مقالات

قراءة أولية في كتاب الدكتور عند برهان ولدي جرجيس(2ـ 2) بقلم / محمد نور احمد

11-Feb-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ

سادساً: الحرب الإرترية – الاثيوبية (1998-2000):يحمّل الدكتور عند برهان مسؤولية هذه الحرب لإثيوبيا , وهو ترديد لما ورد في الاعلام الإرتري الرسمي عند اندلاع الحرب. حيث ذكرت الرواية الإرترية الرسمية أنّ المليشيات الاثيوبية التي كانت تتمركز في قرية بادمي قد هاجمت وحدة عسكرية إرترية وقتلت ستة من الضباط الإرتيريين. ومعلوم أنّ أسياس قد أصدر تعليماته للقوات الإرترية المرابطة في أعالي الغاش بالاستيلاء علي بادمي ثم سافر الي جدة في زيارة غير رسمية الي المملكة العربية السعودية لتفادي أي اتصال به قد يقوم به نظيره الاثيوبي ملس زيناوي – كانت تربط بينهما صلات وثيقة- وهو ما حدث بالفعل.السؤال الذي يرد الي الذهن من هم اولئك الضباط الذين وعم أنهم قتلوا في تلك الحادثة من قبل مليشيات (وياني) – كما زعمت تلك الرواية. وأين تمت مواراة جثامينهم , ومن قام بذلك , ولماذا لا يكشف عن مصيرها , ولماذا لم تنقل الى مقابر الشهداء تكريماً لهم كما حدث لشهداء معارك حنيش ضد اليمن في السابق؟؟! جدير بالذكر أنّ عند برهان كان جزءً من النظام الإرتري وهو مواكب لكل حدث في ذلك الحين.

السؤال الآخر لماذا قامت حكومة ارتريا (أسياس) بالاستيلاء علي بادمي التي كانت ( الجبهة الشعبية الإرترية ) قد سلمتها الي الجبهة الشعبية التغراوية عام 1984م بعد خروج جبهة التحرير الإرترية – التي كانت تسيطر علي بادمي وتتنازع عليها مع التغراي- من الميدان. نجد أن الجبهة الشعبية الإرترية بررت الأمر في الثمانينات بأن الخلافات الحدودية يجب أن تحل عبر وسائل ديبلوماسية او قانونية بعد التحرير. اذن لماذا استولت عليها في ظل الدولة بقوة السلاح بعد التحرير؟!حسب متابعتي للأحداث وبحكم موقعي كرئيس لقسم الدراسات الاستراتيجية في وزارة الخارجية , وقت اندلاع الحرب تلك الحرب العبثية , أقدر الأسباب كالآتي:1-طلبت حكومة اثيوبيا من الحكومة الإرترية تحديث مصفاة ميناء عصب التي زادت كلفة تكرير البترول الخام فيها نتيجة لعدم تحديثها , وما لم يتم ذلك فانها مضطرة لاستيراد البترول المصفى عن طريق ميناء جيبوتي , وهو ما قامت به عندما تجاهلت الحكومة الإرترية مطالبها.2-كانت الصادرات والواردات الاثيوبية يتم نقلها عبر ميناءي عصب ومصوع الإرتيريين وكانت تستعمل في النقل شاحنات تابعة للقسم التجاري لتنظيم الجبهة الشعبية الإرترية (هقدف). لكن الجبهة الشعبية التغراوية أنشأت شركة أطلق عليها جمعية تنمية تغراي التي امتلكت شاحنات نقل , وطلبت الحكومة الاثيوبية أن تكتفي الشاحنات الإرترية بنقل الواردات والصادرات الاثيوبية الي محطات حدودية بين البلدين حيث تتولي الشاحنات الاثيوبية عمليات النقل داخل اثيوبيا.3-كان الجهاز التجاري والاقتصادي لهقدف يشتري العملة الصعبة من داخل الاسواق الاثيوبية بالعملة الاثيوبية (البر) , ويبعث بها الي أسمرا عبر الحقيبة الديبلوماسية. فطلبت الحكومة الاثيوبية ايقاف ذلك العمل – الذي كان يؤثر سلباً علي الاقتصاد الاثيوبي- حتي لا تضطر الي تفتيش الحقائب الديبلوماسية الإرترية ومصادر المبالغ التي تحتويها.4-كذلك كان ذلك الجهاز التجاري يشتري البن الاثيوبي من الاسواق الاثيوبية بالعملة الاثيوبية ويعيد تصديره بالعملة الصعبة , فطلبت الحكومة الاثيوبية اقتصار شراء ارتريا للبن علي الكميات التي تحتاجها للاستهلاك المحلي , لأنّ التصدير من اختصاص الحكومة الاثيوبية حصراً.5-اضافة لذلك كان ذلك الجهاز يسرب المشروبات الكحولية المستوردة عن طريق التهريب (لتجنب دفع الجمارك) لبيعها في الأسواق الاثيوبية. فطلبت الحكومة الاثيوبية عندما اكتشفت ذلك وقف تلك العمليات , وأن تمر جميع السلع بين البلدين عبر نقاط الجمارك علي الحدود أو الحصول علي اعفاءات مسبقة من السفارة الاثيوبية في اسمرا للبضائع الإرترية , وفي حالة المخالفة هددت بمصادرة البضائع.6-طلبت الحكومة الإرترية من اثيوبيا أن يكون التعامل التجاري بين البلدين باستخدام العملتين المحليتين – البر والنقفة. لكن اثيوبيا رفضت ذلك وأصرت علي استعمال العملة الصعبة لأن البلدين مستقلين عن بعضهما , وأن يقتصر مرور العملات المحلية علي مبلغ لا يتجاوز عشرين ألف للمسافر بين البلدين كتسهيل للتنقل.هذه الأسباب تبين لنا الامتيازات التي كانت تحصل عليها الحكومة الإرترية من جارتها وخسرتها نتيجة للقرارات الاثيوبية , وأحسب أنها كانت وراء الحرب التي قررها أسياس أفورقي وتوهم أنها ربما تحدث تغييرا في النظام الاثيوبي فيسترد الامتيازات الاقتصادية , وحلم أن يحقق لنفسه كسباً سياسياً في أوساط الجماهير الإرترية باعتباره بطلاً قومياً. وهو كذلك كان يعتقد أن حكومة ملس زيناوي ستكون عاجزة عن الرد فتعنت عندما طلبت منه سوزان رايس مندوبة الرئيس الأمريكي كلينتون الانسحاب من بادمي واللجوء للوسائل السلمية والقانونية لحل النزاع , وقال قولته الشهيرة أنه “لن ينسحب من بادمي حتى لو أشرقت الشمس من المغرب” , لكنه في النهاية انسحب مرغماً ومقهوراً.سابعاً: جاء في الكتاب أنّ ثمة ضرورة للوعي بعدم الاندفاع وراء منطق “عدو عدوي صديقي” وأسماه المنطق المغلوط. وهو يعني رفضه التعامل مع اثيوبيا لأنها عدو وانّ ذلك سيفقدنا الجماهير في الداخل وفي المهجر.السؤال هنا هو عن أي اثيوبيا يتحدث الكتاب؟ اثيوبيا الامبراطور هيلي سيلاسي أم اثيوبيا منغستو هيلي ماريام؟ فان كان يعني ذلك فكلاهما الآن في ذمة التاريخ بفضل النضال المشترك للشعبين الإرتري والاثيوبي , وأنّ الحكومة الاثيوبية الحالية هي نفس الحكومة التي اعترفت بحق تقرير المصير لإرتريا. حيث طلب الراحل زيناوي الذي كان يقود اثيوبيا في قمة الاتحاد الأفريقي في أبوجا اجراء استفتاء في ارتريا بإشراف مندوبين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ,والذي أدي لاستقلال ارتريا والاعتراف به. ولولا ذلك لظلت ارتريا دولة معزولة بعد التحرير كما حدث لشمال الصومال (دولة Somali land أو أرض الصومال المعلنة من طرف واحد) لأنّ ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية الموّقع في القاهرة عام 1964م لا يسمح بتغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار ولا يعترف بأي كيان انفصالي لمنع تفتيت كيانات دول القارة الأفريقية – بحسب ذلك الميثاق. وبعث الاتحاد الأفريقي بلجنة مراقبة للإشراف علي الاستفتاء برئاسة عنصر سنغالي كنت قد التقيته بصحبة الصحفي السوداني يحيى العوض , وسألته عن سبب المشاركة في الاستفتاء رغم مخالفته لميثاق الوحدة الأفريقية , وقد تعمدت وضع السؤال بتلك الصيغة. فكانت اجابته ان الشعب الإرتري أقام حفلة عرس ودعانا لنرقص معه وهذا هو ما نفعله.اذن اثيوبيا الحالية ليست عدو للشعب الإرتري- كما يقول الكتاب – واذا كان هناك ثمة عداء فهو بين اثيوبيا ونظام أسياس أفورقي الذي لا يمثل الشعب الإرتري. وتعامل الحكومة الاثيوبية مع المعارضة الإرترية هو تعامل مع الشعب الإرتري. وفي السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم انما هنالك مصالح , ومصلحة المعارضة الإرترية الممثلة للشعب الإرتري هي اسقاط نظام أسياس. وتلتقي الحكومة الاثيوبية في ذلك مع مصلحة الشعب الإرتري , ومتي اختلفت المصلحة سيحل موقف آخر ربما يتحول الي العداء أو لا , فالعداء يخلقه تضاد المصالح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى