عودة للمراحل الظلامية : حمد كل*
4-Mar-2012
المركز
في ثمانينات القرن الماضي شهدت مدينة “كسلا” عدة اغتيالات لعدد من قادة جبهة التحرير الارترية، الملفت كان يتم توقيت القتل في ساعات معروفة، وهي ساعات غروب الشمس، باستثناء عمليات قتل مرتين او ثلاث في الليل او بعد غروب الشمس بفترة، بالاضافة الى هذا كانت هناك اختفاءات تتم بين فترة واخرى، ايضا حدثت حالات الاختفاء في بورسودان ومحاولات قتل.
كانت الجهة التي تقوم بهذه العمليات هي “الجبهة الشعبية”، كل هذه العمليات تمت بعد انهيار تنظيم جبهة التحرير الارترية، وكان واضحاً ان الجبهة الشعبية كانت تسعى من خلال هذه العمليات ان لا تقوم قائمة لهذا التنظيم، للانفراد بالساحة ومستقبلا لحسم السلطة لصالحها، كان هذا في الماضي.ثم بعد قيام الحكومة الارترية اختفى عدد من العاملين بالتنظيمات من مدينة كسلا، ثم اصبحنا نسمع بين فترات متقطعة بعمليات الاختفاء، وكل الاصابع كانت تشير الى الاجهزة الامنية للحكومة الارترية، الى ان جاء حادث اختفاء المناضل محمد علي ابراهيم، وظني ان هذا الاختفاء تم في فترة ازدادت فيها الضبابية ويصعب الاشارة الى جهة بعينيها خاصة هناك امور لابد من ذكرها بوضوح ودون مجاملة: 1.كلما ازدادت حدة الاستنفار في الجبهات العسكرية بين ارتريا واثيوبيا فان الاجهزة الامنية يزداد نشاطها اكثر في مناطق التماس ويزداد ضحاياها من الطرفين. 2.المعارضة الارترية، ليست هي المعارضة القديمة التي يعرفها الجميع، ونقولها بصراحة بعد تلك المسميات “ملتقى الحوار الوطني” “السمنارات” “اواسا” و “القوميات”، وبروز عناصر جديدة جاءت من خارج التحالف واصبح لها مرجعية وهو مكتب الجنرال المسؤول من الملف الارتري، وهذا المكتب مرتبط بالمخابرات الاثيوبية. 3.المناطق الحدودية القريبة من كسلا والقضارف تعج بعصابات من نوع جديد، يمارس التهريب وتجارة البشر، وصحيح البعض منه مرتبط بالاجهزة الامنية للنظامين الاثيوبي والارتري، ويغض الطرف عن بعض عملياتها، لكن كثير منها يتم لحسابها. 4.الاجهزة الامنية السودانية ايضا لها حساباتها في ظل التصعيد العسكري ما بين النظامين، وليس غائبا عنها الحشود التي تتم بين الجيشين، وهي ترصد هذا التحرك للتحوط لما يتمخض من هذه الحرب وتبعاتها، هي ايضا لها اتفاقاتها الامنية مع البلدين وفق البروتوكولات الموقعة، وهي تراقب ايضا حجم نشاطات التنظيمات الارترية ورصد كوادرها وما قد يشكلوه من احراج لها مع النظامين.السؤال المحير والذي يحتاج الى وقفة تامل، كيف تم اختفاء المناضل محمد علي ابراهيم، ان قراءة سيرة حياته هي التي تجعلك في حالة تامل.كان قائد قوة عسكرية في جبهة التحرير الارترية، بعد انهيار جبهة التحرير الارترية اعتقله تنظيم قوات التحرير الشعبية بقيادة أحمد جاسر وظل معتقلا معهم الى ان هاجمت الجبهة الشعبية هذا التنظيم فؤخذ اسيرا عندها، ومع التحرير والاستقلال اطلق سراحه، واتجه من جديد الى تنظيم جبهة التحرير الارترية – المجلس الثوري، وناضل في صفوفهم كقائد عسكري، ثم لاحقا اصبح عضو قيادي فاعل في حزب الشعب الديمقراطي الارتري. رجل بهذه التجربة من الصعب ان تستدرجه جهة معادية له يعرفها جيدا. اختفاءه تم في وضح النهار، خرج من منزله الساعة الثامنة صباحا، هناك جهة يعرفها جيدا ويثق فيها ربما غدرت به، ربما، ربما، تساؤلات عديدة لكن هذا الاختفاء هو جديد في نوعه غريب في مسلكه، لكن المؤكد هناك دخول عنصر جديد في هذه العملية، ويمكن القول ان هذه العملية عبرت عن قصور الامن السوداني اذا لم يكن متورطا في اعتقاله. لا اريد ان اقول لماذا لم يحدث التحوط من البداية؟ لان هذا الاختفاء اوجد حالة من الارباك وان الجهة التي قامت بهذه العملية اكدت انها قادرة وبكل سهولة للوصول الى مراميها دون ترك اي اثر لايجاد حالة من التخبط والتشكيك على بعضك البعض او التوهان في الحيرة. لكن يمكن القول ان كل الكوادر التي تعمل بكسلا وكل مناطق التماس ان تقيم تقييما صحيحا لهذا الحادث حتى لا يمر مرور الكرام كسابقاتها.نتمنى السلام والامان والعود الحميد للمناضل محمد على ابراهيم__________________* محلل جيو-سياسي ارتري مقيم في بريطانيا