ليس بالمعيب الهروب رفضا بل العيب هـــــــــــــــــو الصمت خوفـا.!: إبراهيم حالي
2-Jul-2006
المركز
منذ أن بدأ نضال الشعب الإرتري مبكرا وتحديدا في أربعينات القرن الماضي ، وعلى مدى نصف قرن وحتى تحرير كامل التراب الإرتري أدى كل جيل دوره بكل تفان وإخلاص ، وبغض النظر عماّ شابها ، فلكل تجربة سلبياتها وإيجاباتها ، ولندع هذه المسألة لمن عايشوا التجربة لكتابة التاريخ بكل صدق لأنه ملكا للأجيال القادمة . والسؤال : ماهو دورنا نحن جيل مابعد التحرير ..؟ وما أسهل الإجابة عليه في ظل أوضاع طبيعية ، وهو: بناء الوطن وصون أمانة الشهداء .
ولكن للأسف إنّ السلطة التي إستولت على البلاد حرمتنا من أداء واجبنا هذا بسياساتها العقيمة والعنجهية ، حيث نهجت الحروب في كل حدب وصوب وآخرها كان مع إثيوبيا ، وزجّت بنا نحن الشباب في صفوف الجيش تحت مسمى الخدمة الوطنية لتخوض بنا حروبا لامعنى لها ، والنتيجة كانت أن حصدت أرواح الآلاف ، وقضت على الأخضر واليابس، ووضعت البلاد في حالة لاتحسد عليها ، أما الوجه الآخر من ممارساة هذا النظام تجاه شعبنا عموما ، فإنها زاخرة بصنوف عدة من الصورلاتحصى ولاتحصر. بعد تجارب مريرة خضناها نحن شباب الخدمة الوطنية مع هذا النظام الديكتاتوري هربنا وإلتجأ الكثيرمنا إلى دول الجوار،وليس من باب المفاخرة أوالتبرير أن نجزم بعدم وجود من هرب منا خوفا من الموت أوتخازلا عن أداء واجبه الوطني ، ولما كان الأمر كذلك فلابد لنا من دور نؤديه تجاه هذا الوطن الجريح والمواطن المغلوب على أمره ، فنحن القادمين من الداخل لنا تجارب غنية جدا مع هذا النظام طيلة الـ 16عاما الماضية ، وعلينا جعل الحديث عنها وكشف تفاصيلها أول دور نؤديه .. أجل لماذا لانتحدث عن تجاربنا ومشاهداتنا في المعسكرات وسجونها الخاصة ، وهل تقلَّ جرما عمّا يقدم كنمازج لممارسات مرفوضة في هذا العصر .. عصر الحريات الأساسية والممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان وصون كرامته..؟ كيف سنكون اوفياء للضحايا ، إن واصلنا صمتنا هذا ..؟ فهلاّّ بدأنا .! شخصيا سجنت في أواخرعام1994م بتهمة الإساءة للنظام عندما ذكرت في حديث عابرأن النظام في بلادنا شمولي ولايقبل بالآخر، حكم عليّ بستة أشهر – ويعد هذا حكما مخففا- وقضيتها بسجن سنبل الذي يعدّ مرفّها مقارنة بالسجون الأخرى ، ولكن لاحظت فيه وجود عدد كبير من صغار السن دون الثامنة عشر، وأذكر منهم مصطفى (ود حي قزا برهانو)الذي لايتجاوزعمره الثالثة عشر ومحكوم عليه بعام . وتتعدد الوقائع والمشاهد. ومنها ما حدث أمام عيني في وحدتي بالفرقة (37) في مرسى (حسمت) بمنطقة الساحل حيث كنا في وجبة تدريب على السباحة ، ما حدث كان ذلك لونا آخرتماما ، رفض أحد الجنود وإسمه محمد (من ابناء زولا) السباحة لأنه لايحب البحر ولايجيد السباحة مطلقا، فما كان من قائد سريته ( ودي قري) إلاّ أن أجبره على صعود مركب صغير معه وفجأة دفعه في العميق وكاد محمد