رئيس اتحاد الكُتاب الاريتريين بالمهجر.. “له في مصر أسفاراً وتجارة”
بواسطة /ذات مصر
حوار/خالد طه
هنا في قاهرة المعز، يخلق الروائي والإعلامي رئيس اتحاد الكُتّاب الإريتريين بالمهجر، محجوب حامد، مساحة مختلفة للحياة، إذ يمارس بجانب أنشطته الإبداعية، أعمال البقالة والعطارة وبيع الكُتب في مكان واحد أسفل أهرامات الجيزة التي يستلهم منها القوة والصلابة والبقاء والاستمرار، كلما ألقت الشمس بأشعتها الصباحية على قممها أو حملت (حرارتها) لتستريح خلفها ليلاً.
ما بين التدريس الذي اختاره مهنة له في بداية حياة العملية مطلع تسعينيات القرن المنصرم في وطنه الخارج لتوه من استعمار إثيوبي عضوض، ثم انتقاله إلى الصحافة الورقية ومنها إلى التلفزيون قارئاً للأخبار ومقدماً ومعداً للبرامج، وجد محجوب نفسه مثله مثل بقية الإريتريين، وللمرة الثانية، يختار المنفي مؤقتاً بديلاً إلى حين عودة مرتجاة، فكانت القاهرة وجهته، حيث أنشأ متجراً يتخذه بجانب كونه سبيلاً للعيش، وطناً بديلاً، إذ يعج بسلع من منتجات بلده المختلفة (بخور وعطور وأطعمة وأعشاب وزيوت وتوبل وبهار ..)، بجانب تخصيصه جزءاً منه مكتبة لعرض وبيع الكتب الإريترية المؤلفة باللغة العربية في مختلف ضروب الإبداع من شعر ورواية واجتماع وسياسية وتاريخ وخلافه.
أندلسية العينين
شاعرُ وقاص وروائي، لا يتوقف عن الحراك في فضاء الثقافة والكتابة والإبداع، فمنذ أن هبط مصرا أصدر مجموعته الشعرية الذائعة (أندلسية العينين)، ثم رويداً أعقبها بمجموعة قصصية موسومة بـ(شنكيباي)، قبل أن يفتتح متجر (سنابل) نواحي الهرم ليكون قبلة للإريتريين والسودانيين والمصريين يلبون فيه بعض احتياجاتهم ويتثاقفون هوناً ما.
بين هذا الواقع وتلك الرؤية تحوّل محجوب مُجدداً إلى لاجئ، لكنّه هذه المرة حمل وطنه حقيبة حين أصبح السفر نجاة وحملها كتاباً حين أصبحت الغربة بُداً، وحملها متجراً لمعادلة العيش والاستمرار، فيما ما يزال يصنف نفسه على انه مُهاجراً قسراً.
ليس مجرد (بيزنس)
إلى حين انتهاء الازمة المزمنة، وفي انتظار (سفينة نيرودا) المبشرة بعودة الفارين، يقول محجوب لـ ذات مصر، العلاقة بين كل هذه الأشياء، أنها تحمل جميعها عبق المكان إلى وتجعل أريجه حاضراً في أمكنة أخرى، بعيدة عنه. يضيف، للقهوة مكانة خاصة عندي كما عند الشعوب التي انتمي إليها، لذا تجد هنا – في متجري هذا – كل ما يتعلق بها من أدوات وأوانٍ وأصناف مختلفة من البن والبخور، مع الكثير من السرد والشعر، فالقهوة حكاية وقافية أيضاً.
يستطرد: بيع الكتب، والمنتجات الفلكلورية إحياء لفنون وثقافات مادية محلية قديمة، وأنماط من الفنون التشكيلية والتطبيقية التي لم تزل تًشكل حضوراً فعالاً ومؤثراً في الوجدان الجمعي، وهو عموما نشاط لإحياء جزء من التراث.. وكما يقال بيع الكتب ليس تجارة، لأنه نوع من الوله الخاص، فالكُتب مع بقية المنتجات بوقعها وعطرها تعين على استدعاء طاقة إيجابية للعاملين في المحل الذي اخترنا له اسم (سنابل) ليمنح زائريه وعملاءه طاقة يمتد نطاقها تعيدهم إلى تلك الأمكنة ومن هم في حالة اغتراب.
