وداعا.. المناضل كيكيا !!. بقلم/ صالح م تيدروس
20-Jan-2017
عدوليس ـ ملبورن
في الثاني عشر من يناير الجاري فقدت اريتريا واحدا من ابناءها البررة واحد الرموز الوطنية الشامخة وهو الشهيد العم حسن احمد كيكيا رحمه الله رحمة واسعة وادخله فسيح جناته. كان الشيخ حسن كيكيا مثالا ونموذجا رائعا للرأسمالية الوطنية الارترية فهو من تلك الطينة التي تربت وترعرعت على عشق الوطن وظلت وفية للأرض والشعب طوال حياتها وحتى الرمق الاخير. فالمناضل كيكيا له اسهامات كبيرة في القضية الوطنية قبل وبعد الاستقلال لا ينكرها الا جاحد ولا يتجاوزها الا منافق. ويُحسب له انه كرس امواله وممتلكاته في خدمة الثورة الاريترية ودعم المجهود
الوطني بل وكان قدوة ومعلما يشجع اصحاب الاموال الارتريين للتبرع لصالح الثورة الاريترية ويكرس الثقة في نفوسهم ويؤكد لهم بأن الاموال لا معنى لها في غياب الوطن وان افضل الاستثمارات هي التي توجه نحو الوطن.
فهو اي الشهيد كيكيا تصدر قائمة المساهمين لدعم الجيش الشعبي لتحرير اريتريا في معارك التحرير التي خيضت بعد عملية تدمير “نادو از” وتحرير افعبت واصبح احد المحركين الاساسيين للجنة الاستنفار الشعبي في العاصمة السودانية الخرطوم والتي جمعت اموالا طائلة لصالح الجيش الشعبي سُلمت الى مكتب الجبهة الشعبية في الخرطوم. الى جانب ذلك كان يُسخر سياراته الخاصة والتابعة لشركة (عيوشة) لنقل المسافرين من والى الميدان من الصحفيين الاجانب الذين يودون زيارة الساحة الاريترية.
وبعد الاستقلال عاد الشيخ حسن كيكيا الى العاصمة اسمرا وواصل نضالاته من اجل بناء الوطن الذي دمرته حرب الثلاثين عاما. اذكر انه في العام 1991 وبعد نحو ثلاثة شهور على التحرير عاد الى اريتريا العديد من اصحاب رؤوس الاموال الاريتريين من دول الشرق الاوسط واروبا واميركا بغرض ايجاد فرص للاستثمار في الوطن الوليد. وقد وجدها المناضل حسن كيكيا فرصة ذهبية حيث دعاهم لاجتماع في قاعة سينما كابتول فاكتظت القاعة بالحضور وهم لا يعلمون الهدف من ذلك الاجتماع. صعد المناضل حسن كيكيا الى المنصة وبرفقتة مقاتل معوق فقد احد ساقيه في معارك التحرير ، حيث قال مخاطبا الحضور: “اعرف اننا جميعا عدنا الى الوطن من اجل استعادة ممتلكاتنا والبحث عن فرص للاستثمار وهذا حق طبيعي لكل منا ولكن يجب ان نستدرك بان هذا الحرية التي ننعم بها الآن وفرص الاستثمار التي نحلم بها ما كانت لتأتي لولا الشهداء الذين قدموا ارواحهم والمعوقين الذين فقدوا اجزاء من اجسادهم مثل هذا المقاتل الي يجلس بجانبي ولذا فاني دعوتكم لهذا الاجتماع من اجل التبرع لصالح هولاء المعوقين وسأبدا بنفسي واعلن تبرعي بـ100 الف (بر) ـ العملة الإثيوبية التي كانت متداولة حينها ـ لصالح المعوقين”. ضجت القاعة بالتصفيق الحار وتتالت التبرعات من الحضور ليكون الشيخ حسن كيكيا اول من بادر لاعادة تأهيل المعوقين بعد التحرير حتى قبل ان تفكر الحكومة الاريترية في مشروع من هذا القبيل بل لم تفكر فيه اطلاقا بدليل اطلاق النار عليهم وقتل وجرح واعتقال العديد منهم فيما بعد ( احداث منطقة منطقة ماي حبار في العام 1993).
في المجال السياسي ايضا كان للشهيد حسن كيكيا حضورا فاعلا ومشاركة عملية من خلال تقديم المشورة والنصح والارشاد لمن يقابلهم من مسئولين ووزراء ولا يتردد اطلاقا في اعلان رأيه اذا لاحظ اعوجاجا في مسيرة الدولة الوليدة. انطلاقا من هذه الغيرة الوطنية كانت مبادرته مع مجموعة من زملاءه من اعيان العاصمة اسمرا لاصلاح ذات البين وحل الخلاف الذي نشأة بين قيادات الجبهة الشعبية في العام 2001 اي ما عُرف بقضية مجموعة الـ15 عن طريق الحوار والتفاهم. ولكن اسياس افورقي الذي لا يؤمن بلغة الحوار اعتبر تلك المبادرة نوعا من التدخل في شئون لا تعنيهم واستفزازا شخصيا بالنسبة له حيث اصدر اوامره باعتقال المناضل كيكيا وزملاءه ليقبعو في المعتقل بضع سنوات دون توجيه تهمة محددة لهم.
عندما تزعم المناضل حسن كيكيا تلك المبادرة الحسنة لم يكن من فراغ ولم تكن تلك سابقة في تاريخ الشعب الارتري، فالاعيان كانوا دوما ومنذ فجر تَشكُل المجتمع الاريتري السباقون في تكريس مبادئ الحوار والتفاهم لحل المعضلات والتناقضات ، ويكفي هنا الاشارة الي تلك المبادرة التي قام بها الاعيان الذين يمثلون الشعب في العام 1975 عندما تدخلوا واوقفوا الحرب الاهلية بين جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية في منطقة “زاقر”.
ورغم معرفته بمخاطر ذلك لم يتردد الشهيد كيكيا في انتقاد سياسات الحكومة وممارساتها في مختلف المجالات حيث تعرض للاعتقال والتهديد اكثر من مرة وظل صامدا صابرا امام التضييق الذي تعرض له طيلة السنوات الماضية ولم يفكر اطلاقا في مغادرة الوطن كما فعل اقرانه من ذوي الرأسمال الذين تركوا البلاد وهاجروا بانفسهم واموالهم الى الدول المجاورة.
تغمده الله بواسع رحمته وحسن العزاء لاسرته واحباءه وعامة الشعب الاريتري.