الـــصَّـــفــــــــــــــــقـــــــــــــــــة !! قراءة في أوراق الوسيط الإريتري ما بين الشرق ودارفور .. بكري المدني
17-Dec-2006
المركز
@ رؤساء خرجوا من السودان
كثيرون حكموا بلادهم بعد أن مروا بالسودان في مرحلة من مراحل حياتم ، تنكر أغلبهم لتلك المرحلة وأدار ظهره للبلاد التي مر عليها وإحتفظ منهم بالقليل من الوفاء إبتداء من نتانياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق والذي ولد بقرية الحلوة بنوري شمال السودان ، وليس إنتهاء بالرئيس المصري الراحل محمد نجيب إبن الخرطوم
ولا أسطورة جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا الذي منحه السودان أول جواز سفر أو رئيس دولة تشاد الحالي السيد . إدريس دبِّي الذي عاش في أم درمان وأسياس أفورقي الرئيس الحالي لإريتريا الذي كان يسكن حي الرياض بالخرطوم ولا يزال الإختبار ينتظر رئيس المحاكم الإسلامية شيخ شريف في الصومال والذي تخّرج من جامعة كردفان بعد ان تدرب في معسكرات الدفاع الشعبي حسبما كانت تقتضي شروط الدخول للجامعات السودانية أول ومنتصف التسعينات من القرن الماضي ، وإن لم يكن السودان قد مهد لبعض هؤلاء الرؤساء الطريق لحكم بلادهم فإنه على الأقل لم يقطع الطريق أمامهم !! وقد فشل الكثير من أولئك الرؤساء في إختيار الوفاء وشاب موافق بعضهم بعض الغموض حيال السودان ، وفي الراهن المعاصر وبقدر ما يتداخل كل من أسياس أفورقي وإدريس في الشأن السوداني إيجابا بالإشراف على التفاوض بين الحكومة والحركات الخارجة عليها شرقا وغربا أو بالإشتراك في تلك المفاوضات فإن الأسئلة لا تنفك تدور حول موقف هذين الرئيسين ، وكثيرا ما إتهمتهما حكومة الخرطوم بالعمل المعادي حتى وهما يقومان بدور الوسيط ، ولئن كان ملف دارفور قد خرج من أيدي الجارة تشاد وأصبح بيد المجتمع الدولي وإقتصر دور الرئيس دبي على ما يدعيه من العمل على إستقرار دارفور أو ما تتهمه به حكومة الخرطوم بالعمل على زعزعة دارفور فإن الرئيس أسياس أفورقي أنجز مؤخرا ملف الشرق بإتفاق سلام بين الحكومة وجبهة الشرق ويقف وحده الضامن الوحيد لهذا الإتفاق ، ولكن هذا الدور الإيجابي في ظاهره لم يشفع لأفورقي عند الخرطوم والتي إتهمته وهو يقطع الشوط تلو الشوط في عجلة سلام الشرق بتذكية نيران الحرب في غرب السودان !! في الوقت الذي لا يخفي فيه أسياس رغبته في تولي ملف دارفور الشئ الذي طرح السؤال الكبير حول دور الوسيط الإرتري وأهدافه ودوافعه وما إلى ذلك من تفريعات لا تجيب عنهاالمواقف الظاهرة .@ رهان على من يفعلون ما لا يقولون إثنان من الخبراء نلتقيهما في ثنايا التقرير الأول هما البروفيسورحسن مكي الخبير في شؤون القرن الإفريقي بما فيه جذع هذا القرن – السودان-والثاني استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور صفوت فانوس .البرفيسور حسن مكي كعاته في الإجابات المباشرة عن الأسئلة مثل السؤال حول اهداف الرؤساء الذين جرى ذكرهم حيث قال لي – وهو يموت ضحكا – هذا هو حال الرؤساء يقولون ما لا يؤمنون به ويفعلون ما لا يقولون – فرددت عليه : ولكن أسياس أفورقي أنجز الشرق فأجاب : ( ما هي دي السياسة !!).أم ا الدكتور صفوت فانوس فمضى إلى أن رهان النظام الإسلامي في الخرطوم منذ البداية على أسياس أفورقي كان خاطئا وكان الأسلم (للإنقاذ) أن تراهن على الجماعات الإسلامية الإريترية وتعمل على إيصالها للحكم ، فأفورقي الماركسي لا يمكن أن يتحالف مع نظام الخرطوم الإسلامي وكان من الطبيعي أن يسومه 16 عاما من العداء!! (هكذا طبائع الأشياء) قالها فانوس بثقة .