هل وصف الفاشية ينطبق علي نظام أسياس؟ : محمد نور أحمد*
3-Dec-2007
المركز
يصف بعض كتاب المواقع الألكترونية الأرتريين النظام السياسي في أرتريا بالفاشية، هل تنطبق هذه الصفة فعليا علي نظام أسياس؟ قبل المحاولة للأجابة علي هذا السؤال دعونا نعرف مصطلح كلمة فاشي، فهي تطلق علي حزمة من الخشب مشدودة علي بعضها بحبل وملتصق بفأس، كانت ترمز الي القوة والسلطة المطلقة لمجلس روما الذي كان ينتخب مرة كل عام لإدارة البلاد قبل أن تتحول الي أمبراطورية،
ومن المهم أن نبحث عن العناصر التي تضمنتها الفلسفة الفاشية منذ أن أتخذها موسيليني نهجاً لسياسته منذ عام 1923 وأطلق اسمها علي حزبه منذ عام 1922، وقد طبق لاحقاً وصف الفاشية علي نظم سياسية أخري وحكام من أمثال هتلر (ألمانيا) وفرانكو (أسبانيا) وسالازار (البرتقال) وبيرون (الأرجنتين) وكان هدف موسليني من اطلاق أسم “الفاشي” علي حزبه تذكير الايطاليين بعظمة تأريخهم والايحاء بتفوقهم كأمة للألتفاف حول حزبه الذي سيعيد مجد ذلك التأريخ، ثمة نزعة في أوساط اليسار للدفع بالفاشية من يتعاطا مع أفكار اليمين، لأن الفاشية في الحقيقة لم تفرز كاتباً نظرياً كبيراً أو مفكراً يضع الأسس الواضحة لفلسفتها علي النحو الذي قام به كارل ماركس بالنسبة للشيوعية، التي تمثل أحدي الفلسفات المعاصرة والمجسدة في أحزاب وأنظمة سياسية بغض النظر عما حدث من خفوت كبير في وهجها وضمور في تطبيقاتها منذ “بروسترويكا” غورباتشوف في 1989. ولم يبذل موسليني أي جهد لتطوير نظرية الفاشية قبل عام 1923 لإنشغاله بالوصول الي السلطة، لكنه منذ ذلك التأريخ (1923) حاول اعطائها مضموناً يدل عليها وقد لوحظ ذلك في التطبيقات التي تضمنت العناصر التالية:ـ أـ الوطنية المتطرفة، وقد ظهر ذلك جلياً في التأكيد علي عظمة الدولة، وهيلمانها وتفوق الأمة الايطالية علي غيرها من الأمم. ب ـ شمولية النظام السياسي، وسيطرة الحكومة بشكل كامل علي كافة مناشط الدولة، والهيمنة علي حركة المجتمع الي أقصي حد ممكن عبر صيغ تنظيمية تحقق هذا الهدف، وقد كان ذلك من الأهمية بمكان لتحقيق سطوة الدولة وهيبتها أكثر من المصالح الفردية للشعب. ج ـ فرض نظام الحزب الواحد في الدولة، إذ لم يكن هناك مكان للديمقراطية وفق النظرة الفاشية، وكان أعضاء الحزب من بين النخبة في البلاد، وقد تم التركيز علي عبادة الفرد بترويج تعابير “القائد” و “البطل” وكلمة “دوتشي” التي كانت تطلق علي موسليني تعني القائد، واستخدام الخطب الحماسية للتأثير علي عواطف الجماهير من اجل استمالتها والحصول علي تأييدها والدعاية المستمرة للحزب والقائد والنظام وكانت تتسم بالمهارة. د ـ انتهاج فلسفة الإعتماد علي الذات في الاقتصاد، فقد كان من الضروري أن تقوم الحكومة بنفسها بأدارة الحياة الاقتصادية في البلاد وأن بأسلوب مختلف عن الطريقة الماركسية حيث تتملك الدولة مصادر الانتاج من أرض ومصانع، لأن ذلك يصب في دعم فكرة عظمة الدولة. ه ـ القوة العسكرية والعنف، كانت القوة العسكرية والعنف جزء لايتجزأ من نهج الحياة في دولة موسليني، وقد صرح هو نفسه ” أن السلام أمر غامض” والفاشية لاتؤمن به، لهذا كان الفاشيون الأيطاليون يؤكدون دوماً أنهم أستولوا علي السلطة عن طريق الثورة، للأيحاء بأن ذلك حق أكتسبوه بالقوة ولا يمكن التنازل عنه، وقد أستخدم نظام موسليني الفاشي العنف ضد الخصوم ومن تجرأ علي نقد نظامه كما أتبع النهج العدواني في السياسة الخارجية. هذه بإختصار ملامح الفاشية كما جاءت في كتابات أروبية من بينها كتاب MASTERING MODEREN HISTORY فأين تلتقي مع نظام أسياس أو لا تلتقي معه أصلاً فتؤكد التهمة الموجهة اليه أو تبرئه منها. اذا نظرنا الي العنصرالأول وهو الوطنية المتطرفة والتأكيد علي التفوق وعظمة الدولة، فأن خطب أسياس ومقابلاته الاذاعية والتلفزيونية والتكرار الممل بمناسبة ودون مناسبة للأنتصارات العسكرية للجيش الشعبي وأستعراضاته في المناسبات الوطنية بما لايتفق وحقيقة قدراته ليست بعيدة عنه. أما العنصر الثاني وهو شمولية النظام وهيمنة الدولة علي كافة مناحي الحياة في المجتمع، فلا يبدو لنا أي اختلاف بين النظامين، فضلاً عن تماثلهما في إنفراد الحزب الواحد بالحياة السياسية في البلاد، فحزب الجبهة الشعبية للاديمقراطية واللاعدالة وحده يتربع علي سدة الحكم وبالقوة، كما كان يفعل حزب موسليني الفاشي، والنخبة العسكرية، الي جانب عدد محدود ممن يمكن أن نطلق عليهم تجاوزاً نخبة سياسية، هم المتحكمون في الحياة السياسية والدعاية المكثفة من أجل تكريس عبادة الفرد تجري علي قدم وساق في كافة وسائل الاعلام وجميعها تملكها الحكومة، فأسياس هو بطل التحرير والقائد الفذ والمخلص والناكر لذاته الي آخر الصفات التي من شأنها أشاعة الوهج الزائف حوله، وأضيف الي ذلك أخيراً كما ظهر في صفحة الزوار في موقع “عونا” بأنه يحب المسلمين، أما سبب حبه هذا فكاتب الأسطر وحده يعلم به، لكن المعروف عن أسياس أنه لايحب أحد فهو متيم بنفسه وهو أكثر من في السلطة كرهاً للمسلمين الأرتريين وقد عبر عن ذلك بحرمانهم من لغة ثقافتهم ودينهم عندما حكم علي أطفالهم بالأمية بفرض ماأصطلح عليه “لغة الأم” كلغة تعليم في مرحلة الأساس بدلاً من اللغة العربية التي كانوا يدرسون بها حتي عام 1995. الأمر الذي أدي الي هبوط مستوي النجاح في مدارسهم والاقبال علي التسجيل في هذه المدارس بشكل مريع، كما حرم ابناءهم الخريجين في الجامعات العربية من العمل في الأجهزة الادارية لجهلهم لغة التجرينية، لغة الأمر الواقع الرسمية، ويشكل هؤلاء 90% من الخريجين المسلمين عموماً، وأسياس أفورقي هو الذي رفض أن تكون اللغتين العربية والتجرينية لغتين رسميتين للبلاد، عندما عرضت عليه مفوضية الدستور المسودة، وكان بمعيته عبدالله جابر، وهو يطلب من وفد المفوضية شطب النص القائل برسمية اللغتين وابداله بتساوي كافة اللغات الأرترية، بزعم أن وجود لغة رسمية يعوق عملية تطوير وتطور اللغات الأخري، وتلك حجة مردودة. لكني واثق من عدم تأثير مثل هذه الكتابات الهايفة علي القارئ الأرتري الواعي. ان مايحز في نفسي فقط هو أن ينجر مثقف ومناضل مثل محمد سعيد ناود الي مثل هذه الترهات، حينما يذكر في كتابه الأخير( شخصيات ورموز إرترية ) إصدار الناشر : ناود للكتاب، الطبعة الأولي 2007 أن الشيخ علي بيتاي قال له في زياراته لتنظيم قوات التحرير الشعبية الذي كان يقوده ناود وسبي في منطقة حشنيت داخل الأراضي السودانية ص 97 ” عليكم بأخيكم إسياس، فهو أخوكم، وأنا رغم عدم لقائي به، إلا أنني والله أحبه! وظل يردد كلمة والله أنا احبه. ولم يذكر لنا السيد ناود عن مبعث حب علي بيتاي لاسياس رغم أنه لم يقابله وحتي لو سمع الشيخ عن اسياس فان ذلك لايكفي لهذا الحب المؤكد عليه بالقسم ( للعلم ان الشيخ علي بيتاي ينتمي الي فرع الدميلاب من قبيلة الهدندوا في شرق السودان ومن قرية همشكوريب ). هناك ايضاً وجه شبه في فلسفة الاعتماد علي الذات في إدارة اقتصاد الدولة. أما عسكرة الدولة واستخدام العنف ضد الخصوم أياً كانت درجة خصومتهم واتباع النهج العدواني في السياسة الخارجية، فالتطابق يكاد يكون تاماً وتكفي الاشارة الي أن البلاد تحولت الي سجن كبير وحصد الرصاص أعداداً كبيرة من الشباب من مذبحة معوقي حرب التحرير وعدي أبيتو وويعا، وفي معسكرات التدريب، وساحات القتال بحجة الهروب من آداء الخدمة العسكرية الالزامية ذات الطبيعة العبودية، والحروب ضد الجيران، من حنيش فبادمي فهمشكوريب. من هنا نجزم القول بأن ثمة تطابق بين نظام أسياس ونظام موسليني لذلك لم يتجن من وصف نظام اسياس بالنظام الفاشي. لقد أمضي موسليني في السلطة 23 عام، من أكتوبر 1922 وحتي أبريل 1945 حينما وقع في يد خصومه وهو هارب، فحكموا عليه بالاعدام رميا بالرصاص، ومضي الآن علي حكم اسياس 16 عام، منذ مايو 1991 فمتي ياتري سيلقي مصيره هو الآخر؟ وكيف؟ تعتمد الاجابة علي هذا السؤال علي مقدرة المعارضة المتعثرة حتي الآن في إقامة وعاء يصهر جماهير الشعب الارتري بمختلف انتماءاتها الثقافية والروحية ويحركها في ابتكار الوسيلة الفاعلة التي تقتلع نظام أسياس من جذوره، وذلك بالتأكيد يتطلب تقديم مصلحة الشعب علي المصالح التنظيمية الضيقة، ونكران القيادات لذاتها، والخروج عن الطريق التقليدي التي درجت عليه في معارضتها للنظام واستيعاب الواقع الأرتري بمكوناته المتعددة والمتغيرات الدولية والأقليمية وابتكار الطرق ووسائل التغييرالتي تنسجم معه، حينئذ وحينئذ فقط ستكون هذه المعارضة، وأنا واحد منها شخصاً وتنظيماً، قادرة علي قيادة الشعب الأرتري، نحو البديل الديمقراطي أو يقدم اسياس تنازلا ويقبل بالتحول نحو الديمقراطية وهذا وان لم يكن مستحيلاً، فهو غير منظور ولا يتم من أجل سواد عيون المعارضة الضعيفة والشعب المغلوب علي أمره، وليست ثمة سوابق من هذا في تأريخ الدكتاتوريات. * ملبورن ـ أوستراليا