اثيوبيا، وقيل لاسياس افورقي ان موضوع ارتريا ينظر اليه بعد قيام الحكومة المؤلفة من الاطراف الثلاثة باربعة اعوام.
اسياس افورقي وملس زيناوي قالوا للمفاوض الامريكي انهم لا يستطيعون الاجابة على هذه المواضيع مالم يعودوا الى قياداتهم، قالوا هذا الامر على ما يبدوا لعدة عوامل: – 1.كان التنسيق العسكري بين الجبهة الشعبية والوياني تجراي متقدما، وان القتال والتقدم في الجبهات كان يسير بوتائر سريعة. 2.اكتشفوا ان الامريكان ليسوا على اطلاع كامل ودقيق على مسارات الاحداث في ارتريا واثيوبيا. 3.اسياس افورقي وملس زيناوي يبدو انهم اتفقوا ان لا يذهبوا الى لندن الا بعد وصول وحداتهم العسكرية الى مواقع متقدمة للغاية في الجبهات. 4.وهنا حتى لو لم يهرب منجستو هيلي-ماريام فانه ومجلسه العسكري وحكمه كان آيلا للسقوط، لان جيشه كان عاجزا من كثرة الهزائم وبدء نظامه يتحلل والفلتان كان يواجه الانضباط العسكري وهذا يعني ان ملس واسياس قد اعدوا انفسهم ليضعوا المفاوض الامريكي امام الامر الواقع وكانوا سيرفضون الجلوس مع وفد المجلس العسكري الاثيوبي “الدرق” لانه في حكم المنتهي. حين وصلت الوفود الثلاثة الى “لندن” ونعني وفد الجبهة الشعبية والوياني تجراي من جانب ووفد المجلس العسكري الاثيوبي من جانب آخر والمفاوض الامركي، ومع اعلان المجلس العسكري الاثيوبي هروب منجستو هيلي-ماريام الى “زمبابوي” حدثت حالة فلتان في الجيش الاثيوبي وانهار الانضباط العسكري وظهرت حالة هروب وفوضى في اديس ابابا، ولجاء بعض القياديين في المجلس العسكري الى السفارة الايطالية. اما في ارتريا وبالتحديد في اسمرا فقد جمع القائد العسكري الاثيوبي وحداته واتجه الى الغرب قاصدا الحدود السودانية، وخلال سير هذا الجيش كانت تلتحق به الوحدات العسكرية في المدن الارترية التي كان يمر بها. كان ذاك الجيش الكبير قد اصابته الذلة والفزع، اثناء سيرهم كانو يتركون الدبابات والمجنزرات وحاملات الجنود لمجرد انها تتعطل، واثناء هذه المسيرة مات عدد من الجنود اما بالعطش والمرض، كان الذعر باديا فيهم ولم يكن هناك اي استعداد لانتظار او حمل الجندي المريض او المصاب ليترك في العراء. كانت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا تتمنى ان يحضر وفد من قيادة “الاورومو” الى “لندن” لكن ما اشيع ان قيادة “الارومو” رفضت المشاركة في مفاوضات “لندن” لماذا؟ لا نعرف. وبالتالي حرمت نفسها ولا نعرف كيف انتهى امرها لاحقا. قبل ان تبدء المفاوضات بين الاطراف الثلاثة وتقديرا في بداية الاسبوع الثالث من شهر مايو 1991 وصلت معلومات الى المفاوض الامريكي “هيرمان كوهين” مسؤول الشؤون الافريقية في الخارجية الامريكية، معلومات تقول ان العاصمة الاثيوبية اديس ابابا تشهد حالة من الفوضى والانفلات الامني في الجيش الاثيوبي، ولهذا طلب مباشرة من ملس زيناوي دخول الوحدات العسكرية للثوار المرابطة حول العاصمة اديس ابابا لضبط الامن، هنا بالضبط حدث تحول ومتغير جديد، انتهاء حكم المجلس العسكري الاثيوبي وبداية مرحلة جديدة.وفد المجلس العسكري الاثيوبي همش وعرف في ما بعد انه طلب اللجوء، وان التفاوض تم مع وفد الجبهة الشعبية والوياني تجراي وبالتحديد مع ملس زيناوي واسياس افورقي. لكن قبل ان نسترسل في موضوع المفاوضات لابد من ذكر حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي ان الدبابات والوحدت العسكرية التي دخلت العاصمة الاثيوبية اديس ابابا كانت ارترية. الطرح الامريكي السابق لحل الوضع في اثيوبيا قد اخذ منحى آخر، فالمتغير الجديد في اثيوبيا وارتريا قد فرض معطى جديد لم تكن في الحسبان الامريكي، بمعنى اوضح هذا المستجد الجديد اوجد دولتين وليس دولة واحدة بخيار الطرفين الاثيوبي والارتري، والمفاوض الامريكي وضع امام هذا الامر وقبل به لعاملين: – 1.ان قيادة البلدين اصدقاء للولاية المتحدة الامريكية. 2.هذه العلاقة او الصداقة تضمن مصالح الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة 3.ان الولايات المتحدة الامريكية والغرب قالا في ما بعد بتفائل ان قائدين شابين قد توليا الحكم في اثيوبيا وارتريا وانهم اصدقاء للغرب. في لقاء لندن بالتاكيد نقوشت مسائل لها علاقة بمنطقة القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر لم تعلن الى الان لكن ما نحن مقتنعين به ان الولايات المتحدة الامريكية ترى في اثيوبيا الدولة الاهم في القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر، واذا كان منجستو هيلي ماريام خلط الاوراق بتحالفه مع الاتحاد السوفييتي فان النظام الحديث الذي جاء الى اثيوبيا برئاسة ملس زيناوي سيلعب نفس الدور الذي كان مناطا به الامبراطور هيلي-سلاسي لرعاية المصالح الامريكية في المنطقة ويمكن ان تلعب ارتريا الدور المساعد، لكن عدم قناعة اسياس افورق بهذا الدور سنراه في كتابنا هذا لاحقا. من ضمن الاشياء التي اتفق عليها اقامة الاستفتاء بعد سنتين اي بعد التحرير، علما ان الجبهة الشعبية في فترة سابقة قد تبنت مشروع الاستفتاء في مواجهة الاضاليل الاسيوبيةهنا قال البعض ان الاستفتاء لابد من اجرائه بعد سنتين من التحرير حتى يتمكن ملس زيناوي من تثبيت اوضاعه في اثيوبيا، لكن قيل ان هذا ليس صحيحا لان الجبهة الشعبية لاجراء هذا الاستفتاء تحتاج لترتيب اوضاعها في داخل ارتريا، لان اجراء عملية الاستفتاء تحتاح الى تهيئة واستعداد. هناك مسألة اخرى وهي، هل كان الشعب الارتري في حاجة الى استفتاء ليعرف العالم عن رغباته، الشعب الارتري كان موقفه واضحا منذ فترة تقرير المصير ثم باعلانه الكفاح المسلح الذي استمر 30 عاما وبهذا كان قد حدد موقفه من اثيوبيا كدولة استعمارية ولم تكن امينة حتى على الفيدرال، الشعب الارتري كان تواقا للانعتاق والتحرر والاستقلال، الاستفتاء كان احدى المخارج للغرب وعلى راسه امريكا الذين فرضوا الاتحاد الفيدرالي على الشعب الارتري وعليه لابد من القبول بالامر الواقع، والاعتراف بحق الشعب الارتري باستقلاله الناجز ليأخذ مكانه في المجتمع الدولي. مسالة اخرى ايضا لابد من ذكرها وهي كما قلنا ان اول دبابة دخلت اديس ابابا ومعها وحدات عسكرية كانت ارترية. الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وضعت تحت تصرف القيادة الاثيوبية الجديدة في اديس ابابا 17 الف مقاتل لتثبيت اوضاعها في داخل اثيوبيا. الشعب الارتري احتفل بيوم 24 مايو 1991 وهو يوم التحرير ثم احتفل يوم 24 مايو 1993 بالتحرير والاستقلال، اثيوبيا احتفلت بيوم 28 مايو 1993.