موسم الهجرة إلى اريتريا .. تقرير : مزدلفه محمد عثمان .. جريدة الصحافة السودانية
27-May-2006
المركز
الجمعه 26/5/2006م
اريتريا واحدة من دول قليلة استمر شبح الحرب الباردة يخيم علىها لفترة أطول من غيرها ، الأمر الذي حرمها من إقامة دولة مستقلة في الفترة التي كانت تحصل فيها دول افريقيا على استقلالها في وقت مبكر ، وذلك بسبب جارة قوية.
وكانت اريتريا الواقعة على البحر الأحمر ضحية دورها في الخمسينات والستينات عندما استضافت محطة امريكية عملاقة للتنصت في أسمرة. وكان هوائي قاعدة التجسس في الغابة يلتقط جميع الاتصالات عبر الهاتف والراديو والرسائل البرقية حول افريقيا والشرق الاوسط كما كان يعمل على تيسير الاتصالات بين وزارة الدفاع الامريكية والغواصات النووية في المحيط الهندي والقوات الامريكية في فيتنام. وبسبب تلك الاهمية التي توليها واشنطن القلقة حينئذ من وقوع اريتريا في قبضة النفوذ السوفيتي عملت الولايات المتحدة على وضعها في اتحاد مع اثيوبيا عام 1952م ، وضم الامبراطور الاثيوبي هيلاسيلاسي اريتريا في 1962 مما اثار مقاومة مسلحة انتهت باستقلال اريتريا في 1991م ، والان بعد مرور 15 عاما على التحرير الذي صادف الرابع والعشرين من مايو« الاربعاء الماضي» فان أصغر دولة افريقية مصممة على ألا تصبح مرة اخرى ألعوبة في يد قوة عظمى بعدما كلفها ذلك 70 ألف قتيل في الحرب من أجل ما عرف بالتحرير.ولعل التطور الذى طرأ على مسيرة العلاقات بين الخرطوم واسمرا وتزامن مع احتفالات اريتريا بالاستقلال هو الحدث الابرز هذه الايام بعد ان اتسمت بطابع الأزمة لاوقات ليست بالقصيرة. ودفع التطور فى مسيرة العلاقات بين البلدين بنائب رئيس الجمهورية على عثمان طه وحشد من المسؤولين الامنيين يتقدمهم الفريق صلاح عبدالله رئيس جهاز الامن والمخابرات إلى الجلوس عصر الاربعاء في استاد اسمرا للاحتفال مع الاريتريين بذكري الاستقرار في مؤشر انهى قطيعة امتدت لاحد عشر عاما ، خاصة وان ذات البلد الصغير المغمور دوليا يعتزم لعب دورالوسيط في حل معضلة من الطراز المتوسط يواجهها شرق السودان ولا يمكن باي حال الغاء دوره في حل أزمة دارفور ، خاصة وان قيادات الحركات المسلحة يعتبرون اسمرا العاصمة السياسية ومقرا دائما لهم .وكان لافتا غياب وفود الدول المجاورة من الاحتفال باعياد التحرير الاريترية ولم يحضر سوي الوفد السوداني وهو ما يعكس حالة العزلة التي تعيشها اسمرا ، ولكن يبدو انها لا تأبه اصلا لذلك الوضع ، فالرئيس اسياسي افورقي اتخذ من خطاب الاستقلال منبرا لمهاجمة الولايات المتحدة الامريكية واتهمها صراحة بمساندة اثيوبيا في نزاعها الحدودي ، وما كان من السفير الامريكي الا مغادرة استاد اسمرا تحيطه شعلة من الغضب والحنق.وفي المقابل يبدو ان الحكومة اختارت من الشرق المحطة الاولي لتحريك جمود علاقتها مع اريتريا ونجح نائب رئيس الجمهورية في احداث اختراق لافت بملف التفاوض المعلق منذ شهور مع جبهة الشرق وتوجت الزيارة بالتوقيع على اتفاق مبدئي لانطلاق المحادثات في الثالث عشر من يونيو المقبل في اريتريا برقابة دولية لتكون الاخيرة ذراعا مساعدا، فيما بعد لاعمار المنطقة الشرقية المعروف افتقارها كليا إلى البني التحتية والتنموية.وبحسب متابعات «الصحافة» في اسمرا فان الفريق صلاح عبدالله رئيس جهاز المخابرات والقيادي بالحركة الشعبية اجتمعا إلى قيادات شرق بمقر الحزب الحاكم الاريتري واتفقا على ورقة الاجراءات التمهيدية للمفاوضات ، تبع ذلك مباشرة لقاء على عثمان وابراهيم احمد عمر بمسؤولي جبهة الشرق واكتملت مراسم التوقيع الذي نص على ان تلعب اسمرا دور الوساطة الاساسي ، ويقول عبد الباسط سبدرات وزير ديوان الحكم الاتحادي وابرز مرافقي طه فى تصريحات صحافية باسمرا «بهذا التوقيع فتحنا بابا للحوار وأغلقنا باباً للاحتراب » ، وعبر عن تقدير السودان للدور الذي ظلت تضطلع به اريتريا في معالجة قضية شرق السودان ، وأضاف ان السودان أكثر سعادة بأن تكون هي الوسيط. ولا ترضي المعارضة الاريترية بان تكون اسمرا المقر لحل (أزمة ما) لانها نفسها تعيش في دوامة من المخالفات والانتهاكات المتصلة للحريات وحقوق الانسان كما يقول الصحفي الاريتري المعارض المقيم في الخرطوم جمال همد حين حدثته امس عبر الهاتف ، ان « فاقد الشئ لا يعطيه »، ويشير إلى ان هيئات حقوق الانسان ممثلة في منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ترشح الوضع في اريتريا لمزيد من التفاقم بسبب الانتهاكات المتوالىة لحقوق الانسان وتقييد حرية الصحافة والتعبير، ويؤكد ممارسة نظام افورقي عمليات تجييش مستمرة للطلاب في المرحلة الاعدادية ولمدة ثماني سنوات بنحو اثر سلبا على المشاريع الانتاجية الصغيرة ، ويؤكد ان اريتريا تدخل في عزلة دولية بعد وقف الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة مساعداتهما ، بينما يعاني الوضع الداخلي حالة من الاحتقان ستدخل ـ وفقا لجمال همد ـ بلاده نفقا لا يلوح في اخره اي ضوء .ويمضي ليقول بان المعارضة الاريترية نفسها اثبتت فشلها في الارتقاء إلى المستوي المطلوب ولم تتمكن من اقناع المجتمع الدولي بامكانياتها في اقتلاع نظام افورقي من جذوره .وفي المقابل يري مسؤول رفيع في الحكومة الاريترية الصورة المظلمة التي ترسمها المعارضة موجودة في مخيلتها فقط لاجل المزايدة والصياح الذي تقتضيه متطلبات العداء لاي نظام في الكون ، ويقول المسؤول الذي هاتفته في اسمرا ـ مفضلا حجب هويته ـ احتراما للاعراف التنظيمية التي ترتب مسؤوليات المتحدثين الرسميين ، ان بلاده مؤهلة تماما للعب اي دور يطلب منها في المحيطين الاقليمي والدولي ، ويستدل على مقولته بموافقة السودان على ان تتولي اسمرا الوساطة في قضية الشرق ، رغم ان ليبيا كانت مرشحة بقوة للامساك بالملف ، ولايري ان في ذلك تقليلا من شأن ليبيبا بقدر ما هو تأكيد لدور اريتريا الريادي . ويقول الكاتب والمحلل السياسي خالد التجاني الذي رافق نائب الرئيس في رحلته إلى اسمرا ، ان الزيارة ركزت كليا على تسوية ملف الشرق باعتباره المدخل لحفظ الامن والاستقرار الحدودي بين البلدين ، ويؤكد في حديث مع « الصحافة» عبر الهاتف امس ان التطبيع بين البلدين رهين لحد كبير بازالة التوترات السياسية المرتبطة بدورها بوجود المعارضة ، ويشير إلى ان المعارضة السودانية تنشط بشكل فاعل من اريتريا ولذا لا بد من تسوية كل الانحناءات وصولا لعلاقة مستقيمة ، ويضيف التجاني ان اعطاء اسمرا دورا ملموسا لتولي ملف الشرق يعتبر خطوة مهمة خاصة وانها اقصيت من لعب اي دور في نيفاشا وابوجا برغم صلتها البائنة بالحركات المسلحة في الجنوب والغرب .ويعتقد خالد التجاني ان وصول على عثمان إلى اسمرا احدث اختراقا حقيقيا في ملف الشرق واوجدصدي لدي الاريتريين الذين كانوا يتهامسون بان الخرطوم غير جادة كليا في تطبيع العلاقات ، وينبه إلى ان المحصلة افرزت لاول مرة نتائج عملية من شأنها تسوية الملفات العالقة مع المعارضة الشرقية ومن ثم تمهيد الطريق امام التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين الجارين . ولا شك ان الشهرين القادمين يحملان الكثير من المفاجآت التي تجعل من الموسم الحالى ميقاتا معلوما تشد فيه الرحال إلى اسمرا ويعلن حينها انتفاء القطيعة وعودة المياه إلى مجاريها .