مقالات

دخول التاريخ زهوا ،،، ليس كخروجه : حنان مران

15-Apr-2012

المركز

بوابة التاريخ مفتوحة للدخول لكل من إستطاع بلوغها، وصفحات كتابه تستوعب كل من له القدرة على طبع حروف إسمه أو ترك بصمته أو وسمته عليها، يطبع ما يطبع على وجه التاريخ أو ” قفاه ” ، وتقام الحدود على مقصلته ، ويرمى ما يرمى فى مزبلته، وكل من لديه القدرة على الدخول، مخير أين يضع إسمه أوبصمته ، وتبقى للتاريخ الكلمة العليا فيمن يبقى ويذر، أو يمحى ، وكيفية الخروج متروكة للتاريخ بتأثيرات وتلميحات و إيحاءات من صاحب البصمة لدى تسجيل الدخول.

كثيرون هم من بلغوا بوابة التاريخ من كل حدب وصوب ، البعض يدخل بالهرج والمرج ، والبعض يدخل متهللا متعاظما، والبعض بخجل وإنحناء، والبعض فى كبر وإستعلاء، والبعض يسعى للتاريخ ، وقليل من يسعى التاريخ ليضمهم راغمين ويدخلهم فى سجلاته عنوة ، فالتاريخ ليس ساذجا ليترك من يدخله دون رقابة ومكافئة أو حساب وعقاب ، بل إن التاريخ يتحالف ويتجانس مع البشر ومقدراتهم ، وما التاريخ إلا ما يقبع بذاكرة وأذهان الشعوب جمعاء منذ بدء الخليقة حتى نهايتها، فحذارى من مغبة خداعه أو إستفزازه لأنه لا ينسى.وقد ترك الكثيرون من المؤثرين الإيجابيين أو السلبيين بصماتهم على مر العصور والأزمنة والأمكنة والمجالات المختلفة لمناحى الحياة الكثيرة من الأدب والعلم والفنون والآثار وغيرها ، وحيث أن محورنا يعنى بالسياسة فسأتناول دخول التاريخ من هذه البوابة الأكثر دموية وتقاتل على مر العصور، فنجد الأفذاذ تلمع أسماؤهم المحفورة بنور لا يحكمهم فى ذلك شرع ولا دين بل هدف وإيمان وخلق ورسالة، على رأس هؤلاء سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد (ص) الذى كان ولا يزال إعجازا فى عالم السياسة والحنكة الممزوجتين بالخلق والإيمان بالرسالة والحديث عنه لا ينتهى ، ولنا فيه (ص) أسوة حسنه،أما فى عصرنا الحاضر فمن الناس من دخل التاريخ بزهو وخرجوا منه بزهو أكبر، ومنهم من دخله فى زهو وكبر وتعالى ، وخرج من حيث لم يدخل، كمن خرج ولم ولن يعد، فعلى سبيل المثال لا الحصردخل المهاتما غاندى ـــ موحد الهند وهازم بريطانيا العظمى بسياسة اللا عنف ـــ التاريخ من أوسع أبوابه عندما إلتف حوله الشعب الهندى وحوطه بحبه فوهبهم الحرية والإنعتاق ، ووهبوه بقاء سيرته فى التاريخ وفى قلوبهم مدى الحياة وهو أعلى مراتب البقاء على قيد التاريخ بعد الموت، ويشارك غاندى فى هذا نيلسون مانديلا الذى غيب فى السجون لثمانية وعشرين عاما من أجل حرية بلاده التى آمن بها وبشعبها حتى أوفاه التاريخ حقه المشروع فى أن يكون أول رئيس لجنوب إفريقيا بعد الإنعتاق وبالتأكيد يرتب له التاريخ خروج مشرف بقدر فخامة الدخول، ومنهم أيضا الزعيم جمال عبدالناصر الذى عشقه المصريون بل والأمة العربية حينا من الدهر لأنه أعاد للعروبة مجدها وكرامتها وأممت على يده قناة السويس وبنى السد العالى وخطط لحرب أكتوبرفلم يمهله القدرللتنفيذ لكنه حفظ له مكانته فى قلوب من أحبوه على مدى الخمسون سنه الماضية، وكذلك الشيخ زايد بن سلطان موحد الإمارات السبع ومفجر الحضارة فى الخليج العربى والذى لم يزل الزهو والفخر يكلل إسمه دخولا فى التاريخ وخروجا من الدنيا، أما الوجه السىء للتاريخ فلا حصر لضرب أمثلة، فعلى سبيل المثال يذكر التاريخ دخول هتلر بنازيتة بفخر وتعالى ، وبرغم خضوع التاريخ له وقت ما وتعسفه فى زهوه وكبره وعنجهيته، إلا إنه خرج من التاريخ خروجا لا يليق بكل تلك العنجهية والهيلمان، الشىء الذى أعيد تمثيله مع صدام حسين ولكن بصورة يملؤها كثير من الشموخ والكبرياء ، وأخيرا يقف التاريخ وقفة حساب عسيرة مع الشرق الأوسط وإفريقيا إثر هبة ثورات الشعوب، فإنتعشت مزبلة التاريخ وهو يكنس رؤساء الزهو العربى الخفى من صاحب أول طلعة جوية فى حرب إكتوبر إلى صاحب أول ” خلعة ” شعبية من كرسى الحكم في الألفية الثانية ، ومن داكك حصون الملك السنوسى بإبتسامة عريضة تلاها طغيان وجبروت، إلى زنقة التاريخ ومطاردة الجرذان فرد فرد، ومتى إقتربت مكنسة التاريخ من القرن الإفريقى،تذكرنا تداعيات الإمبراطورية التى لا تهزم، وقد هدمت فوق رأس منجستو الذى إجتمعت فى إسمه كل حروف النجاسة كما قال له الشيخ الغزالى رحمه الله ، فذهب إلى المزبلة بكامل نجاسته ، ولخروج منجستو المهين من التاريخ معنى كبير فى نفوسنا كشعب وكجيل ولد وربى فى الغربة من تحت ويلات وعذابات جيش منجستو الذى نفث كل حقده على أهلنا وأرضنا قبل أن يتركها ــ وقد عاث فيها فسادا ــ ويذهب إلى غير رجعة.من مفارقات التاريخ أنه فى حين يخرج أحدهم من باب ذلته مهانا، يدخل آخر من باب عزته مهابا إلى أجل مسمى، فدخل فى حين غفلة من الزمن ومن جبهة التحرير ومن الشعبين الإرترى والإثيوبى كل من ملس زناوى وأسياس أفورقى التاريخ زهوا من أوسع بواباته ، حيث سجل للأول أنه حول إثوبيا من إمبراطورية مزهوة إلى دولة حبيسة ، والثانى حول إرتريا من إقليم تابع إلى دولة مستقلة وهو مما لاشك فيه شرف سجله التاريخ لهما، ثم بدء كل منهما التخطيط لإستمالة التاريخ أكثر بالإستهانة بمقدرات شعوبهم وأحلامهم وآمالهم وطموحاتهم ومحاولة بسط السلطات وإبراز ” الفتونة ” وفرض العضلات فى حروب راح ضحيتها شباب كان من المفترض أن يستعان بهم فى نهضة وعمران البلدين ، فطفق الرئيسان يكشفان عن عوراتهما وعوار تفكيرهما تجاه بلديهما وشعبيهما ، ولا تعنينا الجارة كثيرا فأوجاعنا من نظامنا بلغت مجاهل سيناء ، وكما قال الفاجومى لمبارك بعاميته المصرية البسيطة ” فى عهدك سعادتك فرشنا الرصيف،، وآخر منانا الغموس والرغيف ” أقول لصاحب السيادة فيما يحسب على أنها بلدى ” فى عهدك سعادتك ضللنا السبيل ،، وآخر منانا اللجوء لإسرائيل ” .يا سيدى الرئيس ، وقد ملكت السيادة على البلاد دون قلوب العباد ، وقد تشرد ونزح فى عهدك وبعلمك ومباركتك شعبا أراد الحياة فلم تستجب أنت ولا القدر، ولم تستجب البحار ولا الصحارى.يا سيدى الرئيس ، وقد عرفنا فى عهدك بلاجئي القرن فى ذل وإنكسار ، بعكس ما كان فى عهد الإستعمار،، إن الله والشعب والتاريخ لا يغفرون الذنوب جميعا ، فكن على حذر من الغضب الساطع فهو لا محالة آت ، وظنى أن التاريخ بدأ يحضر ترتيبات أولية لخروج لا يليق بفخامتك والأسوة السيئة على بعد ليس بسحيق وقد أثبت لهم التاريخ بأن ديمومة الحال محال ، وأن جوائز التاريخ للشعوب تكون عادة بقدر قلة حيلتهم وغلة ” بكسر الغين ” وإنكسار قلوبهم وغبن من يحكمهم، ومن يأمن التاريخ غير ملك عادل ولك يا سيد البلاد أسوة حسنة فى النجاشى وقد حكم الهضبة وكان ملك لا يظلم عنده أحدا ، فما بخسه التاريخ حقه، ولا يزال حتى اليوم وعلى مر العصور ملك الهضبة الذى لا ينسى.إن البقاء فى قلوب العباد ليس بالأمر العسير، والحفاظ على المكتسبات السياسية والتاريخية يعززه حب الشعب ورضاه ، وهو أهون ما يكون ، فالشعوب راضية وراضخة فى كل الأحوال أرضتها السلطات أو قمعتها، وتهتف عاش الملك ، مات الملك، فلماذا لا تجعلهم يهتفوا بحب ويرضخوا عن قناعة، وما مطالب العباد إلا قليل، وما أحلامهم إلا سراب تستطيع بحكمة وحنكة أن تسقيهم له ماءا فراتا.أحلامنا البسيطة موضوع مقالتى القادمة ،، فانظر ما تراه يا سيد البلاد ،، وتهيأ للتاريخ فكما تدين له يدينك، والسلام. hmaran1@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى