قراءة في كتاب سيرة المناضل محمد نور أحمد(4)
بقلم / عبد الفتاح ود الخليفة

الحلقة الرابعة : ميلاد حركة تحرير اريتريا
ذكر الأستاذ محمد نور أحمد في هذا الجزء من الكتاب وضوح مبتغى إثيوبيا بزعامة الإمبراطور هيلا سلاسي وهرولته نحو مصادقة الولايات المتّحدة الأمريكية لتحقيق مآربها وضمّ إرتريا إليها بمساعدتها. كما كان لأمريكا مصلحة نادرة وملحّة، وهي الاستمرار في امتلاك قاعدة “راديو مارينايو” في أسمرا لأمد غير محدّد.
وقد توّج التقارب بلقاء اليخت في شاطئ مدينة السويس المصريّة بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والإمبراطور هيلا سلاسي في فبراير 1945. ولذلك نوى الاتحاد السوفيتي العمل على تغيير ما في إرتريا، وأوكل المهمّة للحزب الشيوعي السوداني. فقام عضو قيادة الحزب فرع بورتسودان بزيارات لإرتريا، ومنها زيارته لأسمرا، ثم تأسيس “حركة تحرير إرتريا” لتعمل بنفس فلسفة الأحزاب اليسارية والشيوعية وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوفيتي بقيادة لينين الذي اعتمد على العمل الجماهيري ثم الانقلاب الثوري كما حصل في عام 1917.
وبنفس المنهج اتبعت “حركة تحرير إرتريا”، وبهذا نفض الأستاذ محمد نور أحمد الغبار عن التجربة لتتّضح معالم حراكها وتحرّكها، والأسلوب الذي اتّبعته فلسفة ونهجًا، نهجًا سياسيًا طويل النفس في مجتمعات غير المجتمعات التي نجحت فيها تلك التجارب.
كتب الأستاذ محمد نور في صفحة 31 ما يلي:
“لقد كان تبنّي قيادة حركة تحرير إرتريا الاستراتيجيةَ الثوريةَ الانقلابيةَ مجرّد تقليد لتجارب الآخرين، جرى دون دراسة للواقع الإرتري دراسة ميدانية، ومن ثم ابتكار الأسلوب الذي يتناسب معه، بدلًا من ارتجال استراتيجية الثورة الانقلابية.”
ويبدو ممّا أورده الأستاذ أنّ عدم قدرة “حركة تحرير إرتريا” على القيام بذلك جعلها عاجزة عن الاستمرار، ناهيك عن تحقيق الأهداف. وهنا وضحت الفكرة، فما ذكره الأستاذ في هذا الكتاب كان من وحي معايشة وتجارب ميدانية لصيقة.
ربّما يكون هذا هو السبب الذي ترك المسافة بعيدة نوعًا ما بين قيادة الحركة ومعظم قاعدتها الشعبية. وعلى حسب ما يُروى أيضًا في أوساط من كانوا أعضاء في الحركة أنّ الضبابية والسرّية المفرطة كانت عنوانًا آخر للحركة وأفعالها على الأرض، فقتلت روح التحدّي والاستمرارية.
ولذلك، عندما أطلقت جبهة التحرير الإرترية الطلقة الأولى بقيادة القائد العملاق حامد إدريس عواتي، ترك كثيرون من قيادات الحركة وكوادرها المؤثّرة ساحة “حركة تحرير إرتريا” لينضمّوا للتنظيم الجديد “جبهة تحرير إرتريا”.
ولا ضير إن ذكرنا هنا من قيادات الحركة المعنية بهذا الأمر:
- المناضل المخضرم صالح أحمد إياي.
- المناضل المخضرم محمود إسماعيل.
- المناضل المخضرم محمد برهان حسن.
- المناضل القيادي طاهر فداب.
- المناضل آدم محمد علي أكتي.
- المناضل تكوء يحدقّو.
