هل يستطيع نظام أفورقي بناءعلاقات إيجابية مع القوى السياسيةالسودانية ..؟…بقلم : إبراهيم فــار
11-Jul-2005
فار
بعيداٌ عن المفردات الإحتفالية التي تقال من أعلى المنابر الإحتفالية على شاكلة (أن الشعبين الإريتري والسوداني تربطهما علاقة الدم والتاريخ والمصير المشترك و..) ومع إعترافنا بهذه الحقائق ، علينا أن نضع في الإعتبار المتغيرات التاريخية وبمجل عواملها الإقتصادية والسياسية فما كان يصح أن يكون عماد علاقة في الماضي لايمكن أن يكون صالحا لبناء علاقات في الحاضر ، لأن علاقات اليوم تطغي عليها المصالح ، هذه المصالح التي تأخذ في الإعتبار القيم الأخلاقية وتعترف بكينونة كل طرف في تعامله مع الآخر، مماجعل الناس يطلقون عليها ، المصالح والعلاقات المشروعة ، ومشروعيتها تنبع من نظرة كل طرف للطرف الآخر وموقع كل طرف من المنظومة العالمية السائدة .
ضمن هذه المقدمة البسيطة نأتي الى طبيعة العلاقة بين نظام أفورقي الحاكم في إريتريا ومجمل القوى السياسية السودانية (حكومة ـ معارضة)فمن خلال إعطاء خلفية عن موقف القوى السياسية السودانية من القضية الإريترية نجدهابانها كانت على علم ودراية بقضية الشعب الإريتري ، وكانت تتعاطى معها على ضوء مصالحها الأمنية إذا كانت في سدة الحكم ومصالحها السياسية إذا كانت في صف المعارضة ، وبالمقابل كانت الثورة الإريترية تسلك سيرورتها التاريخية مدا وجذرا ، ومن ضمن هذه السيرورة برزت تيارات سياسية في الساحة الإريترية تحمل مسميات تنظيمية، وسعت هذه التنظيمات لبناء علاقات مع القوى السياسية السودانية يسارا ويمينا ووسطا ، وبالمقابل تفاوتت درجة تعاطي القوى السياسية السودانية مع التنظيمات الإريترية ، وكانت أكثر الأحزاب السودانية إهتمامابالقضية الإريترية هي الأجزاب الأيدلوجية (إسلامية ـ يسارية) وضمن هذه السيرورة جاءت فترة منتصف الثمانينات التي أطلق عليها في السودان فترة الإنتفاضة أو فترة الديمقراطية الثانية وبالمقابل إنفردت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بالساحة الإريترية وأصبحت لها اليد الطولى في ترتيب الأوضاع عسكريا وسياسيا مع ضعف التنظيمات الإريترية الأخرى التي إنكفأت على ذاتها ، وهنا شكلت القضية الإريترية حضورا فاعلا في الشارع السوداني ، وفي ظل هذه الأوضاع جاءت إحتفالات اليوبيل الفضي للثورة الإريترية سيتمبر (1986م) وإنهمرت الدعوات من قبل الجبهة الشعبية للقوى السياسية السودانية وإتجهت صوب مكان الإحتفال ، والغريب في الأمر أن مكان الإحتفال (عريرب) هو داخل الأراضي السودانية، لكن القوى السياسيةالسودانية كانت تعتقد بأنها داخل الأراضي الإريترية ، لأن بعض المدعوين كانت نهاية الحدود السودانية عنده تنتهي بطوكر ، وهذا يطول شرحه ، ولأن البعض يقول ليس بين نظام أفورقي والسودان نزاع حدودي ، لكن ليعلم الجميع بأن هذا الأمر لايحسم في (الغرف الديوانية) بل يشاهد على أرض الواقع إنسانا وعلى طبيعة الأرض وتصور الأطراف لخارطة المنطقة الجيواستراتيجية . وفور عودة وفود القوى السياسية السودانية، منها من رجع بإنطباعات سطحية معجبا بمصانع الشدة (الأحذية) ومستشفى عريرب وتناكر الجاز والبنزين التي كانت تشاهد من قبل المدعوين في الطريق، وهناك من رجع من الوفود وأخذ يحلل نتائج الزيارة من منطلقات إستراتيجية ، وللحقيقة والتاريخ كانت أكثر القوى السياسية تحليلا لهذه الوقائع هي الجبهة الإسلامية القومية السودانية والحزب الشيوعي السوداني ، أما باقي القوى السياسية إكتفت بكتابة إنطباعاتها الإنبهارية في الصحف ، وبالمقابل لم تغيب التنظيمات السياسية الإريترية عن الساحة السودانية ، بل كانت أكثر وجودا وهذا مايؤكد بأنه كل ما كان الوضع السياسي السوداني ديمقراطيا وأكثرإتفتاحا ،كلما وجدت القوى السياسية الإريترية مساحة للتحرك في الشارع السياسي السوداني لصالح قضاياها الوطنية ويتراجع دور الجبهة الشعبية الإريترية في ظل هذا الإنفتاح مما يؤكد الطبيعة الإنعزالية والإصطياد في المياه العكرة ، فما من جريمة إغتيال أرتكبت للقيادات الإريترية في كسلا والخرطوم أو قرورة ومعسكرات اللآجئين وأصابع الإتهام تشير فيها الى الجبهة الشعبية ،وما من ندوة أو معرض ثقافي إريتري أقيم في المدن السودانية إلاٌ وغابت عنه الجبهة الشعبية . في ظل هذه الأوضاع ماكان من القوى السياسية السودانية الفاعلة إلاٌ وأن تتبع مسار الثورة الإريترية وطبيعة قواها السياسية ، ومن هذا المنطلق جاء تواصل القوى السياسية السودانية مع القوى السياسية الإريترية الأخرى خلاف الجبهة الشعبية ، وكذلك توطدت علاقات بعض الأحزاب السياسية السودانية بالجبهة الشعبية ، وفي ظل هذه الأوضاع شهدت العاصمة السودانية أحداث تهم الواقع الإريتري وبدورها شغلت حيزا في دهاليز السياسة السودانية ، ففي هذه الفترة بدأت تنبعث مبادرات غربية لحل القضية الإريترية ، وكذلك جاءت مبادرة حكومة السيد الصادق المهدي لحل القضية الإريترية ، هذه المبادرة التي رفضت من الجبهة الشعبية وتوجت هذه المبادرة بلقاء صنعاء بين فصائل الثورة الإريترية ووفد حكومة منغستو في نهاية الثمانينات عدا الجبهة الشعبية ، ولكن قبل أن ترى هذه المبادرة النور جاء ت ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو1989م وبدأت تمد جسور العلاقة مع الجبهة الشعبية حتى توجت هذه العلاقة بإستقلال إريتريا ، ممادفعها الى رفع مرتبة التعاون بينهما ، بحيث قام كل طرف بمساعدة الطرف الآخر في قمع معارضيه، بل ووصل الأمر لمرحلة التنسيق العسكري، كما حدث في معارك الكرمك وقيسان ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان . ووجدت الجبهة الشعبية فرصة ذهبية لإختطاف وإغتيال معارضيها في السودان ، لكن لم تدم هذه العلاقة طويلا لإختلاف القراءات للمآلات عند كل طرف ، كما أن الخنق الدولي ضد الإنقاذ أخذ مداه وأصبح أسياس أفورقي أحد سماسرة هذا الخنق وبدأ يقوم بمعادات الإنقاذ وكالة عن الآخرين ، هذه الظروف التي أوجدت المعارضة السودانية في العاصمة أسمرا وأخذت نشوة أسياس ومعاونيه تغيب عنهم طبيعة القوى السياسية السودانية ، فمن طبائع هذه القوى السياسية أنها لايمكن أن تكون أداة تدمير لوطنها ، لكن يمكن أن تكون أدوات ضغط على نظامها حتى يستجيب لمطالبها ، وهذا ماأكدته الأحداث منذ نهاية التسعينات ، حيث إقتنعت كل القوى السياسية السودانية حكومة ومعارضة بضرورة الحل السلمي ، بل وقطعت شوطا حتىوصلت الى (نيفاشاـ القاهرة ـ أبوجا )في ظل هذه الوقائع أخذت حكومة أفورقي تعتقد وتتوهم بأنها صاحبت فضل على المعارضة السودانية وأنها ستكسب أصدقاء في الخرطوم في هذه المصالحة الوطنية السودانية ، لكن بالمقابل غاب على هذه السلطة (سلطة أفورقي) طبيعة السودان وقواه السياسية وكذلك عابت عنها المتغيرات الدولية والمحلية ، فمن المستحيل أن تكون هناك حوجة للقوى السياسية السودانية لنظام افورقي في ظل هذه المتغيرات لإختلاف نهج كل طرف ، فالقوى السياسية السودانية تؤمن بالديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان ، وهذه القيم لم تعد اليوم قيم محلية بل هي قيم إنسانية عالمية تلتزم بها كل قوى سياسية سواء كان في بلدانها اأو في محيطها الإقليمي وكذلك العالمي ، كما أنه لايمكن أن تسمح هذه القوى السودانية أن تجعل من أسمرا مركز توجيهها (بالريموت كونترول) لتنفيذ سياساتها الحزبية في الخرطوم ، علية الأيام حبلى بالتوقعات والخاسر الوحيد في اللعبة أسياس أفورقي ، لأن هذه الأحزاب بمافيها الحركة الشعبية لتحرير السودان تعي تمامامعطيات الواقع السوداني والإريتري ولها مراراتها الخاصة من قبل نظام أفورقي ونهجه الذي لايمكن أن تلتقي معه ، فأضعف الإيمان أن تكتفي هذه القوى بالصمت ، ولكن إذا حاول نظام أفورقي أن ينصب نفسه وصيا عليها فستقول كلمتها وتنحاز وقتها وبلا أدنى شك لصالح الحق الإريتري والمتمثل في مطالبتها بنشرقيم الحرية والديمقراطية في منطقة القرن الأفريقي وبالتالي يكون الخسران من نصيب نظام أفورقي .من هذا المنطلق هل من الممكن أن تتفهم القوى السياسية السودانية الواقع السياسي الإريتري (حكومة ومعارضة) وهل تستطيع القوى السياسية الإريترية المعارضة كسب القوى السياسية السودانية (خكومة ومعارضة)لصالح قضاياها الوطنية وشرعيتها في معارضة نظام أسياس افورقي ، الأيام القادمة وأحداثها كفيلة بالرد علىالتساؤلات .