مَنْ يُحَاكِم مَنْ ؟! الجبهة جبهتنا كشعب وكمبادئي والشعبية شعبيتنا كشعب وكمبادئ بقلم / محمد علي موسى
13-Oct-2014
عدوليس ـ ملبورن – بالتعاون مع إذاعة المنتدى
الحرية قيمة سامية ، تستدعي مسؤوليات مماثلة لقيمتها، وهذايتطلب إنتاج مشروع ثقافي نحرز من خلاله التغيير نحو الافضل ، والتصدي لتداعيات ثقافة الإستبداد .مناضلو الحرية عليهم تقييم تجربتهم . الدرس الأول الذي ينبغي الوقوف للإستفادة منه هو أن غالبيتنا نرغب في تحقيق وحدة المقاومة أوبالاحرى كلنا ينادي بذلك ومع هذا لم تتحقق هذه الوحدة. لماذا لم تتحقق؟! في محاولة الإجابة علي ذلك نقول هناك سوء فهم للآليات الموصلة إليها، الوحدة لا تتأتى من خلال التسابق علي مقاعد الرئاسة والإدارة،الوحدة تتأتى من خلال عمل مشترك حقيقي ضد الإستبداد، من خلال خلق مظلة جامعة لقوى المقاومة في أماكن تواجدها، تُقرهذه المظلة بأننا جميعا نسعى بهدف إسقاط النظام الديكتاتوري، والتنظيمات هي منابر تعبر عن التعدد الفكري كما انها آلية لتحقيق هدف إسقاط الدكتاتورية وبناء دولة العدالة تنفذ هذه المظلة برامج مشتركة ضد الإستبداد،عبرتقديم أولوية المصالح المشتركة للتنظيمات والتكوينات
يبدأ هذا العمل النضالي التنسيقي عبر الإتفاق حول برنامج حد أدني، وهذه مسؤولية كل فرد وكل تنظيم، فكل من لا يقوم بخطوات عملية لإقامة هذه المظلة العملية لا الشكلية، لا يحق له الحديث عن غياب العمل التنسيقي والوحدوي الحقيقي للمقاومة .
أن الشر الذي نشب في جسد الشعب الارتري، كان مدخله غياب الحوار وإنتهاج الإقصاء.وأن النظام الذي نسعى لإرساء أركانه ، ينبغي أن تكون غايته إسعاد الإنسان ماديا ومعنويا، وأن مقومات هكذا نظام هي الدولة الديمقراطية ،والتي تؤسس بدورها علي المواطنة، هذه المواطنة التي تَتَبَنى قيم مشتركة .
مدخلنا لهكذا واقع هو الحوار ثم الحوار والفعل المشترك، الحوار بهدف الوصول لمخارج للعجز التشخيصي لدي البعض لواقع ازمتنا،والفعل المشترك كونه صمام الأمان لتحويل ما تم الحوار بشأنه إلي منتج وواقع .فالحقل السياسي لا يحتمل إضفاء المطلقات علي المجال العام ، بل هو مجال للتدافع التنافسي المتكامل بما يخدم مصلحة المواطن، وقبول الآخر كما هو لا كما نحب، لهذا أولويتنا إدارة الحوار بهدف الوصول إلي ما يخدم تقدمنا المشترك بشروطه العلمية الواقعية،
بالإحترام المتبادل وبضرورة الإستماع إلي الرأي الآخر بجلد وصبر وإنفتاح، بحثا عن الحقيقة بهدف تلاقح الافكار، عبر تجنب إستدعاء مثيرات وعناوين أخرى كالقيام بإسقاطات لأحكام وأحداث تاريخية في غير موضعها كأداة هروب عن الفكرة المطروحة.
فعندما تطل فكرة أو رأيا يُذَكِر بمكامن الضعف والكوابح، ويدعو لتجاوز ثقافة الظاهرة الكلامية والسباب والمهاترات،
إلي منهج المجادلة بالحسنى، لإفراز إنتاج علي الارض، هكذا رأي يجابه من البعض بمفردات غدت شائعة، علي سبيل المثال : لا تعطينا دروس، لا تتطاول علينا، خادم النظام، أين كنت؟ ألم تكن مع النظام الإستبدادي، الآن فهمت، ولم صَمَتَ طويلا لتتحدث الآن بعد الإستغناء عن خدماتك !… أنت قزم وخانع كيف تتعالى علينا وتزايد علي وطنيتنا . تعبيرات تكشف عن عجز وضعف حجة، في محاولة منهم لفرض الرأي بالكلام الجارح .
وفي مفارقة مذهلة يصبح المنشق عن النظام بين فكي رَحَى، رحى النظام الدكتاتوري من جهة، ورَحَى من يُفترض أن يكونوا معه في خندق واحد من جهة أخري، وكأن عدو هؤلاء هو من إنشق من النظام وليس النظام نفسه، وكأن عدم تمكن نظام الإستبداد من إغتياله أو إعتقاله أغاظهم ! فيحاولوا أن ينزعوا عن المنشق كل قيمة معنوية ومادية ويحددون له متى وكيف يناضل بدل محاورته وتقريب شقة الخلاف بينهما والتي لها أسباب موضوعية، كما تجدهم يتشفون من إعتقال وإغتيال النظام لبعض من كانوا معه، ويُهَاجم المنشق لإصطفافه ذات يوم مع الطاغية ضمن ظروف وحقائق مغايرة،وكأن الجميع لم يقف حينها ليصفق طويلا ليوم تحرير أرتريا. كذلك محاولة تحميل المنشق وصول الطاغية لمقاليدالامر، وليهاجم في ذات السياق بالخواء والفشل وفاقد القيمة ! وقد لا تطال هكذا هجمة بعض الافراد رغم وجودهم حتي الآن مع النظام بل قد تُخْتَلق لهم قصص بطولية! …هل هكذا حديث يعد حديثا سياسيا ام أنه شيئ لا يمت للسياسة بصلة ؟! . وبغض النظر عن ذلك هل يخدم المقاومة الأرترية ضد الإستبداد ؟! أم مطلقيها لا يعنيهم حقيقة أمر الإستبداد القائم في أرتريا ولهم قضية أخرى؟!
يقال كل ذلك وغيره ويتحول الامر إلي أسقاطات وأحكام نمطية تعميمية جائرة، وإلي مهاترات وسباب لا يستفيد منها إلا مشروع الجهل والإنتصار للأنا بأي ثمن علي حساب الحقيقة. والنتيجة تسمم الأجواء بالأرهاب “الفكري ” وسيادة أزمة أخلاق فكرية وسياسية، هي الوجه الآخر لما هو سائد في ارتريا. ومن هكذا حال يستحيل تصور إمكانية تغيير واقع مماثل قائم في بلادنا،إلا إذا كانت الغاية تغيير أشخاص لا مفاهيم، وحتى هذا إمكانية تحقيقه غير واردة في ظل هكذا ثقافة .مثل هذا الواقع لا ريب أنه بحاجة الي ثورة ثقافية للتغير قبل التفكير في أي شيئ آخر .
وهنا سنتطرق علي عجل وعلي مضض، في نقطة تجنبنا الحديث عنها كثيرا، ليس لأننا لا نملك ما نقول ، بل لأننا آثرنا الصمت ضمن رؤية الأولويات، وهذه النقطة هي مَنْ يُحَاكِم مَنْ ؟! أن إنشقاق البعض عن جبهة التحرير في مطلع السبعينيات، لم يكن ترفا بل كان علي خلفية إقصاء ومظالم قاسية ودامية بين المسلمين أساسا، ثم أسس الطرف المنشق إطارا تنظيميا في ظروف قاهرة ومريرة، سلاح العدو من أمامه وسلاح الأخ العدو في ظهره، حيث أُتُخِذَ بشأنهم في مؤتمر الجبهة الأول قرار صريح بتصفيتهم جسديا والتفاوض مع إسياس، فهؤلاء لم ينشقوا من الجبهة لمناصرة إسياس بل إسياس جاءهم للإستفادة منهم، المصير المشترك بالموت الذي سلط عليهم من الجبهة هو الذي جمعهم، ثم قدموا تضحيات جسيمة وكبيرة لتحرير الارض الارترية شبرا شبرا. ولعوامل حقيقية عديدة يعلمها كل متابع منصف، ويتجنبها الكثيرون مكابرة،أدت إلي سيادة ثمة لونية ثقافية بعينها علي أخرى،
مثلما سادت كذلك في الجبهة، والمجال هنا لا يتسع للإسهاب، فضلا عن تبني البعض سياسة إحتجاز وإعتقال قطاعات معينة من الثقافة الاخرى وحرمانها من المشاركة.عقب التحرير حدث إنقلاب علي المسار المعلن للتنظيم ،وهذا ليس امرا نشازا بل هو أمر تتعرض له كل التنظيمات السياسية، علي خلفية هذا الإنقلاب إنقسم هذا البعض إلي من يجاري الإنقلاب وإلي من ضحى بحياته في صورة إفتداء نادر للقيم الإنسانية، مقدمين بذلك التضحية لتحرير الأرض ماضيا ثم التضحية لتحرير الإنسان في الحاضر . لهذا نقول مَنْ يُحَاكِم مَنْ ؟! . دعونا نبحث سويا نحن الشعب العام والذين كنا دوما وقود النجاحات والإخفاقات عن حلول واقعية لحاضرنا ومستقبلنا الجمعي بعقل منفتح وبتجفيف المستنقعات وبسط حبل التكاتف،والتغيير في الأفكار والقناعات والممارسات العملية بعيدا عن الأنانية، وبعيدا عن حكاوي الدس السياسي التي أشيعت لتفريقنا من هنا وهناك، والحديث مع بعضنا بدل الحديث عن بعضنا البعض وتسجيل المواقف وتصيد أخطاء بعضنا، وضرورة النأي عن التقاعس وملامة الآخرالبعيد عنا والقريب. والإنكفاء لمعالجة عيوبنا، بعيدا عن الإصطفاف علي خلفية من قتل الحُسين،علينا لملمة جراحنا التي توغلت فينا جميعا وصرعتنا سويا .فالآليات التنظيمية التي إستخدمناها لتحرير إرتريا هي وسائل وليست غايات، ومحاولة إلباسها لبوس إجتماعية ثابته ليس واقعيا ولا يصب في مصلحة الجميع،قطعا ذاك الجميع الحريص علي بناء مستقبل مشرق لإرتريا ، فنحن كشعب أرتري، الجبهة جبهتنا كشعب وكمبادئي والشعبية شعبيتنا كشعب وكمبادئ .