- المناضل ولداي قدّي.
- المناضل ولدي ماريام (وزير الحكومات المحلية لاحقًا).
- المناضل إبراهيم أحمد “بليناي”.
- المناضل محمد سعيد حامد أنططا.
- المناضل الكبير سليمان عبّي.
وغيرهم كثيرون…
وهنا يجدر الإشارة إلى أنّ المناضل محمد سعيد ناود ذكر المناضل العم آدم محمد قدوف من أنشط شباب الحركة في مدينة كرن. ومن عجائب الصدف عرف الأستاذ محمد نور عن الحركة وأهدافها في عام 1960 من العم المناضل آدم قدوف في مدينة “بارنتو” عندما كان هو معلّمًا في “أردا-القاش”، والعم آدم كان يعمل في الزراعة في منطقة “شمبقّو” تاركًا مدينته وأسرته بسبب متابعة المخابرات الإثيوبية لنشاطاته والزجّ به في السجون.
لينضمّا كلاهما لاحقًا، في زمن ومكان مختلف، إلى “جبهة تحرير إرتريا”. ويذكر الأستاذ أنّ أعضاء الشرطة الذين انضمّوا إلى الجبهة بعد إعلان الكفاح المسلّح هم: محمد سعيد شمسي، مالك أدانا، علي أحمد، محمد إدريس حاج، عمر ولّو.
ربّما من قصر متابعاتي لم أسمع أنّ رجل الشرطة عمر ولّو انضمّ للثورة، لأنّ ما علق في ذاكرتي أنّه كان شرطيًا فقط. أمّا الاسم الآخر الذي لفت انتباهي فكان اسم محمد إدريس حاج. كنت أعتقد أنّ المناضل الشهيد محمد إدريس حاج – ود أب ريشت كان مناضلًا جسورًا ومن مواليد مدينة “حلحل”، وكان نائبًا للقائد عواتي منذ فبراير 1962 وحتى تاريخ استشهاده في يناير 1963 في “عنسبا” قريبًا من مكان ميلاده.
انضمّ لجيش التحرير مع رفاقه من “قوة دفاع السودان”. ولكن لا بأس إن كان شخصًا آخر غير الذي قصدته، لأنّ الأسماء الإرترية متكرّرة ومتقاربة. وكانت أيضًا أسماء أخرى من الشرطة انضمّت لجيش التحرير الإرتري عند إعلان الكفاح المسلّح منهم: الشهيد عثمان آدم (شهيد دمبلاس)، الشهيد إبراهيم بوليسي، الشهيد عمر ناصر شوم (شهيد بوشكا-القاش).
وفي قضيّة تصفية أو انتحار تدلا عقبيت أورد الأستاذ خبرًا مفيدًا عن صيرورة التخلّص منه من قبل إثيوبيا، وهو أنّ الملك عرض عليه أن يتقاعد مع نقله من إرتريا إلى إثيوبيا ومنحه قطعة أرض هناك. رفض العقيد تدلا العرض وقام بحملة في أوساط الشرطة للتمرّد على إثيوبيا، ولكنه فشل في ذلك لأنّه كان قد فقد المصداقية بسبب تنكيله بالشرفاء ممّن عارضوا تدخلات الإمبراطور في تقويض الفدرالية ومن ثم إسقاط أعمدة الدولة الإرترية.
فكان قد سجن وعذّب وقتل الكثيرين حسّيًا ومعنويًا، وبعضهم عاش ويعيش بعاهات مستديمة. فكان ما كان من أمر العقيد ليموت منتحرًا أو مقتولًا حسب الروايات. وحتى قريته ترا إمنّي في مديرية سرايّي رفضته ليدفن جثمانه فيها لأنّه لم يولد فيها على حسب الروايات.
يتبع في الحلقة الخامسة.
جانب من حضور تدشين كتاب الاستاذ محمد نور أحمد في ملبورن 2025