الأدب العربي في إرتريا وعاء زاخر بالقصص والأساطير والمقاومة
إعداد وتقديم: عبد القادر حكيم
منذ عقود، عُرفت ارتريا عند محيطها العربيّ، والعالم، عبر جميع وسائل الاعلام، بالكوارث والحرب الضروس التي استمرت وما تزال، مخلفة آلاف الشهداء والمفقودين وموجات من اللجوء ما تزال مستمرة، وكفعل مقاوم صحبت تلك السنوات العجاف حركة إبداعية في جميع الحقول الفنية كالشعر والسرد – بلغات محلية وعالمية- والفن التشكيلي، شهدت تلك الحركة في عمومها فترات من الخمود والضمور والازدهار. في المقابل ظلّ ما يُكتب منه باللغة العربية غير معروف، في معظمه لدى القارئ العربي، ولذا نرى أنّ الحاجة ماسة الآن للعمل وتضافر جميع الجهود لخروج إرتريا من ذلك التنميط المخيف/ الصورة الذهنية عن إرتريا وشعبها لدى السواد الأعظم من الشعوب العربية. سيتناول الملف الأدب الإرتري المكتوب باللغة العربية، ملقياً الضوء على تاريخ الشعر والسرد في إرتريا، وذلك عبر مختلف الحقب والمحطات التي شهدها كل حقل ابداعي كما سيتم تسليط الضوء على أهمّ التجارب الأدبية ورموزها ومشاكلها التي ظلت تعمل ككوابح تعيق تطورها.
للأدب الإرتري، بلغات كتابته المختلفة، أهمية كبيرة، سيما المكتوب منه بالعربية لإشتغاله على ثيمات أدبية وفنية جديدة، نزعم أنّ بعضها- إن لم يكن معظمها- من الممكن له أن يكون بمثابة إضافة حقيقية للأدب العربيّ، ذلك بسبب خصوصية المجتمع الإرتري، الذي يتحدث بلغات عدة، يمكن تصنيفها إلى مجموعتين لغويتين هما ( آفرو- آسيوية) و ( نيلو- صحراوية)، ظلّت على مدى قرون تعمل كوعاء زاخر بقصص وأساطير أنتجها المجتمع الارتري، وحافظ عليها عبر وسائل التربية والحكايا جيلاً اثر جيل، مما يشكّل بالتأكيد مجالاً خصباً يمتح منه الفنّان الجاد والموهوب شاعراً كان أو سارداً أو رسّاماً في رسم ملامح اعمال فنية مختلفة بالتأكيد عن السائد.
تواجه الباحث في أغوار الأدب الإرتري، عموماً، صعوبات جمة تتمثل في شح المصادر التي من الممكن له أن يستقي منها معلوماته، وذلك لتداخل عدة أسباب منها ما يتعلق بالمنتوج الإبداعي نفسه، لقلّته؛ مقارنة بالأحداث الجسام التي مرت بالبلاد، ومنها عدم التوثيق له، والكتابة عنه، عدا النذر اليسير من مقالات هنا وهناك، يغلب عليها طابع المجاملات في الأغلب، ولا يُركن إليها في الاعتماد عليها للاشتغال الجاد حصراً وتمثيلاً، كذلك كان لغياب حركة نقدية مصاحبة للفعل الإبداعي أثره الكبير في قلة المصادر التي يمكن الرجوع إليها لدى محاولة البحث عن جودة الأعمال التي نُشرت، من عدمها، سبب آخر هو حالة الشتات والتيه التي طالت معظم المبدعين الإرتريين، واستغراقهم كنتيجة لذلك في تفاصيل اليومي وكسب العيش، مما أدّى إلى توقف الكثيرين عن الكتابة. سنناقش هنا، نتيجة لمجمل تلك الصعوبات آنفة الذكر، جانباً واحداً من الأدب الإرتري، هو المكتوب منه باللغة العربية، إذ أنّ الجزء الآخر منه، المكتوب بلغات أخرى محلية وعالمية يستدعي تفرغاً تاماً قد يمتد لشهور في محاولة التقصي وجمع مواده، وقد تمرّ المدة دون الإحاطة به. يشارك في هذا الملف د. عادل القصّاص الذي عاش شطراً من عمره في إرتريا، وعبد القادر حكيم.