ان يغرق ، ولولا وجودنا بالقرب منه لمات على الفور، في المساءإسترد وعيه وكرد فعل طبيعي أطلق محمد النار على قائده وأصابه في الساق، على الفور جاء قائد اللواء(داويت منقستآب) وقائد الكتيبة (كبروم ألم سقّد) وأمرا بربطه على طريقة (الهليكوبتر) وطلبا شد وثاقه حتى نفذ للعظم ، بات ليلته يئن من آلام الغرق والربط المحكم، ورغم مرارة ذلك على مسامعنا لم يتحرك أحد تلبية لإستنجاداته ، في الصباح إكتشفوا فقدانه الوعي وسرعان ماحول إلى مستشفى (كرن)الذي يبعد عن المنطقة قرابه 350كيلومترعبر طرق وعرة وفور وصوله فارق الحياة إذ أصيب بالغرغرينا العظمية جراء جروح الوثاق العميقة ، أغلق ملف القضية على ذلك ، وعدّ محمد شهيدا في الدفاترالرسمية ، أما الجناة لازالوا ينعمون بالحرية دون مساءلة حتى يومنا هذا .! لم يكتب لك الموت بعمق المياه .. لكن لاحقك في عمق الوثاق ..!كم مثلك يا(ود زولا) روحه معلقة تنتظر الإنصاف .!مشهد آخر: في العام2000م وتحديدا في بدايات مايوقبيل إندلاع الجولة الثالثة للحرب أصدرقائد كتيبتنا (عنداي بارنكئيل) أمرا بإعدام المجند (عبدالرحمن عيسى عقيسا) من قومية الكوناما ونفذ فيه حكم الاعدام أمامنا ، أما حجتهم أنه هرب من الدفاعات- سواتر ترابية في خط النار- والغريب في الأمر أننا لم نكن في خط النارعندما ذهب عبدالرحمن لزيارة أسرته في تكمبيا وهي مدينة أقرب للدفاعات ، فقد كنا شمال بارنتو نزاول أعمال السخرة لصالح خزينة الحزب في بناء جسورعقبة بارنتو المؤدية إلى أغردات .. ذهبت ياعبودي للإطمئنان على سلامة أسرة تلامس خط النار فمزّقت النارجسدك الممشوق بيد من يدعي الدفاع عنها .!كذلك (جابر) والذي نسيت إسم والده وهو من أبناء أفعبت وكنّا في سجن الفرقة (37) المتواجد على ضفاف نهر القاش بمنطقة تبعد حوالي 20 كيلومتر من مدينة هيكوتا ، فارق الحياة بين أيدينا لأنه لم يجد علاجا بسيطا ورخيصا لحمى الملاريا، فقد رفض مسؤول السجن (ودي أبرها) إرساله إلى مستشفى الفرقة في هيكوتا ، وكان ذلك في خريف عام2002 م .. سلام عليك جابر.. رحلت لأنه عزّ عليهم أن يوفروا لمثلك الكلوركين .!وليس آخرهم محمد عثمان وهو من أبناء أفعبت أيضا كنا سويا بسجن الفرقة(37) ونتيجة لوجبات التنكيل والتعذيب المنظم التي نالها أصيب بحالة من الهلوسة والجنون فتدهورت صحته بصورة مريعة مما إضطرّهم ذلك لنقله إلى مستشفى للأمراض العقلية بأسمر، وبعد أن هدأت حالته نوعا ما أعيد من فوره ليقضي ماتبقى عليه من مدة خدمته وتركته هناك ولم أعرف له مصيرا بعد ذلك .. لك الله دنيا وآخرة .!هذا قليل القليل من ممارسات مررنا بها أو شهدنا فصولها والشعب الإرتري عموما والشباب خصوصا شهد منها الكثير على أيدي جلادي النظام، وكثيرا ما نتحدث عنها في الجلسات الخاصة ، فلماذا لاتكتب حقائقها وتنشرعلى الملأ لشعبنا في كل مكان وللرأي العام العالمي حتى نسهم في تعرية ممارسات هذ ا النظام.. لماذا لا نتحدث عن أهوال معتقل ( تراك بي) إذ كدسنا فيه بطريقة مهينة في حجرة ضيقة ومنعنا من قضاء الحاجة ل ()وقد فعلها بعض مرضانا ..أليس هذا إمتهان لكرامة الإنسان .. وعن حاويات جنرال(وجو) في حي (قحوتا) بأسمرا.. وسجن (ماي تمناي) السري والذين تمارس فيهما كل أنواع التعذيب ، ويحقق فيه عن جرائم لم يسمع بها أحد البتة.. لماذا لانكشف اللثام عن معتقلات (أدارسر) التابعة لمنطقة العمليات الأولى بقيادة (تخلي منجوس) والمتواجدة تحت الأرض بالقري من مدينة بارنتو والتي مازالت ممتلئة بزملائنا ورفاقنا وأبناء شعبنا من كافة الأعمار .. و(بريما كانتري)قرب بارنتو وآلة التعذيب (الماظ) المشهورة بإمتهان كرامة الرجال .! لما لا تنطلق عقيرة ألسننا عن تفاصيل حادث(عدي أبيتو) حيث أطلق الحراس رصاصهم على العزل .وما ذا نحكي عن اللواء السادس بساوا..حيث لايسمح فيه بالنوم إلا لساعة واحدة في اليوم .. وسجون (ودي عنداي) في ساوا وحاوياته التي يحتجز فيها أبناء طائفة الجهوبا ( فرقة بهائية ) منذ العام 1994م .من منا لم يمربأحد هذه السجون وقضى فيه ردحا منم الزمن . فلماذا لانكتب عن ذلك عارضين صنوف ما سقينا من هوان وإذلال، وراصدين مشاهد اللحظات الأخيرة من عمرالضحايا، وهي أمانة في أعناقنا لأهلهم وشعبنا والأجيال القادمة ، ومسجلين بصدق وأمانه الأحداث كما عايشناها ، وكاشفين عن مسئولية الفاعلين دون خوف ، كيف لانتحدث عن أعمال السخرة التي سقنا إليها لبناء منازل فارهة للقادة ، أو لثراء جيوبهم بقطع الأشجار وإنتاج الفحم لحسابهم مسببين كارثة بيئية ، في مشاريع زبانية النظام بينما تتضور أسرنا جوعا ومرضا وتنفيذ أحكام الإعدام الفورية على من ذهب من رفاقنا لإعالة أسرته حتى لاتجوب الشوارع متسولة لتدبير قوت يومها . حقائق كثيرة ومؤلمة أكثر مما يتصوره المرء يمتلكها هولاء الشباب ، وكشفها جزء هام من نضال هذا الجيل ضد النظام القاهر القائم في بلادنا ، ومعاناتنا من ممارساته تعتبر رصيدا نضاليا لنا ، فنحن اليوم – الذين سنحت لنا فرصة الإفلات من قبضته- أفضل حظا من رفاقنا الذين تركناهم ، ومن شعبنا الذي يعاني الأمرين تحت قهر وقمع النظام ، وعلينا أن لانتوانى عن تأدية دورنا تجاههم . أما على المستوى العام لدور المعارضة الإرترية فإنه بات ضروريا أن تثبت أمام جموع هذا الشباب قدرتها للتحول إلى بديل ديمقراطي عن هذا النظام بتوحدها وتفعيل أدائها في كافة المستويات ، وأن ترسي برامج نظرية وعملية تؤمن مصالح الشعب الإرتري كافة وتحافظ على مكوناته وثقافاته ، وفي هذا السياق من المهم ان تنشط في إستيعاب وتأطير هذا الشباب في منظمة شبابية إرترية ينضوي تحتها كل الشباب الإرتري بكل مشاربه السياسية والفكرية ، فالشباب هم اداة التغيير وهم عماد هذا المجتمع في البناء لاحقا.لذا فالهروب من أوضاع كتلك التي عايشنا ليس عيبا إنما العيب كله هو أن نصمت عن كل ماجرى ويجري ، وننزوي بعيدا عن ساحة الفعل الإيجابي ولو بكلمات لابد من قولها أولا .