مقالات

وفد “المجلس الوطني الاريتري” في أديس أبابا.. في ظل تحولات في المنطقة.

زيارة وفد المجلس الوطني الإرتري لأديس أبابا
تحليل سياسي في ضوء التحولات الإقليمية في القرن الأفريقي


إعداد: صابر رباط (أبو فيصل)


المقدمة:
في ظل تعقيدات المشهد الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، جاءت زيارة وفد المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع يوليو 2025 لتطرح جملة من الأسئلة حول موقع ودور المعارضة الإرترية في الترتيبات الإقليمية الجديدة. وبين الترحيب الحذر والرفض القاطع، تباينت القراءات لهذه الزيارة، في وقتٍ تشهد فيه منطقة القرن الافريقي، وبالذات دول البحر الأحمر تطورات ممكن أن تفضي إلى تحولات استراتيجية عميقة.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل أبعاد الزيارة، وتفكيك مضامينها، واستشراف آثارها على مستقبل العمل المعارض الإرتري.


أولًا: خلفية الزيارة ومساراتها
رغم الإعلان بأن الزيارة تمت “بدعوة رسمية من الحكومة الإثيوبية”، فإن مصادر متعددة أكدت أن المبادرة جاءت من قيادة المكتب التنفيذي للمجلس الوطني، وبترتيب مباشر مع شخصية إرترية معروفة، ما يُلقي بظلال من الشك على الطابع الرسمي للزيارة. كما أن محاولة تقديم هذه الزيارة باعتبارها “الزيارة الأولى من نوعها” يتناقض مع تاريخ من اللقاءات غير المعلنة بين أطراف إرترية معارضة وجهات إثيوبية في السنوات الماضية، مما يوحي بأن الزيارة تأتي في إطار محاولة تسويق سياسي أكثر من كونها تحول نوعي في العلاقات.


ثانيًا: إعادة تنظيم الداخل المعارض وفق الترتيب الإقليمي
من أبرز مخرجات الزيارة طرح فكرة عودة التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر إلى المجلس الوطني. وفي الوقت الذي تبدو فيه الفكرة أو المحاولة طبيعية ضمن سياق إعادة لم شمل أطراف المعارضة ضمنهدف “وطني” أيضًا، إلا أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أنها جاءت ضمن توصيات إثيوبية مباشرة، وليس تلبية لحوار داخلي حر يهدف إلى رص الصف المعارض لتعزيز القوة والقدرة لتحقيق أهداف المجلس المنشودة في التغيير الديمقراطي. حيث أن ما تم من استدعاء لأحد قيادات التنظيم العفري من السويد إلى أديس أبابا بالتزامن مع زيارة الوفد، يكشف عن تنسيق متقدم يهدف إلى إعادة تشكيل المجلس الوطني بما يخدم تصورًا سياسيًا يخدم مصالح وترتيبات إقليمية وليس رؤية وطنية خالصة.


ثالثًا: البعد الإقليمي للزيارة “مشروع البحر الأحمر”
التحليل السياسي للزيارة يجب أن ينطلق من أرضية الإرهاصات لتطورات الصراع الخطير الجاري بين أطراف المنطقة والذي يمكن أن تفضي مآلاتها إلى تغيرات وتحولات كبرى لا تحمد عقباها في منطقة البحر الأحمر، حيث تسعى الحكومة الإثيوبية إلى تأمين منفذ بحري استراتيجي بأي وسيلة، يتيح لها التفاعل المباشر مع الأسواق العالمية بعيدًا عن العقبات الجغرافية التي تحيط بها. وفي هذا السياق، تبدو المعارضة الإرترية وسيلة مثالية أو مطية سهلة لتوفير غطاء سياسي – (حصان طروادة) – لأي ترتيبات مستقبلية تتعلق بميناء عصب أو غيره خاصة إذا قدّمت نفسها باعتبارها “الممثل الشرعي الوطني”، رغم غياب التأثير الميداني الحقيقي لبعض مكوناته، وعدم اشتماله لكافة قوى المعارضة الارترية.


رابعًا: أزمة المؤسسية داخل المجلس الوطني
الزيارة كشفت عن جملة من الإشكالات البنيوية داخل المجلس الوطني، أبرزها:
• اتخاذ قرارات استراتيجية دون الرجوع إلى الهياكل التنظيمية للمجلس كاملة.
• تغييب أطراف فاعلة من المشاورات، مما أضعف التماسك الداخلي.
• غياب رؤية واضحة لإدارة العلاقات الإقليمية، وفق المصلحة الوطنية، ما يجعل المجلس عرضة للضغوط الخارجية.
في هذا السياق، يُطرح تساؤل مشروع: هل كانت قضايا السيادة الوطنية، خاصة موضوع الحدود المعترف بها دوليًا، حاضرة ضمن مذكرة أو خطاب وفد المجلس الوطني؟ وهل يكفي أن يطلب المجلس من إثيوبيا أن تعترف بذلك؟ علما بأن الشعب الإرتري لن  يقبل مواقف مبهمة، خاصة بعد تجربة العمل السابقة للمعارضة وما انتهت اليه، بل ينتظر خطابًا وموقفا واضحًا من قوى المعارضة يضمن لها عدم المساس بالمصلحة الاريترية العليا، على قاعدة تفاهمات متبادلة تضمن حقوق ومصالح الجميع، بوجود ضمانات دولية.
خامسًا: المآلات السياسية المحتملة
أما إذا استمرت المعارضة الإرترية في تقديم نفسها كواجهة شكلية في ترتيبات إقليمية دون وضع مصالح الشعب الإرتري في مقدمة أولوياتها، فإنها تُخاطر بفقدان شرعيتها الوطنية، وتحوّل قضية التغيير إلى أداة تفاوض إقليمية لا أكثر ولا اقل. وهنا يبرز سؤال آخر: هل قيام حرب بين إريتريا وإثيوبيا من مصلحة إريتريا وشعبها؟ وهل المجلس الوطني من مؤيدي الحرب أم أنه قادر على صياغة موقف وطني واضح ضد الحروب العبثية التي لا تخدم إلا أجندات غير وطنية؟
التوصيات:
• ضرورة مراجعة آليات اتخاذ القرار داخل مؤسسات المعارضة، وبناء هياكل أكثر شفافية وشمولًا، والالتزام بالتمثيل العادل في إدارة العمل داخل مظلات العمل المعارض، بما يعبر عن التعدد والتنوع  الارتري واستحقاقاته المستقبلية في بناء دولة العدالة التي تسع الجميع.
• إعادة صياغة ملف العلاقات الإقليمية وفق مصلحة وطنية خالصة، بعيدًا عن مصالح وإملاءات خارجية.
• فتح حوار داخلي حول اعتماد رؤية استراتيجية واضحة تحدد أهداف ودور المعارضة الإرترية ومواقفها في المرحلة القادمة، وبناء خطاب سياسي مبدئي يعكس رؤية وأهداف المعارضة يمثل ويحقق تطلعات المواطن الإرتري لبناء دولة العدالة والقانون وبما يضمن مصالح مكونات الشعب الإرتري والمصالح المتبادلة مع الأطراف الإقليمية وخاصة دول الجوار.
خلاصة
زيارة وفد المجلس الوطني لأديس أبابا ليست حدثًا عابرًا في السياق السياسي الإرتري، بل محطة تكشف عن صراع إرادات بين الداخل الوطني والمشاريع الإقليمية. وإذا لم تبادر قوى المعارضة إلى مراجعة ذاتها، فإن مستقبل العمل السياسي الإرتري المعارض قد يُرهن لصالح ترتيبات إقليمية لا علاقة لها بالتغيير الديمقراطي المنشود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى