فخورة أنا بوالدي الشهيد محمود حسب! بقلم / أمونه محمود حسب
5-Sep-2020
عدوليس
مساء الثالث من سبتمبر 1989م كانت فرقة القتل في إنتظار القائد أمام منزله الصغير بالقرب من محطة ” سنار” للحافلات بحي “أبوخمسة ” الشهير بمدينة كسلا السودانية، وقد تسلق أحدهم شجرة “نيم” أمام المنزل وهو الذي سدد الطلقات التي أخترقت جسد القائد الذي صال وجال في ميادين القتال.أختاروا سبتمبر دون غيره من الشهور ، وأختاروا محمود حسب ضمن قائمة طويلة من قادة جيش التحرير الإريتري ونالوا منهم الواحد إثر الآخر، ولكنهم لم ينتصروا . ولددوايت تمسغن .. سعيد صالح … إدريس هنقلا ، كما أختطفوا عنوة ولدماريام بهلبي وعندبرهان قبر ظادق ومحمد علي إبراهيم والقائمة تطول. القائد الذي قاد عدد كبير من المواقع البطويلة خاصة بين أعوام 1974 ـ1977.
اشتهر بالجسارة والإقدام ونكران الذات. كان انيقا محبا للحياة عظيم الاهتمام بجنوده.في الذكرى (31 ) لرحيله نعيد نشر ما كتبته ابنته أمونة حسب على صدر صفحتها في الفيسبوك باللغة الإنجليزية.. كتابه إستعادية في وجه النسيان.
فخورة انا بوالدي الشهيد محمود حسب
.
أنصرمت ثلاثة عقود وعام على إغتيال والدي على ايدي نظام الجبهة الشعبية الحاكم في إريتريا. حدث الإغتيال على بعد أمتار قبالة منزلنا بمدينة كسلا السودانية من قبل قناص محترف أطلق الرصاص عليه. وقد هرعت والدتي التي كانت حامل بي و في شهرها الخامس إلى خارج المنزل لتجد زوجها وقد سقط على الارض وينزف الدم، فأخذته في حضنها حتى لفظ انفاسه الأخيرة وهو بين ذراعيها.
كان والدي الشهيد محمود حسب قائدا عسكريا له مكانة كبيرة في صفوف تنظيم جبهة التحرير الإريترية،تصفه والدتي بإنه كان شجاعا لايعرف الخوف وفي نفس الوقت كان عطوف وحنون ،وسريع التأثر والإنفعال إلى حد ان عينيه تمتلىء بالدموع عندما يشاهد الافلام الميلودرامية العربية المؤثرة.ثلاثة اعوام فقط هي المدة التي قضتها امي معه قبل ان تطاله يد الغدر والخيانة .. أعوام ثلاثة فقط تشتاق إليها أمي وتقول أنها كانت من أجمل أعوام عمرها.
كان والدي قد تلقى دورة عسكرية في كوبا ،ولهذا كان يجب التخلص منه حسب وجهة نظر الجبهة الشعبية.
تعتبر إريتريا اليوم كالسجن في الهواء الطلق،بل ان هناك اعتقادا واسعا بانها قد اصبحت كوريا شمالية افريقيا ..فالنظام لايسمح بالتعددية السياسية حيث لاتوجد معارضة سياسية داخل البلد، ولا توجد صحافة مستقلة بعد ان زج في السجون اعداد كبيرة من الصحفيين والسجناء السياسيين.
بل لسنا نبالغ إن قلنا بأن إريتريا قد ازاحت كوريا الشمالية لتحتل المركز الأولى في مجال تشديد الرقابة على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
بالإضافة لذلك فإن مايقارب الخمسة آلاف شخص يفرون شهريا من جحيم النظام لتصبح اريتريا اكثر البلدان المصدرة للاجئين،والكثير منهم يغامرون بأرواحم في المحيطات هربا من حالات الفقر المدقع ومن جحيم سياسة التجنيد القسري للشباب والشابات التي ينتهجها النظام.
في هذه الآوان يعاني الشعب الاريتري من ظاهرة الجوع وسوء التغذية جراء سياسات الحكومة التي تسببت في انخفاض حاد في مخزون الغذاء.. وقد تسأل هل بالامكان تقديم المساعدة؟ والإجابة هذا ليس ممكنا!
ذلك لان الديكتاتور اسياس يرفض المساعدات الخارجية بزعم أن البلاد ليست بحاجة للمساعدات الخارجية وبأن لها اكتفاء غذائي، ولكن لا يمكن التحقق من صحة مزاعم الديكتاتور في هذا الصدد وذلك لعدم وجود اعلام مستقل.
وهناك تقارير مسربة من الداخل من قبل بعض العاملين في الاجهزة الصحية والنشطاء السياسيين تشير الى تفشي حالات سوء التغذية خاصة بين الاطفال،ولابد من الاشارة هنا انه من يقومون بهذه التسريبات قد يعرضون انفسهم الى مخاطر وخيمة.
في الثاني من شهر مايو 2015م تعرضت باخرة كان على متنها (369) لاجئا أغلبهم من الإريتريين، لعطل فني وهي على بعد (45) كلم قبالة السواحل الليبية،وتم إجلاء اللاجئين الى جزيرة سيسيليا الإيطالية بواسطة قوارب الانقاذ.
من حين لآخر أمر بمواقف تعزز قناعتي بالتاثير الايجابي الذي كان لوالدي على الاريتريين المتواجدين في المهجر،فقبل ستة اعوام تقريبا قال لي المهندس “عامر باهو ” المقيم في إيطاليا وهو في الواقع خال زوجي،قال لي العم عامر ان حياته لربما اخذت منحى آخر لولا رفض الشهيد حسب طلب إلتحاقه بالثورة مصرا علي ان أواصل دراستي الجامعية للمساهمة في بناء إريتريا في مرحلة مابعد الاستقلال،فقد شجيع والدي الشباب للإلتحاق بمقاعد الدراسة والتحصيل العلمي ، وكان هذا ديدنه في التعامل مع كثير من الشباب.
قبل عام تقريبا شاهدت فيلم بعنوان “The Forgotten” اي المنسيون ، يوثق لمعاناة اللاجئين الإريترين في معسكرات شرق السودان ،وبعد نهاية الفيلم أقام كل من مخرجة الفيلم السيدة صابرينا أمان ووالدها جميل أمان وهما إريتريان مقيمان في الولايات المتحدة، ندوة مفتوحة تحدثا فيها عن المواقف التي تعرضا لها وهما يقومان بالتصوير بطريقة سرية. وفي احدى المرات ثم القاء القبض عليهما وإقتيدا لمركز الشرطة للإستجواب.
وقد شك الضباط في أمر هذين الاجنبيين…فوجه اليهما اسئلة تتعلق بالاسرة والاسباب الحقيقية لقدومهما الى السودان والجهة التي كلفتهم بهذه المهمة … الخ.
وللتأكد من صدق كلامهما سأل احد الضباط السيد جميل:
ــ اذكر لنا اسم مناضل اريتري تعرفه قاتل من اجل تحرير إريتريا؟
فأجاب السيد امان انه يعرف الشهيد محمود حسب…”
هذا هو والدي يتم ذكر اسمه في ندوة عامة وبعد مرور اعوام كثيرة على رحيله وقد اصبت بالذهول حينها ! وفي نفس الوقت انتابني احساس بالفخر بوالدي …لكون الضابط ايضا كان يعرف أبوي محمود حسب!.
ويفصل السيد أمان عن الموقف ويقول : ( إستمر الضابط اسألته واراد ان يعرف المزيد عن الشهيد حسب،فأخبرته بأن ارملة الشهيد حسب وطفلتيه يقيمان الآن في استراليا).
كنت أنا …بنت الشهيد حسب ،ضمن الحضور الذين كانو يستمعون الى الحديث عن مسيرة اسرتي التي يعاد سردها بالرغم من اني كنت في الشهور الاخيرة جنينا في بطن أمي.
تحاملت على نفسي واقتربت من السيد جميل فقلت له:
انا اسمي أمونة …ابنة الشهيد محمود حسب.
فرد علي السيد جميل “والدك انقذنا في السودان”.
لاشك يعتصرني الألم وإحساس بالفقد ، لأني فقدت ابوي…ولكن عزائي هو ان والدي قد ترك لنا سيرة طيبة وإرث عظيم في قيم التضحية والشجاعة، فخورة أنا أنني أبنة الشهيد المناضل محمود حسب محمد.
وانا اكتب هذه السطور، بمناسبة مرور ثلاثون عام على رحيله، يجلس بجانبي طفلي، وهو حفيد اثنين من الثوريين الاريتريين،حفيد الراحل محمد سعيد عنططا من جانب ومن جانب آخر هو د حفيد محمود حسب…وقد اخترت له اسم محمود…اسم جده.