@ إختلاس النظر للورق الإريتري لاشك أن الخرطوم كانت تنظر بعدم الثقة لدور الرئيس الإريتري في ملف سلام الشرق – وربما إستمر ذلك النظر- حتى بعد إكتمال الملف ، والرئيس أفورقي يمسك ببعض الملف الدارفوري وعندما رضيت الخرطوم بالدور الإريتري في سلام الشرق فإنها لم تكن أمام خيارات كثيرة كذلك جبهة الشرق لم تكن أمامها خيارات كثيرة فمعارضة الشرق كانت تنطلق من إريتريا وإريتريا هي الإمتداد الطبيعي للإقليم الشرقي ..(أليست هي طبائع الأشياء التي أشار إليها الدكتور صفوت فانوس !!) .. لاحظ فشل طرابلس الغرب في الإمساك بملف الشرق !!.على كلٍ عهدت حكومة السودان باللعب لمن في يده الورق ولم تكن تحلم مجرد الحلم في أن يلعب السيد أفورقي لصالحها ولكن كانت المفاجأة في أن الرجل الذي توسط الطاولة فتح اللعب وإستخدم الجوكر في حسم الملف لصالح السلام مما دفع بالسؤال الكبير وتفريعاته .. ما الذي يريده ، ما هي دوافعه ، وماهو الثمن ؟ وفي الذهن حكمة حسن مكي ( أن الرؤساء يقولون ما لا يؤمنون به ويفعلون ما لا يقولون ) والشواهد إتهمات الخرطوم المتكررة لأفورقي بتذكية الحرب في دارفور!!@ الإلتقاء في النفق الضَّيِّقرغم التاريخ المر بين حكومة السودان وحكومة إريتريا فإن كلاً من المؤتمر الوطني الحاكم في السودان بزعامة المشير البشير والجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا برئاسة أسياس أفورقي فإن الحزبين إلتقيا مؤخرا في النفق الضيق وهما مضطران للسعي معا إلى نهاية هذا النفق على ما يبدو ، فالخرطوم لم تعد منذ فترة ليست بالقصيرة تدعم المعارضة الإرترية وإريتريا حسمت أخيراً ملف جبهة الشرق بالإتفاق مع الخرطوم ، وبين ذلك وقبله طابقت أسمرا مواقف الخرطوم في رفضها دخول قوات دولية إلى دارفور مفارقة بذلك الموقف الدولي والإقليمي الداعي إلى ذلك بل ومفارقة موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان شريك المؤتمر الوطني وغريمه في نفس الوقت والحليف القديم والصديق الدائم للجبهة الشعبية في إريتريا ومضى أفورقي إلى أكثر من ذلك في مناسبة توقيع سلام الشرق عندما راح يهاجم المجتمع الدولي وهو يشير بسبابته إلى الغرب بلهجة سياسية سودانية رسمية !!وإن كنت سأترك تفسير الموقف الرسمي الإريتري للبروفيسور حسن مكي والدكتور صفوت فانوس قبل أن أختتم برأى الإعلامي الإريتري المعارض الأستاذ جمال همد فلابد من الإشارة إلى موقف إقليمي مهم طابقت فيه حكومة الجبهة الشعبية في إريتريا موقف حكمومة المؤتمر الوطني في السودان ألاَ وهو الموقف من المسالة الصومالية ، فموقف المؤتمر الوطني – الوسيط في المسألة الصومالية من المحاكم الإسلامية في الصومال لا يحتاج إلى تعليق ولا يكفي أن شيخ شريف مرّ من هنا فقط ، فالمنابع الفكرية للمحاكم الإسلامية في الصومال والحركة الإسلامية الحاكمة في السودان تبقى واحدة ، ولكن ما بال أسياس أفورقي المنحدر من منابع ماركسية ودعم المحاكم الإسلامية ؟ إن الأمر لا يعدو أن يكون نكاية في إيوبيا التي تدعم الفصائل الصومالية الأخرى وحسن مكي يقول ( ما هي دي السياسة !!).@ متطلبات الزعامة في الإقليم البروفيسور حسن مكي يقول أن نظام أسياس أفورقي يبحث عن زعامة في القرن الإفريقي وهذه الزعامة لا تأتي إلاّ بالتحالفات ، وما دام أنه لا يمكن حدوث تحالف بين نظام أفورقي في إريتريا ومليس زيناوي في إثيوبيا للعداء التاريخي بين البلدين والزعامة أصلا مطلوبة لقوام احدهما على الآخر!! والتحالف مع الرئيس عمر قيلي في جيبوتي البعيدة عن حدود الأحداث غير مؤثر وليس هناك صومال على ارض الواقع وليس غير السودان يمكن ان يكسب به الرئيس أسياس أفورقي – ضربة بلياردو- فتطور العلاقات السودانية – الإريترية يتناسب عكسيا مع العلاقات السودانية – الإثيوبية (طبائع الأشياء عند فانوس) وإن كان بوسع الخرطوم أيضا أن ترسل عبر هذا البريد السياسي رسالة لنظام مليس زيناوي لتجاوز الحدود الجغرفية لإثيوبيا كثيرا ناحية لسودان ولكن أغلب الكرات ذات اللون الواحد تكون في شبكة افورقي !!. @ الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا!! البروفيسور حسن مكي يؤكد حمل أسياس أفورقي لجبهة الشرق توقيع إتفاق مع الخرطوم وأنه لم يكن أمامها من خيارات أخرى غير( سجون أسمرا) في الوقت الذي يشير فيه مكي إلى تصفية المعارضة الإريترية نشاطهافي الخرطوم والإنتقال مع الفاصل المداري السياسي المعادي لأفورقي إلى أديس أبابا ، ولكن وبعد إغلاق ملف الشرق وتطلع الرئيس الإريتري على لعب دور في ملف الغرب ما هي حظوظ أفورقي في دارفور؟ البوفيسور حسن مكي يكشف مبدأ أن ملف دارفور أكبر بكثير من الرئيس أسياس وإمكانات دولته ، وحركت دارفور نفسها قد تجاوزت بهذا الملف الإقليم والقارة الإفريقية على بكرة أبيها ، وعندما نشير للبروفيسور حسن مكي بوجود جزء من الحركات الدارفورية وقياداتها في إريتريا يجيب : ( إذا وجدت هذه القيادات فكاكا من إريتريا وإذا سلمها أفورقي جوازاتها فإنها لن تعود !!) وملخص حديث البروفيسور حسن مكي في هذا الجانب ان الرئيس أسياس أفورقي ليس بمقدوره لعب دور في ملف دارفور بذات القدر الذي لعبه في ملف شرق السودان .@ الهبوط من الهضبة الإثيوبية لا يختلف الدكتور صفوت فانوس في المبدأ التحليلي للمواقف عن البروفيسور حسن مكي إذ قال عن الدور الإريتري الأخير في الشأن السوداني (إريتريا عملت في ملف الشرق وعينها على إثيوبيا) ويضيف فانوس أن أسياس ينتظر تفاعل السودان الإيجابي معه بعد أن لعب دور الوسيط الناجح وضامن إتفاق الشرق الوحيد بعد أن كان يرعى جبهته ويمولها ، وقد قدَّر أنَّ الوقت الذي يفترض فيه توقيع إتفاق قد جاء وفق تغيرات كثيرة في الإقليم تقع إريتريا منها موقع خط تقسيم الأحداث ، ويتفق الدكتور صفوت فانوس أيضا مع البروفيسور حسن مكي في أن أسياس أفورقي غير قادر على لعب ذات الدور في دارفور وإنْ قال بأسباب إنَّ توقيع إتفاق في غرب السودن يتطلب تنازلات ضخمة يجب أن تقدمها حكومة الخرطوم أو حركات دارفور و الإثنان معا الشئ الذي لايقدر أفورقي حمل أحدهما او كليهما عليه وذلك لصعوبة مطالب حركات دارفور وضعف إستجابة حكومة الخرطوم ، ولكن الدكتور صفوت يحسب أن الرئيس أسياس أفورقي نجح بالنقاط في كسب السودان والصمود أمام إثيوبيا وإخترق حلف صنعاء وهو اليوم موجود بقواته في الصومال نداً لإثيوبيا وقد أرسل بعضا منها إلى المنطقة العازلة رغم أنف إتفاق الجزائر ولم يكن قد خسر معركته مع اليمن !!.الإعلامي جمال همد :ظروف السودان الداخلية أعطت أفورقي فرصة ذهبية@ شاهد من أهلها في ميزان العدل !! الأستاذ جمال هُمَّدْ إعلامي إريتري معارض لا يزال في السودان يفترض كذلك أن نظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي يبحث عن دور في الإقليم (لاعب كبير) على عكس قدرات دولته المادية والسياسية ، ويذهب جمل إلى أن ظروف السودان الداخلية هي التي أعطت الرئيس أسياس هذه الفرصة ، ويقول جمال إنّ أفورقي ليكسب السودان مضى لمهاجمة الغرب ومؤسساته من دون ان تكون له المقدرة على معاداة المجتمع الدولي ، وتحفظ همد على ما يعتبر نجاحا للرئيس أسياس أفورقي في سلام الشرق وراهن على عدم قبول العديد من القوى الأهلية في شرق السودان للرئيس الإريتري بالإضافة إلى عدم تمكن إريتريا من أداء دور الضامن الوحيد لإتفاق الشرق للأسباب المرتبطة بمقدرتها كدولة ، وإستبعد الإعلامي الإريتري (المعارض) لذات الأسباب قبول حركات دارفورلوساطة أفورقي لمعرفتها بمقدرة الدولة الإريترية ، وختم بأن الرئيس أفورقي يكون غير واقعي إذا ما ظن أن بإمكانه حمل حركات دارفور لتوقيع إتفاق مع حكومةالخرطوم مثلما فعل مع حركات الشرق التي كان يأويها .. الخرطوم الجديدة العدد(42) نوفمبر2006م