ياسين وطاهر إدريس ..(15) عام من الغياب ..!! . بقلم / الأمين إدريس عبد القادر
7-Apr-2016
عدوليس ـ بالتعاون مع تنسيقية يوم المعتقل الإريتري
من يصدق أن أي نظام أمني في دولة ما يعتقل طالبا في الجامعة، ويخفي مكان اعتقاله وأي معلومة عنه لسنوات، وعندما يطلب أهله زيارته أو الاطلاع على سبب اعتقاله ومحكوميته لا يجدون أي رد رسمي أو غير رسمي.. ومن يتوقع أن أجهزة الدولة تعتقل بعد عدة أشهر طالب الثانوي – شقيقه الذي يصغره بعامين – ثم لا تعطي أي إجابة للأسئلة الطبيعية.. أين مكان احتجازه ؟ وكيف حاله الآن ؟ بل تتوعد تلك الأجهزة أسرة المعتقل بنفس المصير إن تكرر منها هذا السؤال.
باعتباري (كاتب المقال) أصغر أفراد أسرتي التي تشتت بسب ما تعرض لها شقيقاي كما هو حال البلد كلها، سأحكي كشاهد حي وأحد ضحايا اعتقال فردين من أسرتي تعسفا وهما في مقتبل العمر، وهذه الشهادة قدمتها بلا زيادة أو نقصان إلى لجنة تقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان في إرتريا، ولن أضطر إلى حبك قصة إنسانية أو أنقل روايات الآخرين، كوني أتجرع مرارة الألم والحرمان من أخويي اللذين يكبراني سنا.. وافتقدتهما منذ 15 عاما وأنا في أشد الحاجة إليهما في حياتي اليومية.. ليس بإمكاني نسيان تأثيرهما علي داخل المنزل وخارجه، كما هو حال أخوتي وأخواتي الأكبر سنا وقدوة.. فنحن أسرة متوسط الحال تسكن بالقرب من الجامع الكبير لمدينة كرن، أسرة تحب العلم والتعليم ويظل التفوق الدراسي هو ما يميزنا، رغم انشغال الوالد رحمه الله بمحله التجاري في سوق مدينة كرن. فأخي الأول: يس إدريس عبد القادر: ولد عام 1977، درس الابتدائية في معهد عنسبا الإسلامي وأظهر تفوقا، ثم التحق بمدرسة ثانوية كرن التي مر منها متفوقا أيضا لامتحان الشهادة الثانوية العامة، لينضم في عام 1998 إلى جامعة أسمرا طالبا في قسم التاريخ حيث كان يحب هذه المادة منذ الصغر. وعندما ألقي القبض عليه كأنه مجرم وليس مجرد طالب في داخلية الجامعة -عمره 23 عاما- كان مشغولا بامتحانات السنة الثالثة، حتى أنه لم يسافر إلى كرن ليقضي معنا أيام عيد الفطر المبارك (حيث كان الاعتقال الظالم في ثاني أيام العيد الذي وافق بالضبط 28 ديسمبر 2000) ومنذ ذلك الحين لم نسمع عنه شيئا لا من قريب ولا من بعيد، وباءت كل المحاولات لتحديد مكان وجوده ظلت غير ذات جدوى كما أسلفت. أما أخي الثاني: طاهر إدريس عبد القادر: من مواليد عام 1979، تتلمذ مثلي تماما ومثل أخي يس في الخلوة القرآنية ثم المعهد للابتدائي، وبعد الانتقال الى المدرسة الحكومية وإكمال الصف العاشر، كان لابد حسب النظام – الذي لا شبيه له في العالم – أن يلتحق بمعسكر ساوا للتدريب العسكري، حيث أجبر للذهاب إلى هناك كغيره من الفتيان والفتيات من كل أنحاء إرتريا، وكما هو معلوم يُمنع الطلاب من الجلوس لامتحان الثانوية العامة إلا عبر دراسة الصف 11 في تلك المدرسة القابعة وسط المعسكر، حيث النظام عسكري بالدرجة الأولى وليس له علاقة بالمنظومة التعليمية، ليُساق منها زهرة شباب إرتريا الى التجنيد العسكري في دفعات سنوية، كان ترتيب التي انضم إليها أخي طاهر الدفعة الـ 12 لما يسمى الخدمة الوطنية، وهي في الأساس أعمال سخرة مستمرة ما دام الشاب حيا وداخل الحدود، أو يكون نابغة من القلائل الذين يجدون فرصة الالتحاق بالجامعة وبعد التخرج يعود الى السخرة ولكن من باب آخر، وهو الالتحاق مجندا في دولاب الدولة المدني كما يحلو تسميته، أو خيار آخر وهو أفضلها على الإطلاق كما كان قراري الشخصي خلافا لأشقائي، ألا هو تجاوز الحدود فرارا بالجلد والمستقبل قبل أثناء الالتحاق بالمعسكر سيئ الصيت. وبالنسبة لأخي طاهر فقد وجد فرصة مؤقتة للخروج من المعسكر في وقت لاحق أي بعد 10 أشهر، وحصل على إجازة لمدة 10 أيام لزيارة أهله في كرن، قرر أن يمددها قليلا بدل أن يعود الى وحدته العسكرية كما يسمونها، وبعد مكوثه معنا قرابة شهر في المنزل ألقي القبض عليه في وسط مدينة كرن، حيث كان يخطط ليلتحق بوحدته بعد أسبوع عيد الأضحى المبارك، وهو اليوم الذي اعتقل فيه بقسوة لم نجد لها مبررا في سابع أيام العيد (صادف بالضبط تاريخ 12 مارس 2001) كما لم نجد مبررا لعدم استماع المسؤولين إلينا لمعرفة مصيره، بل قاموا بطرد أمي المكلومة مرتين في فلذة كبدها وهما في سن 21 و 23 عاما في حينه، فحتى هذه اللحظة التي اكتب إليكم فيها ما زال الحال كما هو، وسأكتفي هنا لأن الكلمات لا تكفيني لأسرد كل الوقائع والفظائع، أو أعبر لكم عن حزن أمي ومشاعرها المكبوتة وآهاتها المكتوبة .. إلى المشتكى.