أوراق مطويّة عن الثّورة الإرترية – الحلقة الثانية . حاوره عبدالقادر بكري حمدان.
22-May-2018
عدوليس ـ نقلا عن” ساماديت ”
حوار مع المناضل : سليمان أحمد هندي – قائد سلاح الهندسة السابق في الجبهة الشعبية حاوره الأستاذ :عبدالقادر بكري حمدان – صوت إرتريا.الدخول إلى السودان لإجراء عملية جراحية :بعد وصولي إلى السودان تم إرسالي إلى مدينة القضارف لإجراء عملية جراحيةواستخراج الشظايا من قبل دكتور الجبهة، ومكثت في السودان مدة ثلاثة أشهر، وبعدها عدت من جديد إلى الميدان، حيث التحقت بفصيلة الفدائيين، في تلك الفترة قامت قوات المنطقة الرابعة بعملية هجوم في محطة سداو الكهربائية بمصوع والتى جرح فيها المناضل قرباش،وكانت المنطقة الرابعة في تلك الفترة تعاني من عدم وجود خبراء في سلاح الهندسة
وبعد قدوم أول دفعة تخرجت من سوريا تسلم الملازم ابراهيم جميل مهمة تدريب بعض جنود المنطقة في الهندسة وكنت واحدا من الذين وقع عليهم الإختيار للتخصص في هذا الجانب، ولم تكن الامكانيات لهذا الجهاز متوفرة لهذا كان برنامج التدريب يتلخص في شرح المهمة نظريا وتطبيقها عمليا على الأهداف التى تساهم في شل وإضعاف حركة العدو.
كانت الفترة التدريبية حالة بالعمليات العسكرية بدأت بتفجير أعمدة الكهرباء و التلفونات وبعد ان إكتسبنا الخبرة ودرسنا من مدربنا فن استخدام المتفجرات بأنواعها المختلفة وما يجب و المحاذير التي يجب اتباعها أثناء التعامل مع الأسلاك ومواد المتفجرات الشديدة الانفجار كل ذلك في هذه الفترة كانت مليئة بالعمل والحيوية. وقليلا ما كنا نحتك بالفصائل الأخرى كما أنه لا يعلم انسان مكان تواجدنا او برنامج تحركتنا سوى قائد المنطقة الرابعة وقائد فصيلة الفدائيين في هذه الاثناء كنت أعاني الاما شديدة في قدمي نتيجة لبقايا شظية باقية في داخل جسمي من الاصابة القديمة، وكنت أخشى وكذلك قائدي في سلاح الهندسة بأن يتسبب ذلك بمضاعفات ويؤدي إلي شل حركتي او غير ذلك من التكهنات.، وبينما كنت أنوي العودة الى السودان لإجراء عملية جراحية أخرى في النصف الأول من عام 1968 تقرر إرسالي إلى سوريا ضمن مجموعة الدورة الرابعة التى كانت تشكل من 125 شخصا من مختلف المناطق التابعة لجيش جبهة التحرير الاريترية،وحتى أتمكن من إجراء العملية الجراحية في سوريا.،وأطور خبراتي في سلاح الهندسة. وهكذا غادرت الميدان للمرة الثانية، وأجريت لي العملية بنجاح في سوريا واكملت الدورة بنجاح.
قبل السفر إلى سوريا… ماذا كان يحدث في الميدان؟
سبق سلمون ولدي ماريام اسياس افورقي في تنظيم النواة الأولى للتنظيم الطائفي في الساحة الاريترية.. حيث بدأ عمله في أوائل عام 1968.. حيث تمكن من إقناع قادة المنطقة الثالثة قبل دخول الوحدة الثلاثية بضرورة ايجاد برنامج سياسي لمخاطبة سكان المرتفعات وعن أهمية كسب المسيحيين الاريتريين الذين يعملون في الاجهزة الحكومية والقوات المسلحة الاثيوبية بما في ذلك رجال الكومندوس والمليشيات الشعبية. وفي الوحدة الثلاثية تبنت القيادة طرح سلمون ولدى م اريام وأعطته صلاحية مخاطبة هؤلاء المسيحيين من خلال قنوات يقوم بتحديدها هو حسب ما تقتضيه المصلحة العامة. بهذا تمكن سلمون من التحرك في تنظيم خلايا سرية داخل العاصمة الاريترية اسمرا وتجنيد المسيحيين الموجودين في الوحدة الثلاثية لهذه المهمة.
استطاع سلمون ولدى ماريام من إقناع حوالي 200 شابا مسيحيا للالتحاق بالثورة في نهاية عام 1968، لم يكن تنظيم المسيحين قاصرا في الميدان أو في القرى الاريترية، بل شمل المسيحيين الاريترين في المهجر. كان هذا التنظيم يعمل خلال ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: كانت تعمل في الميدا ن بقيادة سلمون ولدي ماريام.
المجموعة الثانية: كانت تعمل في الخارج بقيادة تكو احدقو.
المجموعة الثالثة: كانت تعمل داخل اسمرا و اديس ابابا وكانت مرتبطة بالداخل والخارج مع سلمون ولدى ماريام وتكو احدقو الذي كان يعيش في بيروت.
لم نكن نعلم الأهداف الحقيقة لهؤلاء الاشخاص إلا بعد اكتشافنا لأحد منشورات هذا التنظيم التى وقعت في أيدي أحد أفراد دورتنا في سوريا، والتي كانت ترسل للمسيحين الذين كانوا معنا في الدورة والبالغ عددهم 20 شخصا.. وما زاد فضولنا واستغرابنا هو سخافة الأسلوب التى تضمنته النشرة.. كالعبارات التي تقول (الخروف الغبي يصادق الذئب) أو ما ورد فيها من تعليمات إقراء النشرة واعمل على توصيلها إلى غيرك. وهذا الأسلوب لا يمكن ان تستعمله جماعة تريد الاصلاح أو تطالب بحقوق فئة معينة في اريتريا.
وبعد فترة أصبحت تلك النشرات ومعها بعض الرسائل تصل للمسيحين في دورتنا بصورة متصلة ومنظمة مما جعلهم يشعرون بالقوة ويستفزون جنود جبهة التحريرالقادمون من الميدان بعبارات التهديد والوعيد بالانتقام بعد ظهور تنظيمهم المرتقب في الساحة الاريترية، وكانت أدبيات هذا التنظيم تحمل اسم (طحيشا) أي ادعس و(سنطق) والتى تعني اخرق.
ونفس هذه التنظيمات ظهرت في الساحة بعد عودة اسياس افورقي من الدورة في الصين الشعبية في عام 1968. تلك العودة واكبت الانقسامات والخلافات بين قادة المناطق الخمسة والتي اشتدت حدتها بعد اعلان المنطقة الرابع والخامسة والثالثة عن تحالف اطلقوا عليه الوحدة الثلاثية مما جعل المنطقتين الأولى والثانية تتمسك برفضها في الدخول في الوحدة،إلا ان جنود المنطقتين الذين كانوا يلتقون في برنامج توحيد الساحة الاريترية مناطقها الخمسة ويشتركون في الاعداد مع اللجان الشعبية بمساعدة الجنود من مختلف الناطق والتى ظهرت في عام 1968، تحت اسم لجنة الاصلاح وكانت وفودها تجوب الساحة الاريترية لتوعية الجنود وتحريكهم للضغط على قادة الناطق، مما تسبب في طرد بعض الجنود النشيطين في هذا الجانب من قبل تلك القيادات ولكن واصلت اللجان عملها في السودان حتى تمكنت من اقناع القيادات المتصلبة بالقبول بالوحدة العامة.
كانت النتيجة انعقاد مؤتمر “ادوبحا” في شهر اغسطس عام 1969. والذي تمخضت من القيادة العامة، وانتخب اسياس افورقي عضوا في قيادة “ادوبحا” دون التعرف على هويته وخلفيته السياسية،وكما كانت عملية انتخاب اعضاء قيادة ادوبحا عشوائية وكما كانت بدايتها شاذة كانت نهايتها مأساوية لم تتسبب في اسقاطها فحسب، بل ساهمت في انتكاسة الثورة. عندما نتحدث عن الكوارث في الساحة الاريترية ونربطها بتنظيم الجبهة الشعبية وكأن هذا التنظيم هو المسؤول الوحيد عن كوارثنا واخفاقاتنا، لهذا إن أي تناول لتاريخ الثورة الاريترية سيكون ناقصا دون مطالعة صفحات الماضي وخصوصا تلك الحقبة السوداء من تاريخ قيادة “ادوبحا” ، ولولا سلوكها القبلي لما وجدت اليوم الجبهة الشعبية أو وجد في الساحة شيئا اسمه قوات التحرير أو المجلس الثوري أو كل المسميات الثورية التى وجدت كرد فعل لأعمالها العدوانية.
لم يمر على انتخاب قيادة “ادوبحا” سوى ثلاثة اشهر، وبدأت باعلان الحرب على كل من لا يتفق معها في طرحها،وكان شعارها السياسي المعلن (الضرب بقبضة من حديد) ولو وجهت ضرباتها ضد قوات الاحتلال لوجدنا لها عذرا على بعض هفواتها السياسية، ولكن وللأسف كانت ترى قيادة أدوبحا أن هذا الشعار لم يتحقق إلا بعد إجراء التصفيات من الداخل وكما بدا لنا من تصرفاتها في تلك المرحلة، قد حددت اسلوب المواجهة بطريقة غير مألوفة في الساحة الاريترية بفتحها لأول مرة في تاريخ الثورة الأريترية سجون للمناضلين وفي نهاية عام 1969 قامت القياد ة العامة باعتقال ستة من اعضائها ينتمون كلهم لمنطقة البحر الأحمر. وفي نفس اليوم ألقت القبض على كل من يشتبه فيه مقاومة لقرارها هذا ، وكنت في تلك الفترة عائدا من سوريا وقد تم إلحاقي بسلاح الهندسة الذي كان يرأسه ابراهيم جميل عضو قيادة ادوبحا والذي تم إعتقاله مع الستة. حيث أخبرني عضو القيادة السيد صالح جمام بضرورة إعتقالي وعندما سألته عن الأسباب كان رده أنه مجرد إجراء أمني، تم الحاقي بمن سبقوني في الاعتقال بساعتين أو ثلاثة من بينهم الشهيد ابراهيم عافى ومنصور سعيد وموسى باقر وعلى زبوى وأبوعلي وغيرهم من جنود الوحدة الثلاثية الذين كانوا يتبعون لأجهزة أعضاء القيادات الستة المعتقلون. وبعد مرور اسبوع كامل على الاعتقال حضر إلينا الشهيد جعفر جابر عضو القيادة العامة ليعلمنا بقرار الافراج عنا ونقل أخبار توليه مسؤولية سلاح الهندسة خلفا لابراهيم جميل المعتقل، وحاول الشهيد جعفر تبرير موقف القيادة بالقول ان قرار اعتقالنا لا علاقة له باعتقال أعضاء القيادةالستة، بل كان مجرد اجراء أامني اقتضته الضرورة لمنع الاضطرابات.
وفي نفس الوقت طلب مني الالتحاق بسلاح الهندسة قسم هيئة التدريب كما تم توجيه الشهيد ابراهيم عافه في نفس التخصص قسم التصنيع بسلاح الهندسة كما التحق معنا في نفس الجهاز المناضل مسفون حقوس. وبعد تحركنا من المكان الذي مكثنا فيه أكثر من اسبوعين بما في ذلك اسبوع الاعتقال، بدأنا نتسائل عن الاسباب التى جعلت قيادة أدوبحا تختارنا نحن دون غيرنا من المناضلين لتعاملنا بما لا يليق بتاريخنا النضالي وحاولنا التشاور أنا والأخ الشهيد ابراهيم عافه وبعدها وسعنا دائرة التشاورمع الجنود الذين شملتهم عملية الاعتقال لتحديد موقفنا من الاحداث التى اصبحت تهدد الساحة بحرب أهلية واتفقنا أن تكون مهمتنا الأولى جمع المعلومات عن مصير المعتقلين الستة وإرسال الشهيد ابراهيم عافه والشهيد أبو على إلى منطقة البحر الأحمر لإنذار القوات التابعة للأجهزة التي كانت تحت امرة أعضاء القيادة الستة. وكانت مهمة الشهيد عافه أن يصل حتى منطقة “شعب” ، ومن هناك يتوجه إلى بورتسودان والخارج على أن يواصل أبوعلى طريقة إلى جبل “قدم” ومنطقة اكلى قوزاي حيث تتواجد الأجهزة التابعة للمتقلين. وبالفعل تمكنا عافه وأبوعلى من تأدية مهمتهما بصورة جيدة. حيث انطلقت وفود شعبية من منطقة البحر الأحمر لتنقل احتجاجاتها وغضبها على عملية الاعتقال التى اطلقت عليها الجماهير إعلان الحرب على اقليم البحر الأحمر. كما ناشد العقلاء من مختلف القبائل والعشائر قيادة أدوبحا بأن يطلقوا سراح المعتقلين الستة لتجنيب الساحة الاريترية خطر الوقوع في حرب أهلية تؤدي الى ضرب الثورة من داخلها.
إلا أن القيادة العامة لم تولي اي اهتمام لتلك الاحتجاجات، حيث واصلت عدو انها المعلن ضد فئات معينة في الساحة الاريترية وشمل هذا العداء سكان منطقة سمهر وجماهير المرتفعات حيث ان عملية اعتقل سلمون ولدى ماريام العقل المفكر للتنظيم المسيحي من قبل قيادة ادوبحا، كان بمثابة فرصة ذهبية لأسياس افورقي الذي تولى قيادة المجموعة نفسها بعد اس تنفاره جميع المسيحيين الاريتريين الذين قام سلمون ولدى ماريام بتجنيدهم قبل دخول افورقي الميدان حيث مع مجموعته إلى سلد القريبة من سقنيتى منطقة اكلى قوزاى.. وبقى في المنطقة الجبلية دون ان يكون له اي نشاط يذكر.. في هذه الاثناء تحركت القوات التابعة للأجهزة العس كرية التى كانت تتبع لأعضاء القيادة الستة باتجاه بركا لمقابلة القيادة العامة وبحث قضية الاعتقال معهم، والاستفسار عن مستقبلهم في ظل الظروف الغير مستقرة، والاشاعات التى تقول بأن القيادة العامة تنوي تصفيتهم في حالة رفض تعليماتها بخلط قواتهم حسب الخطة الموضوعة.
وكان المناضل الأمين سعيد قد تم اختياره للتحدث باسم المجموعة التى اتخذت قرار محاورة القيادة العامة بدلا من الدخول معها في مواجهة مسلحة.. إلا ان الجنود الذين اتخذوا تلك الخطوة لم ينجوا بعضهم من الاعتقال والبعض الاخر تم إجباربعضهم على القاء السلاح والتوجه إلى السودان.. واصبحت بورسودان مزدحمة بجنود الوحدة الثلاثية نمم لفت انتباه السلطات السودانية وارتفاع صوت رجال الأمن خوفا من أن تتحول ندن السودان إلى ساحة جنود بعد اقناع الشهيد عثمان سبى بضرورة اتخاذ موقف واضح وصريح من قيادة ادوبحا، واتخاذ الاجراءات الكفيلة لتمكين الجنود من العودة غلى الساحة الاريترية.. كان المناضل محمد على عمر وعمر أبو طيارة وعمر دامر ورمضان محمد نور يتبنون موقف تأسيس تنظيم عسكري جديد لمواجهة القيادة العامة والطلب من الشهيد عثمان سبى تزويدهم بالسلاح والمال لتنفيذ خطتهم.. وتمكنوا بالفعل من تنفيذه بعد أن تم تاجير اسطول جوي لنقل الجنود من السودان إلى عدن ووضع كافة امكانيات الثورة التى كانت تملك مستودعات السلاح في جزيرة كمران تحت تصرف التنظيم الجديد التنظيم الجديد.. ومن عدن كان يتم ارسال الجنود غلى منطقة دانكاليا.. ولم تستغرق عملية نقل وإدخال ال جنود سوى أربعة اشهر.. وبعد وصول القوات المذكورة إلى دانكاليا دعت إلى عقد مؤتمر في منطقة سدوحا عليلا اشترك فيه الشهيد عثمان سبى وجميع اعضاء المكتب السياسي في الخارج وعدد قليل من رجال الصاحافة والاعلام.. حيث خرج مؤتمر سدوحا عليلا بقرار اعلان تنظيم عسكري سياسي جديد باسم قوات التحرير الشعبية.