حقوق ومطالب
وفقاً لمحجوب، فإنّ فكرة إطلاق اتحاد الكُتّاب الإريتريين بالمهجر؛ الذي أتشرف برئاسته دورته الحالية، كانت لضرورة إيجاد مظلة إبداعية مستقلة وجامعة للكُتّاب في مختلف مجالات الفعل الثقافي والفني في إريتريا، من شعراء وروائيون وباحثين ومترجمين ومؤرخين وقصاصين ونقاد ومهتمين بترقية وتطوير الأداء الكتابي والثقافي والأدبي الإريتري بجميع اللغات المحلية والاُخرى، وتُحقق أهداف المُبادرين، حيثُ تم في 30 أكتوبر 2021 الإعلان الرسمي لانطلاق برامج وأنشطة الاتحاد، فامتدت جسور التواصل مع الاتحادات والروابط والجمعيات والمراكز الثقافية، والمكتبات والصحف والمجلات والدوريات الأدبية، فضلاً عن العمل على تذليل عقبات الطباعة والنشر والتوزيع، وتنظيم الفعاليات، وفق رؤية ابداعية واضحة، بجانب الاشتغال على الشق المتعلق بطرح قضايا الكُتّاب ضمن الهموم والمطلوبات العامة لمكونات الشعب الإريتري في الداخل والمهجر؛ فأصبح الاتحاد منصة إعلامية ذات التزام واضح حيال قضايا التحوِّل الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحريات والحق في الحياة الآمنة، وهو أيضاً جُزء فاعل في الحراك الإيجابي للمجتمع المدني الإريتري في الداخل والخارج، يعمل على نشر المنتوج الأدبي والإبداعي بمختلف الوسائل، وله إصدارة فصلية موسومة بـ (نوافذ) أردنا من خلالها أن يطل الأدب الاريتري عبرها على العالم.
كما أن إنشاء الاتحاد يعتبر خطوة في اتجاه إرساء العمل المدني في اريتريا التي لا توجد فيها أجساماً فئوية ونقابية ومهنية، علاوة على رفد الحركة الإبداعية بمسارات جديدة.
حول دافعه من إطلاق متجر (سنابل) يقول رئيس اتحاد الكُتاب الإريتريين بالمهجر، لـ ذات مصر، إن الهدف من ذلك هو جمع المال من أجل تأسيس دار للنشر والتوزيع تهتم بمنطقة القرن الافريقي، فقد عانيت شخصياً من عدم القدرة على طباعة ونشر أعمالي الأدبية، وأعرف أنّ الكثيرين من الزملاء المبدعين يكابدون ذات الواقع، بسبب عدم القدرة على الطباعة، وكانت النتيجة المنطقية لكل ذلك هي حالة العزلة والانقطاع عن المحيط التي يعيشها الكتاب والمبدعين الاريتريين.
أنشطة أخرى
بجانب ذلك، ينشط محجوب في مجال الإنتاج الفني وتنظيم الندوات الثقافية وإعداد الدراسات والبحوث المتخصصة، فهو عضو نشط بالمجلس الاستشاري للاتحاد والتعاون المشترك، واللجنة العليا لجائزة ضمن طاقم مبادرة مكتبة بجانب مطلقيها عبد القادر حكيم ومنى محمد صالح وعبد الله خيار، وقد واجهتها الكثير من المصاعب المتعلقة بشروط النشر الإلكتروني، فاضطرت على حذف مئات الكتب من موقعها واكتفت فقط ببعض الإصدارات الاريترية، بعد أن أصبحت إحدى أهم المنصات الإلكترونية للحصول على الكتب في منطقة القرن الافريقي.
إبداع الكفاف
بالنسبة لمحجوب حامد ، فإنّ مهمة تهيئة الأجواء السليمة للمبدعين أمر واجب، فهم في العادة أكثر التصاقاً بواقعهم المحلي، بل كلما أوغلوا في تلك المحلية وانعكست في انتاجهم الإبداعي، كلما مُهد لهم ذلك الطريق نحو الانتشار والذيوع خارجياً؛ عبر التفرد والخصوصية؛ ما يجعل قرار الهجرة أشد وطأة عليهم من سواهم، يمضي محجوب قائلاً لـ ذات مصر، إن هجرة المبدعين تعني أنهم ينشدون قليلاً من الإنصاف وكثيراً من الإنسانية، وبعض الأمان، ففي خضم سعيهم نحو تحقيق ذلك ربما يجدون فائضاَ من العسف والتنكيل أيضاً، كما أنه ليس صحيحاً دائماً أن (المعاناة تولد الإبداع) فقد تنتج الحنق أكثر؛ خصوصاُ عندما ترتبط بهضم الحقوق وفرض إرادة مختلفة وإجهاض التطلعات المشروعة.
رؤية ورؤية اخرى
ولد القاص والرائي والشاعر الإريتري محجوب حامد في مدينة كرن بدولة إرتريا في يوليو من العام 1974، وسط حالة إضطراب سياسي وبين حربين أهليتين تخللتا حرب تحرير كبرى دامت لثلاثة عقود، وخاض وهو في سن الخامسة تجربة لجؤ اولى إستمرت لنحو خمسة عشر عاما، وشهد مأسي مريرة صادفت اجيال متعاقبة من المبدعين في ذلك البلد الشرق إفريقي كثير الخطوب.
الان، وفي ظل دعوات محمومة لأن (يموت الإنسان من أجل وطنه) يرى أن : “الأجدى أن يحيا الإنسان من أجل وطنه، حيث تزدهر حياته وقضيته معا بل وتترعرع إمنياته وأحلامه .. فاليحلم بفرصة ثانية قد تتاح في المنفى او تمهد لواقع جديد في الوطن” وهو هنا يتحدث عن الإنسان لإن السرَ بالسكَان لا بالمكان الذي جُبِل الكثيرين على مغادرته عنوة.