على ضوء زيارة الرئيس الإرتري للسودان : الصحافة السودانية بين المجاملات السياسية والحقائق الغائبة ..بقلم : الأستاذ/ محمد نور أحمد
27-Apr-2007
المركز
دون شك تعتبر زيارة رئيس دولة لدولة آخري من الأحداث السياسية الكبرى التي تستحق التغطية والمتابعة ، وفي هذا السياق جاءت تغطية الصحافة السودانية على مختلف مسمياتها أو توجهاتها أو قوالبها لزيارة الرئيس الإرتري أسياس افورقي للسودان والتي استمرت لمدة أربعة أيام ،
وجاءت التغطية شاملة تتناسب والملفات الساخنة التي كانت على طاولة البحث خاصة ملف دارفور وتنزيل اتفاق الشرق على ارض الواقع هذا غير ملف العلاقات البنية والإقليمية في منطقة تشهد أحداثاً وتدخلات كبيرة ، غير أنه أثناء هذه التغطية لا حظنا أن هنالك نوع من المجاملة طغى على حقائق السياسية وواقعها ولاحترامي الكبير للصحف التي جاءت فيها الملاحظات وبصفتي أحد مواكبي النضال الارتري منذ بدء حركة تحرير ارتريا ثم اندلاع الكفاح المسلح ومتابع للأوضاع الارترية بعد الاستقلال، أحببت أن أصحح بعض ما ورد في العدد (265) في صحيفة آخر لحظة الغراء ، الصفحة الرابعة إذ أن إسياس لم يركب علي ظهر الدب الروسي لأنه كان ماوياً. وكان اليمن الجنوبي يقف إلي جانب الثورة الارترية حتى إعلان منقستو اشتراكيته وحصوله علي الدعم السوفيتي المفتوح، حينها انقلبت ليبيا هي الأخرى علي الثورة الارترية بعد أن كانت تدعمها، وقد دفعت لإثيوبيا مبلغ 300 مليون دولار أمريكي لتغطية مشتريات أسلحة من الاتحاد السوفيتي، وقد تكوَّن إثر ذلك الحلف الثلاثي المعروف بين ليبيا واليمن الجنوبي وإثيوبيا في مواجهة الثورة الارترية ، وإسياس أدان التدخل السوفيتي في القرن الأفريقي في الصراع بين نظام سياد بري ونظام منقستو هيلي ماريام في 1977م، كذلك فإسياس ليس ماركسياً، لكنه يعتمر الماركسية غطاءاً يخفي نزعته الطائفية وميله الجانح إلي استئصال الثقافة العربية من ارتريا، لهذا أوصد باب التعليم باللغة العربية مع أن مسلمي ارتريا يتمسكون بها كلغة دين ووسيلة للمشاركة في إدارة الدولة الارترية التي تتم الآن بلغة القومية التي ينتمي إليها إسياس، ولهذا السبب لم تكن له أية علاقة بقيادات البعث، وليس صحيحاً وجود علاقة بينه وبين سيكوتوري – الرئيس الغيني السابق – الذي لم يقابله ولو مرة واحدة في حياته، ولا بينه وبين بوتفليقة الذي كان وقتها وزير خارجية الجزائر في عهد الرئيس/ هواري بومدين الذي كانت له صلة بالثورة الارترية وفصيليها الرئيسيين، جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، وقد عرض وساطته لحل الصراع الارتري – الإثيوبي من خلال إقامة اتحاد كونفدرالي بين ارتريا وإثيوبيا وهو ما رفضه فصيلا الثورة الارترية وتمسكا بحق تقرير المصير حتى الانفصال، ولكن بلا شك كان للرئيس/ بوتفليقة دوراً ملحوظاً في إيقاف الحرب الأخيرة بين ارتريا واثيوبيا، عندما قطع زيارته إلي دبي والتقى بكلٍّ من الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي والارتري إسياس أفورقي، وطلب منهما إيقاف قواتهما حيث هي، حتى يتم حسم مسألة الحدود بينهما، إما عبر التفاوض وإما عن طريق التحكيم .وفي ذات التغطية تناول الكاتب الكبير الأستاذ كمال حسن بخيت رئيس تحرير الرأي العام في كلمة ترحيب بالرئيس الإرتري رأينا إنها قفزت على حقائق مهمة حيث جاء في الكلمة إن إرتريا اليوم بعد أن شهدت نهضة كبيرة أصبحت يشار لها بالبنان ، نعم هذا صحيح، فارتريا اليوم يشار بالبنان إلي سجونها المليئة بسجناء الضمير، بما فيهم رجل وزوجته، وهو مناضل جسور قاد الاستخبارات العسكرية وتولى وزارات الداخلية، فالخارجية، فالثروة السمكية، ألا وهو السيد/ بطرس سلمون، وأطفالهما الأربعة لا يعرف مكانهما ولا شيئاً عن مصيرهما. ومثله السيد/ صالح ادريس كيكيا، سفير ارتريا الأسبق في السودان ثم وكيل وزارة الخارجية فوزير النقل والمواصلات قبل إلقاء القبض عليه، وله ثلاث أطفال. والسيد/ براخي وزير التعليم ثم الإعلام ثم سفيراً في المانيا وله طفلان. ومحمود شريفو نائب اسياس ووزير الحكومات المحلية وزوجته السابقة وله منها طفل. وعقبي أبرها، وله أربعة أطفال بينهم طفلة معوقة، هناك أيضاً معوق اسمه ادريس أبعري لا يستطيع قضاء حاجته إلا بمساعدة، وآخر منصب شغله كان المدير العام لمكتب العمل، وكل جرمه أنه انتقد التحول إلي سياسة التعليم باللغات المحلية، بعد أن كان التعليم الابتدائي بالنسبة للمسلمين باللغة العربية مما أدى إلي هبوط في مستوى النجاح وإحجام أولياء الأمور في الريف وبعض المدن عن تسجيل أبنائهم في المدارس الابتدائية، وللسيد/ أبعري طفلة وحيدة لا تعرف شيئاً عن مصيره. وغيرهم ، وإذا تابعنا ما تكتبه منظمات حقوق الإنسان، لعرفت الكثير لعرفنا أن هناك عدد من الصحفيين المعتقلين ومنهم من لقي حتفه، حسب بعض الأخبار، ولم تنف حكومة إسياس تلك الأخبار، كما أوردت جريدة الوطن الغراء عدد الجمعة 20 / 4 / 2007م تقريراً عن مطالبة 38 منظمة من أعضاء الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير (IFEX ) الحكومة الارترية بالكشف عن مصير أربعة صحفيين ترددت أنباء عن وفاتهم داخل المعتقلات، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى في الصحيفة المذكورة. أما ما ورد من حديث حول تقدم صناعي في إرتريا، لست أدري في أي مجال، فإرتريا تستورد حوالي 90% من احتياجاتها من المنتجات الصناعية، والقليل مما تبقى من العهد الايطالي من المصانع الخفيفة يكاد يتحول إلي خردة. أما الزراعة فإن ثلث أفراد الشعب الارتري يمد يده إلي حسنات منظمات الإغاثة بعد أن كبلت طاقاته البشرية، التي هي الشباب بإلحاقهم قسراً بالخدمة العسكرية الإلزامية والزج بهم في مغامرات إسياس العسكرية، مرة في جزر حنيش وأخرى في بادمي وهمشكوريب وغيرها، لهذا يتدفق الشباب هرباً عبر الحدود الي السودان واثيوبيا ومنهم من مات في الصحراء الكبرى في الطريق الي ليبيا، وآخرون ابتلعتهم أمواج البحر الأبيض المتوسط، وأحيلك إلي معتمدية اللاجئين بالخرطوم وستجد هناك الأرقام المهولة لهؤلاء الشباب الهاربين من الخدمة العسكرية القسرية. هناك أيضاً بعض المعلومات الخاطئة عن سيرة السيد/ اسياس المتمثلة في مكان ميلاده ومكان دراسته الأساسية والكلية التي التحق بها في جامعة أديس أببا في تقرير ورد بذات العدد من الصحيفة ، ولكن ما يجدر الإشارة أن اسياس حصل في الصين علي دورة عسكرية خاطفة لمدة ثمانية أشهر عن أسلوب حرب العصابات، إلي جانب بعض الدروس السياسية والتعبوية وليس دراسات جامعية متخصصة في الفكر الإيديولوجي كما ورد .وفي الآونة الأخيرة نقل اسياس مقر إقامته إلي جزيرة طوالوت في مصوع التي يربطها جسر بالبر، وذلك لأنه ما عاد يطمئن للإقامة في اسمرا المفتوحة من كل الاتجاهات، وأي غريب عن مدينة مصوع لابد أن يبلغ الأمن باسمه ومحل إقامته، وإذا كانت لديه سيارة فيجب تسجيل رقمها لدى أقرب مخفر للشرطة. أما عن عدم وجود شرطة في الأسواق فيكفي وجود مخفر للأمن علي بوابة أية مدينة في ارتريا لفحص جواز أو تصريح المرور من جهاز الأمن لكل من يدخلها أو يخرج منها، وكأن كل مدينة ارترية دولة قائمة بذاتها وسكانها أجانب لابد لهم من تأشيرات الدخول والخروج .لكننا في ذات الوقت سعدنا جداً بتناول آخرون في الصحافة السودانية جاءت كتاباتهم مرحبة بالرئيس الإرتري وبالعلاقات المضطردة بين البلدين ولكن في ذات الوقت لفتوا نظر الرئيس الإرتري إلى مشكلات بلده وطالبوه بحوار وطني من أجل استقرار إرتريا حتى تستطيع أن تسهم فعلاً في معالجة مشكلات الآخرين .* نشر في صفحة رسالة إرتريا التي يصدرها المركز اسبوعياً في صحيفة الوطن 27/4/2007م