مقالات

الصراع في ارتريا ليس طائفيا بقلم / فتحي عثمان

27-Feb-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ

نعم الصراع في ارتريا ليس طائفيا بين أديان ومذاهب، بل هو صراع مرير من أجل حقوق إنسانية أساسية ووطيدة، والحق في العقيدة والدين والعبادات هو أحدها ولكنه ليس أولها.التكليف الشرعي ذاته يفترض أن يكون الإنسان حيا، لأداء حق الله عليه، ويفترض كذلك في هذا الإنسان الحرية ويفترض فيه التمييز وأخيرا العقل. فالإنسان تسقط عنه الصلاة بالوفاة، وهو قطعا لا يستطيع أداءها وهو يجود بأنفاسه الأخيرة نتيجة جوع مهلك أو جرح يثعب دما، كما لا تجب عليه إذا كان فاقدا لرشده وعقله. نتحدث عن الصلاة وهي صلة العبد بربه، وهي التي فرضت على نبينا صلى الله عليه وسلم في السماء، وهي التي لا يصح عمل إلا بصحتها وأخيرا

هي أوكد العبادات بعد الشهادة. وبالنسبة للحرية؛ فهي ضرورية لكل اختيار حر بما في ذلك اختيار العقيدة، ولنا في قصة الصحابي بلال بن رباح رضى الله عنه أبلغ مثل في صلف السيد وقهره لعبده عند مخالفته لما يؤمن به. إذن لكي يقوم العبد بالعبادات عليه أن يكون حيا وحرا وعاقلا وقادرا على التمييز. ونحن في ارتريا نفقد الحق في الحياة بالقتل بسبب أو دونه، ونفقد حريتنا بالسجن ونفقد صحتنا بسبب المرض والحرب والهم والغم، ونفقد عقلنا ورشدنا وقدرتنا على التمييز بسبب الجهل والتعذيب والمعاناة، ونفقد حقنا في العبادة وفقا لهذا الترتيب الذي يتساوق والتكليف الشرعي.وعندما يشن النظام حربه على الشعب فهو لا يشن حربا دينية هدفها تحويل الشعب من معتقد إلى معتقد أو يقوم بحملات صليبية بهدف تنصير كل ارتري مسلم. ولكنه يستولي على السلطة والثروة ويحرم الناس من حقوقها الأساسية والتي من ضمنها الحق الثقافي، والذي يأتي تاليا لحق الحياة الأساسي والحق الاقتصادي في الارتزاق، والحق في الحرية والحركة، والحق في التعلم والحق الاجتماعي في تكوين الأسرة والزواج وأخيرا الحقوق الثقافية التي تشمل العبادات والإجازات الدينية واللغة وكل ما يترافق معها من حقوق. إذن وبموجب القهر السلطوي والحرمان من الحقوق الأساسية فإننا نخوض صراعا من أجل الحقوق الأساسية أولها حق الحياة ثم الحقوق الأخرى، وتقديم الحق الديني على حق الحياة والحرية، هو الذي يؤدي خطأ إلى توصيف الصراع بأنه صراع طائفي، وإن كان الطائفي أحد مستويات الصراع الحالي، ولكنه ليس الواسم الأوحد لطبيعة الصراع.وبافتراض تأخير حق الحق الحياة والحرية والعلم والعمل والأسرة وتقديم حق العبادة عليها جميعا في وصفنا للصراع الراهن فإننا نقر هنا بأن الصراع هو صراع ديني/طائفي ويستلزم نتيجة لذلك حربا دينية، والحرب الدينية هدفها أحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وبما أن الشهادة تضمن نعيما مقيما فهي أحسن الحسنيين، أما النصر فهو كسر شوكة العدو وإعلاء كلمة الله. ولو طبقنا منطق الحرب الدينية في ارتريا، فإن النصر يعني كسر شوكة اسياس وأتباعه وقسرهم على تحويل دينهم أو دفع الجزية صاغرين. فإذا انتصر صاحب توصيف الصراع بالطائفي على اسياس وطائفته فهل سيقوم بأحد الأمرين؟ الإجابة التي حصلنا عليها من هؤلاء بأنهم غير معنيين بتحويل مذهب المهزوم أو أرغامه على دفع جزية، عملا بقاعدة لا أكراه في الدين. وعند تأكيد أو إعادة طرح السؤال يرد صاحب التوصيف قائلا : أنا أقاتل من أجل “حقوق” كفلها لي الشرع، والحقوق الشرعية كما نفهمها لا تخرج عن المقاصد الخمس للشريعة وهي : حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال وهي نفس الحقوق الإنسانية الأساسية المذكورة أعلاه. وبهذا يعود صاحب التوصيف الطائفي للصراع للمربع الأول بحكم أن الصراع هو صراع من أجل الحقوق كلها بما في ذلك الحقوق الدينية والتي تلي منطقا وفهما الحق في الحياة والحق في الحرية.إن الارتري المسلم والملحد يقفان في خندق واحد في صراع من أجل الحقوق الإنسانية الأساسية، فبينما يقدم المسلم الحق الديني على كل الحقوق، يقدم الملحد الحق في الحرية على باقي الحقوق مع اتفاق الطرفين ضمنا على الحق في الحياة كأولوية في الترتيب واختلافهما في ما يستتبع ذلك الحق. وبالنسبة للملحد يعتبر الحق في الحرية هو الأساس الذي يتركز عليه في رفضه للدين والتدين.أخيرا، إن دوائر الصراع القائم في ارتريا في اليوم ومستوياته متداخلة ولكن وضع هذه الدوائر والمستويات وفقا لترتيبها الأسلم هو الذي يمكن من وضع خارطة طريق واضحة المعالم من أجل الحصول على الحقوق الأساسية بما في ذلك كل الحقوق العقيدية. وترتيب الأولويات الغرض منه التوصيف السليم للنظام وتحديد أسباب وأدوات الصراع ومنتهاه ومبتداه. وأحب أن أشير وأؤكد هنا وبملء الفم أنني لست من يسمون النظام بالديكتاتورية فقط وأن الحل يكمن في اختفاء اسياس أفورقي من المشهد السياسي الارتري. المشهد السياسي الارتري الممزق، وفي ظل غياب تحديد الاختلالات وسبل معالجتها، يمكن أن يكون اختفاء اسياس منه بداية لتجلي الكارثة، فاليوم تتبدى الكارثة على مستوى الخلافات بين مكونات المعارضة وغدا تكون على مستوى الممارسات. والوصفة الأسرع نحو الهاوية تكمن في أن يتدهور الصراع من مستوى التوصيف الطائفي الراهن إلى مستوى القبيلة المنتن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى