لسان الجاهل مفتاح حتفه بقلم / يوسف بوليسي
27-Jun-2014
عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى
حينما اطلق ارسطو عبارته المشهورة “لسان الجاهل مفتاح حتفه” لم يكن يدري انه سيأتي دهر تكون فيه الحرب ضروساً بين العلم والجهل وتشتعل أوارها في مستويات مختلفة. فالصراع بين الاثنين اخذ مناحي مختلفة في مسيرة الحياة البشرية فالجهل كالشمعة المنطفئة تجعل الانسان يعيش أبد الدهر في الظلام وكثيرا ما يتستر الجهل بالعلم والحماقة بالحكمة .. ويتستر كل شيء بضده بينما العلم هو نور يضيئ في المقام الاول العقول ويرشدها لتحسس الدروب بالحكمة والوعي حتى يستفيد منها الانسان في مشواره الحياتي على المستويين الفردي والجمعي.
بالامس شهدت جنيف وبالتحديد القاعة الكبرى في مجمع الامم المتحدة مداولات الدورة السادسة والعشرين لمجلس حقوق الانسان حول اوضاع هذه الحقوق في مختلف البلدان، وبالطبع كانت الحالة الارترية احدى الملفات الساخنة وذلك للسيل الهادر من المعلومات التي تتحدث عن الانتهاكات الصارخة التي تُمارس ضد الانسان الارتري طوال اكثر من عقدين. فرسان هذا العام في هذه الجلسات كانا الجهل والمتمثل في وفد النظام والوعي متمثلا في مجموعة من الناشطين الشباب والشابات نذروا أنفسهم نصرة لشعبهم ومقارعة النظام بلغة اعتقد انه يفهمها ولكن الحقائق اكدت انه يجهلها.بداية كانت الكلمة للسيدة شيلا كيثاروس المقرر الخاص بحالة حقوق الانسان في ارتريا والتي دعت فيها المجلس والمجتمع الدولي للتصدي للانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في إرتريا. وقالت ان النزوح الجماعي للإريتريين، صغارا وكبارا، من شأنه أن يهدأ إذا تم كسر حلقة الإفلات من العقاب على انتهاكات الحقوق الاساسية. كما دعت السيدة كيثاروس الحكومة لإنهاء الخدمة الوطنية إلى أجل غير مسمى، ووقف عسكرة التعليم الثانوي، وإغلاق جميع مراكز الاحتجاز السرية. وحثت المجتمع الدولي للتأكد من اخضاع التعاون الإنمائي مع النظام بعمليات العناية الواجبة والمشددة لضمان الاحترام الكامل للقواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.وأعربت عن اسفها من تجاهل حكومة إرتريا طلباتها لزيارة البلد، وعدم ابدائها اي رغبة في التعاون معها لاتمام مهمتها في الوقت الذي لا يزال فيه شعب إرتريا يعاني من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. كما لم يعد للارتريين من خيار سوى الفرار من بلادهم، مما ادى ذلك الى استياء عام بينهم مما أظهر الانفصال بين تطلعاتهم وأهداف الفردية والشخصية من جهة، وما تتوقعه الحكومة منهم، مما ادى بدوره الى خلق حالة الصراع والتحدي لسياسات الحكومة الحالية ومؤسساتها.ثم اعتلى المنصة ممثل النظام السفير تسفاميكئيل قرهتو والذي حاول الالتفاف على الانتهاكات الواضحة لحقوق الانسان الذي يمارسه نظامه ضد شعبنا، بإرجاع ذلك للمؤمرات التي واجهتها البلاد خلال السبعين عاما الماضية وقال ان ارتريا كانت ضحية لاجندة جيوسياسية بما في ذلك احتلال اراضيها. ولكن ذلك لم يمنع العديد من ممثلي الدول من الاعراب عن قلقهم من اوضاع حقوق الانسان في البلاد وطالبوا النظام الى وقف الانتهاكات المتعلقة بحقوق الانسان والاعتقالات التعسفية وغيرها. وفي تصريح خص به المنتدى قال الاستاذ سليمان حسين احد الناشطين الذين خاطبوا جلسة يوم الجمعة “أن المجلس استمع الى تقريرين: الاول من المقرر الخاص السيدة شيلا والثاني من مجموعة عمل والتي تقدمت بتقرير يتضمن مجموعة من التوصيات التي تقدمت بها الدول الأعضاء في المجلس. تمت المصادقة على الأخير ومن المتوقع ان يتم تجديد صلاحيات المقرر الخاص في نهاية جلساته في السابع والعشرين القادم. بالاضافة الى هذين التقريرين، هناك أيضاً مسودة قرار يتم التداول حولها وتقضي بتشكيل لجنة للتحقيق في أوضاع حقوق الانسان في ارتريا، واذا ما تم المصادقة عليها ستكون خطوة متقدمة وتطورا مهما في كيفية تعامل المجلس مع الملف الارتري وستترتب عنها عواقب وخيمة للغاية على النظام لما تتمتع به اللجنة من صلاحيات أوسع وإمكانيات اكبر مقارنة بالآليات الأخرى التي سبقت ذلك بما فى ذلك المقرر الخاص لحقوق الانسان”.وبالعودة الى مقولة ارسطو التي استهلينا بها هذا المقال “لسان الجاهل مفتاح حتفه” لانها ترمز الى احد طرفي المفارقة في تلك القاعة: الجهل المتمثل في النظام الذي انتهك الحريات ومارس الظلم والاضطهاد وانتهك الحقوق الاساسية ووأد الحريات منذ فجر الاستقلال ومارس التجهيل المتعمد، والوعي المتمثل في اولئك الشبان المدافعين عن حقوق شعبهم المثابرين لاستعادة كرامته المهدرة. ورغم كل العوائق والعقبات التي تحاول أن تثنيهم عن غاياتهم النبيلة، الا انهم لا يعبأون بها ويمضون إلى هدفهم في ثبات.في جلسة يوم الجمعة حاول ممثل النظام الاعتراض على مخاطبة ممثلي المجتمع المدني الارترين للمجلس، متعللا بإجراءات قانونية لا تسمح لهذه المنظمات من الاشتراك في مثل هذه الاجتماعات. وكان ذلك مربط الفرس الذي قضم ظهر النظام وكما يقال شر البلية ما يضحك، فقد كان هذا الاعتراض بمثابة خدمة كبيرة للناشطين الارتريين لان ما حصل بعد ذلك من امتعاض من قبل الدول التي كانت تصنف ضمن الدول المتحفظة حول حيثيات مسودة القرارات والتوصيات التي تقدم بها المجلس نهار الخميس التاسع عشر من هذا الشهر. وهنا رفعت الايادي للتعليق والتعقيب على على اعتراض ممثلي النظام وكان التردي…. وسقط الهقدف في الفخ نتيجة لجهل ممثليه الذين قدموا خدمة جليلة لدعاة التغيير في ارتريا دون ان يدركوا المخاطر المترتبة من هكذا اعتراض.وعلق احد الحضور على ذلك بالقول: ” في مثل هذه الاجتماعات لا يتطلب من المرء الكثير من الجهد لتمرير قرارات تخدم قضية شعبنا العادلة، لان سفراء الهقدف سوف يقومون بكل شيئ دون ان يدروا مآلات عنجهيتهم وغطرستهم لانهم لا يتغيرون ويتعاملون وكأنهم في ارتريا التي حولوها الى سجن كبير ويمارسون فيها كل اصناف القهر والتعسف”.واضاف اخر: على المرء التكفل بتذاكر سفرهم، لانهم يخدموننا بجهلهم وتنطبق عليهم القاعدة التي تقول : “حسبه صيدا فكان قيدا” يريدون ان يكمموا افواهنا هنا جنيفا ونسوا اننا في مقر الامم المتحدة.التحية لمجموعة حملة “لا للعبودية في ارتريا بإسم الخدمة الوطنية” التي نظمت تظاهرة حاشدة امام مقر الامم المتحدة واسمعت صوت من لا صوت له والتحية لكل النشطاء الذين كان ثمرة جهودهم ان تعرى النظام امام العالم وندعوهم لمواصلتها وتكثيفها حتى ازاحة هذا الكابوس الجاسم على صدر شعبنا. ولاننا نعتقد ان الهقدف لا يتعلم من اخطائه، بل نؤمن بألا استعداد له للتعلم منها، سنختتم مقالنا بما بدأنا به “لسان الجاهل مفتاح حتفه”. ولك المجد يا شعبي يا قاهر الظلام