ممن تطلبون الحقوق : آدم محمد صالح*
23-Apr-2014
عدوليس
فوجئ الارتريون قبل عدة أسابيع بأنباء تأسيس تنظيم جديد تحت مسمى “تجمع المنخفضات” للمطالبة بحقوق تلك المناطق دون غيرها من المناطق الارترية.أولا أشكر الأخوة مؤسسين التجمع الجديد على الأسلوب السلس والرفيع في كتابة بيانهم الذي سكب فيه مداد غزير “لكن في غير محله” لإعلان فكرة ومبادرة حقوق المنخفضات ومحاولة الافتاء في محاسنها. وددت لو سكب كل هذا المداد في دعم وتقوية العمل الجماعي لكل إرتريا.
ومن واجب كل إرتري أن يدلو بدلوه في هذا الأمر الخطير والمضر بمجموع الشعب الإرتري عامة والمنخفضات خاصة، مع احترام الرأي والرأي الآخر ومقارعة الحجة بالحجة مهما كان وزنه في الساحة الإرترية.
1.منذ أربعينيات القرن الماضي ظل التقسيم مسلطاً على الوطن الإرتري، بدءاً بالمخطط أو المشروع البريطاني لتقسيم إرتريا بين السودان وإثيوبيا ومسح القطر الإرتري من الخارطة. ثم المخطط الإثيوبي الذي نادى به (أقل من حفنة) من الإرتريين ويدعو إلى حقوق المديريتين “الغربية والشرقية”! ولكن فشل المشروعين وأصبحا نسيا منسياً. والآن أطل المشروع برأسه من جديد وبسيف نفر من أبناء المنخفضات وبعد ثلاثة عقود من الكفاح المسلح وتحرير الوطن. وحقيقة، لا ندري إلى أين سيأخذون المنخفضات العزيزة هذه المرة.
2.يجب أن لا ننسى للحقيقة والتاريخ ما جرى من اقتتال بين فصائل المنخفضات الإرترية المسلحة وبدون أي مبرر مقنع في فبراير عام 1972 وحتى 1975 والذي شارف درجة كسر العظم، استشهد فيه عدد كبير من خيرة شباب إرتريا. ولم يتوقف هذا الاقتتال المأساوي إلا بفضل تدخل شعب المرتفعات، وعلى مشارف أسمرا في عام 1975 (ولشعب المرتفعات تحياتي وشكري وتقديري)، لم يوقفه أهل المنخفضات المظلومة والمكلومة في آن واحد. ثم تلا ذلك الاقتتال ذلك الهجوم من جيش جبهة التحرير ودون أي مقدمات على معسكر قوات التحرير الشعبية. وقد استشهد في هذا الهجوم أيضاً عدد كبير من خيرة شباب الثورة الإرترية.
3.وبعد تحرير إرتريا بسواعد كل أبنائها وبقيادة الجبهة الشعبية وبرئاسة إسياس أفرقي (بول بوت ارتريا) الذي دمر حكمه إرتريا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ودمر فيها كل شيء جميل، ومارس على الشعب الإرتري كل صنوف القتل والخطف والاعتقال للآلاف، أمكنة اعتقالهم الجائر مجهولة حتى تاريخه.
4.إزاء هذه الحالة، لم يكن أمام أبناء الشعب الإرتري شبابا وشيوخاً إلا أن يتنادوا لإسقاط هذا النظام الجائر لإحقاق حقوق كل الشعب الإرتري دون استثناء لأي منطقة وعقدوا مؤتمرات في كل من السودان واثيوبيا، وفي مؤتمر لهم انعقد في نوفمبر2011 في مدينة أواسا بإثيوبيا تمخض عن تكوين أطر وقيادات العمل الوطني لإسقاط النظام. ولفرحتنا ضم عدد غير قليل من أبناء المنخفضات في كل أفرع القيادات من تشريعية رئاسية وتنفيذية.. فيها فلان وفيها علان… وأنهم يضعون حقوق الشعب الإرتري نصب أعينهم في مواقعهم القيادية في كل أنحاء إرتريا أينما وجد التهميش والظلم. وهم نخبة متعلمة ومثقفة ونشطة وهاتي يا أحلام!
ولكن للأسف الشديد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد جاء الأخوة مؤسسي تجمع المنخفضات بإعلان مفاجئ ودون سابق إنذار ودون الرجوع أو التفاكر مع قواعدهم أو من يمثلونهم في المعارضة الإرترية، وخرجوا علينا بتقليعة ما سمي حقوق المديريتين. وأقل ما تدل عليه هذه المبادة هو تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ للصف الإرتري المعارض للنظام الحالي، والذي لابد أنه في سرور وحبور بفضل هذا التفتيت الذي تشهده المعارضة الإرترية بيد بعض أعضائها، مهما كانت ضعيفة، لأن هذا أصابها في مقتل معنوي إعلامياً، ومادي قاتل لاحقا إن شاء الله.
وكما ذكرت آنفا هؤلاء الشباب بعضهم أعضاء في المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي واللجنة التنفيذية وكان ينبغي لهم العمل مع زملائهم قيادة المعارضة التي تمثل كافة الشعب الإرتري تقريبا، مهما كانت ضعيفة وغير منسجمة نوعما فهذا أمر طبيعي في أي معارضة. هناك مد وجزر (لكن البحر موجود). كان عليهم تقويتها وتعزيزها والشد من أزرها وتوحيد الآراء في الحد الأدنى “الاتحاد قوة”، بدلا من الحرث في البحر وتكرار اخطاء الماضي الذي جنى على شعب المنخفضات نتيجة لغياب الوعي وبعد النظر وفهم الواقع التاريخي للشعب الإرتري وخاصة المنخفضات التي يطالبون بحقوقها بعد بتر جزء منها “دنكاليا” ولماذا هذا البتر لجزء عزيز علينا جميعاً يا ترى ؟؟إن العمل للمطالبة بحقوق وطن يختلف تماماً عن المطالبة بنقابة مهنية تطالب بحقوق محدودة تحت أي نظام وطني أو أجنبي. فهل تريدون أن تجعلوا من المنخفضات التي ظلت ولا تزال المناضلة والرائدة في سبيل المطالبة بحقوق كل إرتريا، هل تريدون تحويلها إلى نقابة بلديات؟ ثم تعالوا، ممن تطالبون هذه الحقوق؟ هل تطلبونها من إثيوبيا أو السودان أم من نظام أسمرا أم من المعارضة الإرترية؟ أفيدونا أفادكم الله، “وفوق كل ذي علم عليم”. لا شك عندي في ان إثيوبيا والسودان سيسخران من مبادرة هذا التجمع وستعتبرانه لعب عيال، والتناحر على جلد الثور قبل سلخه.
أما النظام الإرتري سيرحب أيما ترحيب بهذه المبادرة لأن تفتيت المعارضة الإرترية جاء لمصلحته قلبا وقالبا.
وأما المعارضة الإرترية، وهم كانوا جزء منها، لا تملك غنائم توزعها على المنخفضات والمرتفعات الإرترية، وكل ما تملكه هو الأسف لتخلي زملاء لهم عن إسقاط النظام في منتصف الطريق والمطالبة بحقوق سابقة لأوانها توطئة لتفتيت صفوف المعارضة، بل خيانتها باختصار. لأن هذه الأمور يقررها الدستور والمؤسسات الدستورية بعد إسقاط النظام وليس قبل ذلك.
5.صحيح حصل تهميش وإجحاف في حقوق المنخفضات منذ بزوغ الحكم الفيدرالي في سبتمبر عام 1952 وهذا أمر معروف لدى الشعب الإرتري وقد تسبب في ذلك أبناء المنخفضات أنفسهم الذين تبوؤوا المناصب العليا في الحكومة الإرترية، وكان هذا أحد الأسباب التي أدت لقيام الثورة الإرترية ، حركة تحرير إرتريا بقيادة المناضل الشهيد محمد سعيد ناود في عام 1958 ثم جبهة التحري الإرترية بقيادة الشهيد البطل حامد إدريس عواتي في عام 1961م، رحمهم الله. وفي رأيي المحدود المطالبة بحقوق دار لا يستوجب حرق كل البلد.
6.أود التنبيه لمن لا يعرف المنخفضات، أن محافظة دنكاليا جزء لا يتجزأ من منخفضات إرتريا ولا تقف حدود المنخفضات عند حدود محافظة سمهر كما يقال، ولا أدري سبب ومبرر ذلك.فإذا كان المبرر هو تداخل حدود دنكاليا مع إثيوبيا وجيبوتي، فإن المحافظة الغربية لها تداخل مع إثيوبيا والسودان أيضا، أفيدونا أفادكم الله.
7.حقا لا أجاري علم وثقافة وشباب الأخوة مؤسسي التجمع الجديد، ولكن أنا وزملائي طلبة الخمسينيات من القرن الماضي نمتلك بعض التجارب واستحضار ما كان يجري من تاريخ تلك الفترة وما بعدها حتى الآن وكان لنا وعي سياسي مبكر غرسه فينما أساتذتنا بطريقة غير مباشرة مما أدى إلى انخراطنا السريع في تنظيم حركة تحرير إرتريا وجبهة التحرير، حيث عملنا في كافة مجالاتها النضالية، ولا فخر. والآن من المؤسف أن نرى طعن قضية الشعب الإرتري بخناجر إخواننا وأبناءنا من المثقفين والذين عقدنا فيهم الأمل الوطيد لقيادة الشعب الإرتري وليس خلق الفتن والتمزق في صفوفه حتى لو كان بحسن نية وببراءة الطفولة. صدقا إن خسارتنا كبيرة، وآلامنا شديدة والله المستعان. ونقول كما قال الشاعر:
بالملح نصلح ما نخشى تغيره ** فكيف بالملح إن حلت به الغير
أخوكم آدم محمد صالح
*الأستاذ آدم محمد صالح في سطور:
الأستاذ آدم محمد صالح من قدامي المقاتلين والمناضلين في الساحة الإرترية، ابتداءً من حركة تحرير إرتريا وومروراً بجبهة التحرير. وقد ذاق مع زملائه ويلات سجون النظام الإثيوبي، حيث سجن مرتين في أسمرا، ثم تم ترحيله مرة أخرى إلى (سجن ألم بقا) الشهير في أديس أبابا في عام 1964، ومكث فيه عاما كاملاً. بعد أن خرج من السجن واصل نضاله ضد الاستعمار الإثيوبي، فانضم إلى العمل الجماهيري في السودان وتم اختياره ضمن اللجنة المركزية في عام 1969، ثم واصل العمل وانتقل إلى الميدان وعمل فيه حتى نهاية عام 1971. ثم تم تكليفه مع زميله الأستاذ علي برحتو بتمثيل الثورة الإرترية في منظمة التضامن الآسيوي الإفريقي التي كان مقرها في القاهرة حتى عام 1973. ثم عمل عضوا بمكتب الجبهة في ليبيا خلال الفترة بين عامي 1973 و1975. وهو الآن مقيم بالرياض.