كانت هذه التطورات حدثت وأنا لا أزال في الميدان في قسم الهندسة التابع للقيادة العامة لأنني لم أجد فرصة التوجه إلى السودان بعد أن أوكلت إلى مهام تدريب ثلاثة سرايا في بركا وتعييني على واحدة منها بعد انتهاء التدريب مسؤولا عليها.. وكانت الخطة عدم تمكيني من التحرك من تلك المنطقة حتى لا التحق بقوات التحرير الشعبية.. وبعد خروج قوات الشعبية إلى منطقة دانكاليا وانشغالها بتدريب المستجدين وتنظيم نفسها بالاضافة الى مقاومة الزحف المكثف للجيش الاثيوبي الذي استخدم كافة القطاعات العسكرية الجوية والبرية لمنع تقدم القوات الجديدة القادمة من عدن.. لهذا اصبحت القيادة العامة مطمئنة بعدم قدرتنا في التوجه الى منطقة سدوحا عليلا في دانكاليا في ظل تلك الظروف المعقدة.. مما جعلها تصدر على الأمر بالتوجه إلى منطقة عدشوما التى التقيت فيها بالمناضل محمود بشير قائد الفصيلة، وتم الاتفاق بيني وبينه لوضع خطة محكمة تمكننا من الالتحاق بقوات التحريرالشعبية في أول فرصة.. وبعد ذلك توجهت بسريتي إلى منطقة اكلى قوزاي تحت امرة عضو القيادة العامة عبدالله ادريس، وهناك التقيت ايضا ببعض الجنود الذين اعرفهم في الوحدة الثلاثية وتحدثت معهم ووجدتهم في اتم الاستعداد والشوق لاستقبال قوات التحرير الشعبية ومن ثم الالتحاق بها.. في هذه الفترة تم الاتصال بيني وبين مجموعة اسياس افورقي عن طريق الوسطاء من جانبنا، كان المسؤول عن ذلك الاتصل محمود بشير الذي كان يرابط في منطقة عدشوما، ومن جانب مجموعة اسياس افورقي كان يقوم بالاتصال شخصا اسمه ودى هيلى وطلب مندوب اسياس من محمود الذخيرة بحجة انهم يشعرون بتهديد وتحرشات من جنود القيادة العامة، ومن أجل حماية انفسهم من أي هجوم محتمل.. في تلك المرحلة كل شئ يقال عن القيادة العامة لا يستطيع احد تكذيبه إلى ان تحولت جبال اريتريا إلى معتقلات ووديان حفرا وأدوبحا إلى مجازر بشرية، لهذا فإن خطورة اسياس افورقي ومجموعته الطائفية بالرغم من معرفتنا المبكرة بتوجهاتها الضيقة، إلا انها حتى تلك اللحظة لم تشكل أي خطورة أو تهديد على أرواح المناضلين.. بينما سلوك قيادة اد وبحا قد جعل الجميع يتحد ضدها.. هذه لم تكن قناعتي وحدي، بل الجميع كانوا يشعرون بضرورة دعم جماعة اسياس افورقي وتمكينها من الصمود واعدادها للانضمام إلى قوات التحرير الشعبية.. وهذا هو ما حدث بالفعل، قدمنا المساعدات الممكنة لمجموعة اسياس افورقي واستمر الاتصال بيننا وبينهم.. وكانت رؤيتنا متفقة حول توحيد الموقف ضد تصرفات قيادة ادوبحا.
طالما نحن بصدد كشف الأوراق التاريخية علينا أن نسرد الحقائق بأمانة وبدون مغالاة.. إن مجموعة اسياس افورقي لم يتجاوز عددها في تلك المرحلة اكثر من عشرين شابا، ربما كان هذا الرقم الشئ الذي كان يظهره لنا اسياس افورقي اثناء لقاءاته بنا قبل وصول قوات التحرير إلى منطقة البحر الأحمر.. وكان ربما يستحسن الظهور بمظهر الضعيف لكسب عطفنا وحتى لا تتجه الانظار إليه وتسلط القيادة العامة الأضواء عليه، وربما تسلك قوات التحرير نفس المسلك لمنعه من بناء قوة طائفية.. لهذا يجب عدم تغيير قناعتنا القديمة والادعاء بأننا كنا نعرف اسياس افورقي وخططه الهدامة منذ أن وجد في الساحة وكنا عاجزين من اتخاذ التدابير الكفيلة لمنعه من تنفيد برامجه التخريبية.. هذا الأمر لم يكن موجودا على الاطلاق.. إن معرفتنا بأسياس افورقي كانت محدودة.. وكنا نعتبره رغم الأخطاء التي كنا نشاهدها هنا وهناك من جماعته لأنه في النهاية مستهدف مثله مثل غيره من القيادة العامة التى اصبحت لا تفرق في عدوانها بين المناضلين وعدو.
من هذا المنطلق قد يعترف البعض من زملائنا القدماء بأنهم ربما اخطأوا في منح الثقة المطلقة لأسياس في تعملهم معه بدون أن يتركو خط للرجعة.. ولكن ما لا يمكن أن ننكره بأننا أحيانا كنا نقف مع اسياس ومجموعته في خندق واحد لمنع جنود القيادة العامة من تصفيتنا كما كنا نقف معهم في خندق واحد في مواجهة العدو الاثيوبي.. الشئ الوحيد الذي يمكنني الاتفاق فيه مع من ينتقد سلوكنا في تلك الحقبة التاريخية من تاريخ الثورة هو ان مجموعة اسياس افورقي كانت تعمل ببرنامج وخطط مدروسة ومرسومة.. وقد نكون نحن كنا نعمل بدون خطة او برنامج.. ولا اعتقد بانه تغير شيئا في هذا الأمر حتي يومنا هذا، بل على العكس ان جماعة اسياس انتقلت من مرحلة التخطيط المحلي أو الاقليمي على محلة الدخول في لعبة الاستراتيجيات الدولية.. ويجب ان نسال انفسنا إن جاز لنا السؤال عن مثل هذه القضايا.
اين نحن من هذا الأمر؟
أو الاصح من نحن عندما نتحدث الجمع؟
هنا عندما نقول جماعة اسياس افورقي في الماض ي والحاضر تنطلق من قناعة ثابتة بأن هذا الاسم اصبح مرادفا لكلمة المرتفعات الاريترية او المسيحيين الاريتريين.. ولكن هل ينطبق هذا الامر على واقعنا؟.. كم منا يقبل أن يكون اسم عبدالله ادريس أو الشيخ عرفي أو أبو سهيل أو أحمد ناصر وغيرهم من الاسماء البارزة أن تكون مرادفة لكلمة المسلمين في اريتريا ن من هذا الفهم والمنطلق يجب أن نعترف بأن ظروفهم تختلف عن ظروفنا حتى لا يكون منطلقنا في معالجة أخطاء الماضي نفس اسلوب الجبهة الشعبية التى تدعي أمام الملأ بأنها جبهة شاملة يستظل في ظلها كل أبناء اريتريا بقبائلهم وعشائرهم ود ياناتهم، ولكن في الحقيقة أنها جبهة لمجموعة (سنطق وطحيشا).
كان ذلك في عام 1971، عندما التقى اسياس افورقي بأعضاء قوات التحرير الشعبية برئاسة المناضل محمد علي عمرو في جبل (قدم) منطقة البحر الأحمر.. بدأت الفكرة هذا اللقاء في ذهن أفورقي قبل وصول قوات التحرير الشعبية إلى المنطقة المذكورة، غير أن عوامل وظروف عديدة حالت دون ذلك.. سواء ما كان يتصل منها بظروف جماعة اسياس أفورقي التي كانت معزولة وقتها، ومع ذلك لم تقطع اتصالاتها بقوات التحرير الشعبية أو بأي قوة كانت ترفع شhttps://adoulis.net/admin.php?opt=ent&act=edit&id=5648عار معارضة القيادة العامة.. مثل قوات (عوبل) التي قامت بمبادرة اطلاق سراح المعتقلين الستة ورفاقهم من مختلف فصائل الوحدة الثلاثية سابقا.
انتشار هذا الخبر لم تستقبله مجموعة اسياس أفورقي بارتياح.. لخوفها بأن لا يحدث اتصال مباشر بين جماعة عوبل وقوات التحرير.. وتصبح بذلك مجموعة اسياس أفورقي القوة الثالثة في التجمع المعارض لسياسة القيادة العامة.. وكما توقع اسياس ارسلت قيادة قواتة الحركة الاصلاحية عوبل بقيادة المناضل محمد التحرير الشعبية، وفدا باتجاه بركا للقاء بقياد عمر أبو طيارة للتفاوض مع الرجل القوي في ذلك التجمع المناضل محمود ديناى حول مصير أعضاء القيادة الستة الذي تم إطلاق سراحهم.. ولأسباب لم تعلن عنها مجموعة عوبل مؤتمرها الأول.. وفي خضم هذه الأحداث تم اللقاء بين اسياس أفورقي ممثلا لجماعته والمناضل محمد على عمرو ممثلا لقيادة قوات التحرير الشعبية.
بدأ عمرو يشرح الظروف الصعبة التي مرت بها قوات التحرير الشعبية في دانكاليا وما استجد في الساحة الاريترية من تطورات وأفكار التي تحملها القوات الجديدة.. وقبل الاستماع إلى ما يحمله اسياس أفورقي من أفكار وشكاوى ومعاناة إلى قيادة التحرير الشعبية.. واصل عمرو حديثه وهو يسلسل ما تريد قوات التحرير الشعبية تغييره في الساحة ودخل في موضوع المظالم والاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون في الساحة الاريترية.. وكأنه كان يقرأ ما يدور في العقل الباطني لأسياس أفورقي.. وقبل أن يعطي فرصة الرد لأسياس أفورقي.
قال له سأتركك الان تلتقي بكوادر قوات التحرير الشعبية وستعرف بعضها عن أي تطور كنت أتحدث معك.. اجتمع اسياس بالمجموعة المستجدة عملا بنصيحة محمد على عمرو وكان على رأسها المناضل الشهيد ابا بكر محمد حسن وأحمد طاهر بادوري وأحمد القيسى وعلى السيد عبدالله.. حيث تبادل معهم وجهات النظر.. ولم يحتاج اسياس إلى وقت طويل لكشف اتجاههم السياسي أو هويتهم اليسارية.. إذ سبق غيره في الساحة الاريترية بتلقى دورة العلوم السياسية في الصين الشعبية.. ولكنه كما يقول عن نفسه أنه رجل برغماتي لا تخدعه الشعارات الماركسية أو الطرح الرأسمالي.. ومع ذلك وجد في عرض المجموعة المستجدة شيئا لن يتوقعه من قوات التحرير الشعبية.
أولا: إعلانها التمرد على مؤسسها الشهيد عثمان صالح سبى ودخول كوادرها في صراع فكري مع من أسمتهم بالمتخلفين فكريا أو المعوقين لعمليات الإصلاح الثوري أمثال المناضل محمد عمر أبو طيارة وعمر دامر.. وتصنيفهم لمجموعة المهضومة الحقوق ومن الطبقة المسحوقة التى يجب أن تقود ثورة الفلاحين.. الا ان اسياس أفورقي بالرغم من اعجابه بالطرح والتحليل للمجموعة المستجدة.. لم يتجاوب معهم بالسرعة الذي كان يتوقعها منه الاخرون.. لأنه لم يكن يثق بأن تجارب عام واحد غيرت من عقلية المناضل محمد على عمرو بدرجة تجعله يدين نفسه بنفسه.. كما أن ثقته الغير محدودة على المستجدين اليساريين من أن يتريث للتأكد.. أولا عن حقيقة الأمر.. حيث لجأ إلى صديقه في الدورة رمضان محمد نور الماركسي والعدو اللدود لمحمد على عمرو في السر وصديق الدراسة والنضال في العلن.. ليسأله فيما إذا كان ما سمعه من روايات هو لعبة من الالعاب السياسية لمحمد على عمرو.. ولكنه بعد قليل اكتشف من أن لعبة الكوادر المستجدين سوف لن يجيدها أحداً في الساحة الاريترية إلا من يملك منهجا سياسا لتغيير الموازين في الميدان.. وأكد له رمضان بأن عمرو لا يملك برنامج سياسي ولا عسكري لإجراء التغيير ..لهذا ناشده بأن يثق على المجموعة الجديدة ويتعاون معها من أجل تحقيق أهدافها ..ويقال بأن رمضان واسياس أفورقي تعاهدا بأن يعملا معا في دعم المستجدين، بشرط أن لاتضم قائمة العاملين في أي حزب أو جبهة يتم تأسيسها ويدخل فيها اسياس أفورقي طرفا اسم محمد على عمرو.
بعد ساعتين أو ثلاثة أنهى اسياس أفورقي اجتماعه بكوادر قوات التحرير الشعبية،وعاد “اد ” لاستقبال أعضاء القيادة الستة المعتقلين الذين تم إلى عمرو الذى كان منهمكا في الإعد الافراج عنهم عبر وساطة المناضل أبو طيارة الذى رافقهم إلى السودان، وارسلت قيادة قوات التحرير الشعبية طوفا بقيادة الشهيد أحمد عمر حسب الله لإحضارهم للميدان. كان عمرو يتحدث مع اسياس أفورقي. كما لو كان يمسك بالحبال من كل جانب. هناك حوارات مفتوحة مع مجموعة عوبل، وهناك المعتقلين الستة على طريقهم إلى الميدان، وهناك طموحات لبناء قوة مسيحية تكون تحت امرة قوات التحرير الشعبية وكل ذلك لإرعاب خصومه وإضعاف سيطرة الشهيد عثمان صالح سبى.
وبدأ اسياس يتأكد من مصداقية كلام رمضان محمد نور بعد أن استمع في الاجتماع الثاني إلى كلام عمرو وطموحاته في تغيير الميدان، ولم يكن اسياس افورقي غبيا لتصديق كل ما قاله له عمرو، ولكنه في نفس الوقت استفاد من المعلومات التى أدلى بها عمرو وفي مقدمت/ها طبيعة الصراع وأسبابها بين قوات التحرير الشعبية والشهيد عثمان سبى.
ثانيا : التعرف على برنامج بناء قوات التحرير الشعبية ومصادرها التموينية طالما قطعت علاقاتها مع سبى.
ثالثاً : الخطة الموضوعية لتجنيد المستجدين.
واتضح له من الأجوبة التى حصل عليها من المناضل محمد على عمرو بأن قوات التحرير الشعبية تراهن على تعاون مجموعة اسياس أفورقي في بناء القوة الجديدة بعد انقطاع المساعدات الخارجية وانسحاب مجموعة ابو طيارة من الحلف.
ان زيارة أفورقي الاستطلاعية لقوات التحرير الشعبية و الذي كان يتوقع من نتائجها في اصعب الظروف الحصول على كمية بسيطة من الاسلحة والذخائر لتسليح مجموعته التى لم يتجاوز أفرادها عدد الاصابع في تلك المرحلة. ولكن تلك الزيارات اثمرت الكثير مما لم يكن يحلم به اسياس أفورقي أو مجموعته في بداية السبعينات.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة.
من محرر عدوليس :
تمت اعادة النشر هذه الحلقة والحلقة السابقة والحلقات التي ستلي طبقا للأصل ، بما في ذلك الأخطاء الإملائية وتلك المتعلقة بالطباعة ، منعا لأي ادعاء بالتحريف ، فقط تم التدخل من المحرر لوضع تقويس لأسماء البلدات والقرة وأسماء بعض المواقع او حذف نقاط زائدة عن نهاية كل جملة.