كم رصاصة …!
مذ أن خلقت هذه الرصاصة هي غادرة.. هي رخيصة ثم عاهرة، بين مؤخرتها التي تشتهي دق الزناد وقدومها الذي يعشق الأجساد، ملعونة هي الرصاصة، ولكن دوما لها قصة: قصة القاتل والقتيل.
بقلم / فتحي عثمان
الرصاصة تمرق من عدم الفهم وتسافر نحو العدم، رحلتها تحكي شبق البداية وحد النهاية. مطلقها يحلم عبرها بأن يكتب النهاية: نهاية القصيدة (لوركا)، نهاية الفكرة (غاندي)، نهاية الثورة (غيفارا)، ونهاية الأغنية (لينون)، ونهاية الترس (عباس)، القاتل يطلق الرصاص ليرسم النهاية والتي – لعبث الأقدار- تضع السؤال وتصنع البداية. ويرتد السؤال رصاصة نحو وجدان القاتل. -أنت، أي نعم أنت بالذات: الآمر والمطلق والقاتل عندما أخترقت رصاصتك حوض الصبي، وفتتت عظامه ماذا كنت تريد بها؟ هل كنت تريد إسكاته لأنه ثار ضدك، لأنه صرخ في وجهك، لأنه شتمك أم لأنه تحداك: هل عقوبة كل ذلك رصاصة؟ وتلك الرصاص أيضا، والتي إرسلتها خلف الأذن اليمنى لفتاة لم تتجاوز الخامسة والعشرين، وكانت يوم الأربعاء القريب تعد (الفطرة) أمام الخيمة في الساحة. عندما أرسلت لها رصاصتك هل كنت تريد إسكاتها لأنها صرخت في وجهك: سلمية … سلمية، أو لأنها عندما مرت قافلة الشيطان من التاتشرات رفعت يدها صائحة مدنياااااااو، هل كان يستحق كل ذلك رصاصة؟ وأخيرا ذلك الشاب الذي كان يجهز السماعات والميكروفونات للمتحدثين الذين قلت عنهم أنهم شلة مشاغبين مخترقين بمدمني المخدرات وأنهم لا يمثلون الشعب، هذا الشاب اختطفته رصاصتك عندما استقرت في بطنه، وكان جنودك يسمعونه دوما يصرخ أمامهم ثورتنا مدنية. هؤلاء وأولئك وغيرهم وقبلهم ومن بعدهم: هل يبرر قتلهم هذر هيبة الدولة، أو محاربة الفوضى، أو فرض القانون، أو تعثر المفاوضات، أو التدخلات الأجنبية. أجمع كل ذلك، ومثله معه، ثم أحشو به مدفعك وأطلق رصاصتك، فلن يبرر ذلك الدم الحرام، أو رمي الشهداء في النيل، رميتهم لتخفي جريمتك ولكن نبتوا فوق الماء، وأزهروا فوق الأرض، الأرض التي ارتوت والماء الذي اغتسل وتعمد بالدم. قتلت لأنك أردت هدم الترس، متاريس الشوارع: لكن هل تهد طلقتك المتاريس التي في الصدور؟ -أجب تلك الأم المكلومة، أو أمش غور.
ومن قصص الرصاص يحكي أنه كان هناك أمير للدروع وللرصاص يسمي منغستو هرقل الأسود، الأمير عاشق مهرجان النار، ساكن الزهرة الجديدة التي عمدها من جديد باسم زهرة الدم، عندما هاج وماج وزمجر وأرعد وأزبد ثم رمى قارورة ملأى بالدماء وصرخ: سنذيقهم طعم الرصاص. وعندما إنهار معبده ولى هاربا قبل وليمة الرصاص، حتى لا يذوق طعم الذي وعد به الناس: كان جبارا فإنتهي فارا. لكن…. اليست تلك هي دوما ذاكرة مطلق الرصاص، تلك الذاكرة التي تجندله يوما بعد يوم لأنه لا يعي الدرس، فالرصاصة السابقة في الغرب والآنية في القلب تعظم السؤال وتدفع قسرا نحو النهاية المآل. فالرصاصة قد تقتل الجسد لكنها تحي الذاكرة، وتزرع الأمل وترسل السؤال مرتدا إلى صدر القاتل: يا قاتل كم رصاصة تكفيك لتصل؟ 3 وشهيدنا يتوشح كلمات أبا تمام: ونفس تعاف العار كأنما هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر غدا غدوة والحمد نسج ردائه فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر تردى ثياب الموت حمرا فما دجى لها الليل إلا وهي من سندس خضر.