مقالات

إريتريا: 16 سنة في انتظار (جودو الديمقراطي..) … طه النعمان

23-Jul-2007

المركز

زودني المركز الإريتري للخدمات الإعلامية بنسخة من مجلته الشهرية «صدى الأحداث» الصادرة في الذكرى السادسة عشر لاستقلال الجارة الشرقية، والتي جاء عنوان غلافها الرئيسي «إرتيريا على مفترق طرق». كما أبرز الغلاف أيضاً شهادة الأستاذ محمد نور احمد عن الراحل المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد . وجاء الغلاف موحياً بالأزمة، بل الحيرة، التي يعيشها أصدقاؤنا الإريتريون حيث أختار مصممه لقطة لمقاتل إريتري أرهقته وعثاء السفر فافترش الأرض ونام وحيداً متوسداً ذراعه ربما عند مفترق الطرق.

المركز الإريتري للخدمات الإعلامية هو نافذة الاتصال المعبرة عن المعارضة الإريترية في الخارج وخصوصاً في السودان، وقد حرصت هذه المرة بالذات على تقليب المجلة الصادرة عنه لمحاولة الإطلاع عن قرب عن كيف يفكر الإخوة في المعارضة الإريترية في الأوضاع السائدة في بلادهم، وما هي المخارج التي يرونها كفيلة بإقالة عثرة شعبهم ودولتهم الفتية. فإذا بي أمام طرح ناضج وموضوعي يزودك بالحقائق والوقائع كما هي على الأرض من دون أي تزيد أو هتاف. فقد ألفيتُ مثلاً في مقدمته الموضوع الرئيسي حول ذكرى الاستقلال، بعد التأكيد على أهمية ومفصلية هذه الذكرى قولهم: إن قتامة الوضع داخل اريتريا على كافة الصُعُد «السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية» يجب أن لا تجعلنا بأي حال من الأحوال ننسى ذلك الإنجاز الذي تحقق في ذلك اليوم الخالد في التاريخ الإريتري، اختلفنا أو اتفقنا مع الجبهة الشعبية فهي دون شك صاحبة الإنجاز التي استطاعت أن تتوج هرم نضال شعبنا الذي بدأ في فترات مبكرة في منتصف القرن الماضي، ومن هنا فإن سنوات ما بعد الاستقلال تحتاج الى قدرة كبيرة على التجرد والموضوعية، ولكن حتى وإن توفرت تلك العوامل بدرجة نسبية فان قلة المعلومات المتوفرة والسياج السميك الذي ضربته الدولة على تفاصيل خططها للمستقبل تجعل من الصعب الخروج بنتيجة لا تختلط فيها الأمنيات بالعوامل الموضوعية. إذن، فالمعارضون الإريتريون ، المعبر عنهم من خلال هذا المقال على صفحات هذه المجلة الناطقة باسم المركز الإريتري للخدمات الإعلامية، ينسبون الفضل لأصحابه، فضل تتويج نضال الشعب الإريتري الطويل بإنجاز الاستقلال، فلم يجرفهم شنآن قوم افورقي ألا يعدلوا، وكان ذلك «اقرب للتقوى» بمنهج وحكمة التنزيل. كما تحدثوا عن القصور الذي قد يصيب بعض جوانب تقييمهم لسنوات الاستقلال الستة عشر، وفي هذا ينحون باللائمة -عن حق- على دولة الحركة الشعبية المفتقرة الى الشفافية والتي ضربت سياجاً سميكاً على خططها المستقبلية، الأمر الذي يجعلها كما قالوا «تتحمل كل ما ترتب على ما بعد الاستقلال إيجاباً كان ذلك أم سلبياً».وتناول التقييم عدة محاور: البناء السياسي، الوضع الاقتصادي، ملف العلاقات الخارجية.. وفي هذا المحور الأخير استشعرت مصداقية كبيرة أيضاً من جانب كتّاب أو كاتب المقال، وذلك من واقع تجربة شخصية. فقد ذهب المقال الى أن إريتريا قد بنت علاقاتها الخارجية على دعامتين هما: علاقات الجبهة الشعبية السابقة والتعاطف الذي وجدته إريتريا بعد التحرير، ورغم وجاهة هاتين الدعامتين إلا أن استفادة إريتريا من تلك العلاقات لم تكن بالحجم المأمول. فالخطاب الثوري الذي انتهجه رئيسها أسياسي أفورقي جعل الكثيرين يتوجسون من مستقبل الارتباط بهذه الدولة الوليدة. ولعل الأكثر أهمية من ذلك هو الفرضيات الخاطئة التي بنت عليها إريتريا موجهات سياستها الأولى، إذ تمثلت في فلسفة مفادها «طالما كنت تستطيع التعامل مع الأصل فلماذا تشغل نفسك بالفروع» والمعني هو طالما تستطيع التعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل فأنت لست بحاجة الى العلاقات مع الآخرين لأنهم مجبرون على ذلك.صدقية ما ذهب إليه المقال لمستها بنفسي ـ كما أسلفت ـ خلال لقاء صحافي أجريته مع الرئيس أفورقي بأسمرا بعد نحو ستة شهور من الاستقلال، والحقيقة لم أصادف في حياتي المهنية لقاءاً مع مسئول كبير كان أشد إحباطاً وقسوة على نفسي من ذلك اللقاء، فحتى وصولي الى إريتريا كنت مليئاً بالتفاؤل، خصوصاً فقد تابعت الملف الإريتري لسنوات طويلة وزرت المناطق المحررة باكراً عام«1977» وأمضيت أياماً جميلة في رفقة المقاتلين حول منطقة أغوردات بدعوة من القائد التاريخي للثورة الاريترية المرحوم عثمان صالح سبي رئيس قوات التحرير الشعبية ورافقني في تلك الرحلة الصحافي المصري الناصري المعروف سعد زغلول. كنت مليئاً بالتفاؤل الذي بدأ يتبخر بعد دقائق معدودات من بدء الحوار مع القائد المنتصر أسياسي، وبدأت من ملف العلاقات الخارجية للدولة الوليدة، وكيف ستكون علاقتها مع العرب والجامعة العربية، فإذا بالرئيس أفورقي يفتح النار على «العرب والعروبة» جملة واحد، لم يستثنِ منهم -ربما مجاملة لي- غير «الشعب السوداني». فذكرت له أنني أعلم الكثير عن الدعم العربي المادي والتسليحي والمعنوي والإعلامي الذي قدمته الدول العربية -وذكرت له سوريا على وجه التحديد على ما أذكر- وإذا به ينكر كل ذلك، وعندما يعترف ببعضه تحت إلحاحي ومغالطتي يقول: إنهم كانوا يفعلون ذلك ليس خدمة أو دعماً للشعب الإريتري، إنما لمآرب في تقسيم الشعب الإريتري وضرب وحدته الوطنية خدمة لأهدافهم هم.خرجت من ذلك اللقاء مع افورقي مغموماً متنكداً، واتجهت الى حيث «فندق نيالا» حيث كنت أقيم، وهناك التقيت صديقي وزميلي يحيى العوض ـ رد الله غربته ـ وأبلغته ما دار بيني وبين أفورقي وكان هو الآخر يهم بلقاء الرئيس الجديد. لكن غمّي ونكدي تضاعف أضعافاً مساء ذلك اليوم، فقد كنت أجالس صديقي الراحل المناضل الاريتري المؤسس.. إدريس قليدوس الذي تعرفت عليه باكراً بين الخرطوم وابوظبي، وإذا بنا نفاجأ بأحد كبار مسئولي الخارجية حينها حامد حميد ينضم إلينا ومن ثم ليتحدث عن زيارة الوفد الإسرائيلي فإذا بعقلي يذهب الى الربط بين ما سمعته في الصباح من افورقي وما أسمعه الآن من حامد حميد، إذن «في الأمر إن»، وبادرت حامد بسؤال مباشر هل من أولويات دولة ناشئة كإريتريا إقامة علاقات مع دولة كإسرائيل مضحية بعلاقاتها مع محيطها العربي، فإذا بالرجل ينتفض في وجهي ليلقي علي محاضرة طويلة عريضة عمن يحدد «الاولويات الوطنية».. ومن يومها تأكد لي إن هذه الجارة العزيزة «إريتريا» ستدخل في متاهة جديدة بعد أن نالت استقلالها عن شقيقتها إثيوبيا، وبالفعل كانت الصدامات في جزر حنيش وأزمة باديمي مع اثيوبيا. وأغرب ما في قصة إريتريا عندي هو إن الجبهة الحاكمة في أثيوبيا بقيادة مليس زناوي كانت حليفة الجبهة الشعبية بقيادة افورقي وزناوي احد تلاميذه في النضال، وإذا بالأمر ينقلب الى عداوة أعيت الشعبين وعطلت نموهما.وكنت آمل وأفكر بل أتساءل ما الذي يمنع اريتريا من الدخول في وحدة كونفدرالية مع إثيوبيا مثلما كان يفكر وينظر لذلك صديقنا الراحل محمد أبو القاسم، الذي تذكره الأستاذ محمد نور احمد في شهادة وفاء وامتنان بمناسبة ذكرى إستقلال اريتريا التي جند لها محمد وقته وفكره وأفنى شبابه بين صفوف مقاتليها، فعليه الرحمة، ونتمنى لإريتريا المجد والسؤدد في ظل نظام ديمقراطي يجمع أهلها على كلمة سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى