حوارات

حوار مع الأستاذ محمد نور احمد حول حرب السنتين وقضايا أخرى ( 1 – 2 )

21-Feb-2006

المركز

بادمي ليست السبب الحقيقي لإشعال حرب السنتين وأفورقي المستفيد الوحيد من الوضع المأساوي القائم حاوره في الخرطوم : جمال همد

الحوار مع الأستاذ محمد نور احمد عضو سكرتارية الحزب الديمقراطي دائما ما يكون ممتعا لكون الرجل يعتبر مخزناً للمعلومات وقد رافق مسيرة النضال الارتري منذ السنوات الاولى وعاصر عدة اجيال وشارك في الكثير من الوقائع التي مرت بها الثورة الارترية . في هذا الحوار يحدثنا الاستاذ نور عن قضيتين لازالتا تشغلان الرأي العام الارتري وهما اسباب حرب السنتين وتداعياتها من وجهة نظر الحزب الديمقراطي الارتري وما يمكن ان تؤول اليه الامور اذا استمرت حالة اللا حرب واللاسلم . النقطة الثانية هي حالة الصمت والتجاهل من قبل الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة تجاه الاوضاع في ارتريا وخاصة بعد الفضائح المتكررة لحالة حقوق الانسان في ارتريا من خلال تقارير المنظمات الحقوقية الدولية او تقارير وزارة الخارجية الامريكية . في هذا الجزء من الحوار سوف نكتفي بالنقطة الاولى فالى الحوار .تتصاعد الازمة بين الحين والآخر بين ارتريا واثيوبيا مما ينذر بوقوع حرب جديدة ، كما تتصاعد المواقف بين اسمرا والأمم المتحدة وتمثل ذلك في المضايقات التي اشتكى منها كوفي انان من عمليات طرد لبعض المراقبين الدوليين ويقاف تحليق حوامات الامم المتحدة ورفض استقبال نائبة وزيرة الخارجية الامريكية في اسمرا وقبلها رفض وساطة وزير خارجية كندا السابق ، السؤال الى اين تتجه الامور برأيكم مع القاء الضوء مجددا حول اسباب الحرب وتداعياتها ؟شكرا لكم على هذا الاهتمام بهذا الموضوع الحيوي وتأثيره على الوضع في كل من ارتريا واثيوبيا . بالنسبة لمسألة الحدود من المعروف انها ليست جديدة لكن بسبب الحرب اصبحت هنالك مشكلة ومنطقة متنازع عليها وهي منطقة بادمي والنزاع حولها قديم منذ عهد الثورة فقد حدث صراع بين جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير تقراي واستشهد جراء ذلك 14 مناضل من الجبهة ولكن بعد خروج جبهة التحرير من الميدان فإن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وبحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تربطها مع جبهة تحرير شعب تقراي رأت اعتبار ذلك تناقضاً ثانوياً ينبغي تأجيلة والتأكيد على التناقض الرئيسي بين النظام الاثيوبي آنذاك والجبهتين لذا اعادت المنطقة لتقراي ، فحتى الاستفتاء الذي جرى للاستقلال جرى في المنطقة على اساس ان السكان الارتريين يعيشون في منطقة اثيوبية بإقامة. ولم يكن احدا يتوقع ان تؤدي هذه المشكلة بالبلدين لحرب طاحنة ، حيث يفترض ان تكون العلاقات بينهما علاقات حسن جوار بعد ان عاش الشعبان ويلات الحروب والتدمير لسنوات طويلة ، فقد كلفت حرب السنتين حوالى 39 ألف مقاتل ارتري وقطعاً دفعت اثيوبيا عدد مماثل او أكثر من الضحايا . المسألة التي اثارت الحرب في الحقيقة لاعلاقة لها بموضوع بادمي التي كان يمكن حلها بالتفاوض وتقديم التنازلات بين الطرفين أو باللجوء للتحكيم الدولي ، صحيح ان اثيوبيا ارتكبت بعض الاخطاء فمليشياتها اصبحت تتوسع في الحدود منطلقة من ان هذه اراضي اثيوبية تحت السيطرة الارترية وهذا الامر استفز مشاعر الارتريين القاطنين في المنطقة مما أدى سريعاً لتعبئة الرأي العام الارتري ، وحتى القيادة الارترية عندما سئلت عن ذلك قللت من شأن ذلك وادعت ان الامر سوف يعالج بالحوار بين البلدين وكونت لجنة برئاسة وزير الدفاع الحالي وعضوية كل من يماني قبرآب المسؤول السياسي في الحزب الحاكم وأبرها كاسا مسؤول الأمن القومي ، وذهبت اللجنة لأديس ابابا وعادت ولم ينشر ما توصلت اليه مع الطرف الاثيوبي ،وبدلا من ذلك بثت الحكومة الارترية شائعات مفادها ان الاثيوبيين منشغلين بقضايا داخلية لذا تم تأجيل البت في الأمر ، كما ان ذلك تزامن بانشغال الحكومة الارترية بموضوع المصادقة على الدستور والعملة الجديدة ، وفجأة اندلعت الحرب والمبررات التي صاغتها ارتريا آنذاك تتلخص في ان ستة من الضباط الارتريين حاولوا الاتصال برصفائهم الاثيوبيين لمناقشة التعديات التي تقوم بها من المليشيات الاثيوبية على الحدود وبدلا من الحوار تم اغتيالهم غدرا بعد استدراجهم داخل الاراضي الاثوبية ، وهذا ما استفز الوحدات العسكرية الارترية في المنطقة مما دفعها للرد العسكري ، وتم تمرير الاشاعة لكون الرأي العام الارتري والجيش كانت تعبئته في ذروتها، دون النظر لتبعات ذلك سياسيا واقتصاديا ، واتضح بعد ذلك ان الامر تم بتدبير من الرئيس اسياس افورقي نفسه . ولأن الخلافات السياسية سابقة لكل ذلك حول العملة الارترية الجديدة عندما طالبت الحكومة الارترية وصيفتها بالتعامل بالعملة الارترية الجديدة في الاسواق الاثيوبية ورفضت الأخيرة ذلك كذلك مسألة نقل البضائع الاثيوبية من مينائي عصب ومصوع والتي كانت تنقل بوسائل النقل الارترية وقد استعاضت اثيوبيا عن ذلك ودون سابق انذار حيث استوردت منظمة تنمية تقراي اسطولاً من السيارات مما الحق ضرراً بالغاً بأسطول الشاحنات الارترية التي تتبع للحزب الحاكم ، كذلك الإتجار بالعملة الصعبة بواسطة الحقيبة الدبلوماسية الارترية مما الحق ضرراً كبيرا باحتياطي الدولار الامريكي في الاسواق الاثيوبية مما اضطر الأخيرة لتفتيش الحقيبة الدبلوماسية الارترية ، كذلك استغناء اثيوبيا عن مصفاة مصوع لتكلفتها العالية و شراءها النفط مكرراً من الاسواق الحرة بأقل الاسعار ، كما ان الحزب الحاكم في ارتريا كان يسرب كميات كبير من المشروبات الروحية الاثيوبية بطرق غير شرعية ، اضف الى ذلك اعادة تصدير بعض السلع النقدية الاثيوبية وكأنها سلع ارتريا كالبن والجلود . بالجملة يمكن القول ان المشكلات كانت تتفاقم بين البلدين . كما ان الرئيس اسياس كان يعتقد ان له ( افضال ) على حكام اثيوبيا اثناء فترة الكفاح المسلح وان ذلك سوف يسكتهم ، وعندما حدث العكس قال بأنه سوف (يؤدبهم ) كما قالها للرئيس الجيبوتي السابق ( حسن جوليد ) عندما جاء لأسمرا متوسطاً وأضاف اسياس انا الذي وضعتهم في سدة الحكم وسوف اخلعهم منه متناسيا ان اثيوبيا دولة كبيرة لها عمقها الاستراتيجي من حيث المساحة ولها ثقلها السكاني كما انها تمتلك امكانات اقتصادية هائلة مقارنة بارتريا لذا الدخول معها فى حرب ليس بالأمر الهين ، كما ان الوضع يختلف عندما كانت ارتريا تخوض حرب عصابات والآن هي دولة عليها استحقاقات الدولة ، كما أن الرئيس اسياس كان يعتقد ان استيلائه بالقوة على بادمي سوف يرضي المشاعر الارترية من جهة ويفرض ترسيم الحدود من جهة أخرى والقوات الارترية موجودة فيها استنادا لتجربة جزيرة حنيش ولم يضع في الاعتبار اختلاف الوضع في المنطقتين لكون الثانية تقع في ممر مائي عالمي حيث تمر يوميا اكثر من 150باخرة وناقلة نفط وقد قامت حينها الدول المتضررة وشركات النفط العملاقة بالضغط على اليمن لكي لايخوض حربا لاسترداد الجزيرة ، وكذلك مصر والمملكة العربية السعودية لذا تم تعين فرنسا لكي تقوم بعملية المراقبة واحيلت المسألة لمحكمة العدل الدولية والتي حكمت بأيلولة الجزيرة لليمن . خلاصة القول ان تطابق الوضعين الذي استند اليه اسياس ينم عن تفكير ضحل وغير دقيق لذا رفض الوساطة الرواندية والامريكية مما ادى لاستفزاز الرأي العام العالمي والاقليمي وسحب الرئيس الرواندي بول كيغامي مبادرته واحيلت القضية لمؤتمر القمة الافريقية في أوكادوقو التي رأت بانسحاب ارتريا ولم تستجب ارتريا لذلك مما دفع اثيوبيا للتعبئة العامة في صفوف قواتها وخاضت الحرب واستردت بادمي واعترف اسياس بذلك ليوقع اتفاقية الجزائر والإلتزام بمقررات أوكادوقو مع انه في البداية قال انه بصدد دراستها وهنالك اسئلة يريد ان يطرحها… الخ ، لكن بعد خسارته الكبيرة في بادمي عاد ووافق وأضحك عليه العالم ، وكان أولى به القبول منذ البداية .ثم جاءت مسألة الترتيبات الفنية التي ستضعها القوى الوسيطة وسحب قوات الطرفين الى مناطق التي كانت ترابط فيها قبل الحرب واشترط اسياس من جديد ان تكون هنالك اتفاقية لوقف اطلاق النار والتوقيع على مقرارات منظمة القمة الافريقية ، لكن الوسطاء رفضوا ذلك مما دفع اثيوبيا الى القيام بما عرف بالحملة الثالثة والتي ادت لشبه انهيار للقوات الارترية ولولا تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقه الذي قطع زيارته لدولة الامارات العربية المتحدة وعاد الى كل من اسمرا وديس ابابا واستطاع ان يمهد لوقف اطلاق النار تمهيدا لاتفاقية الجزئر وملخصها عرض الموضوع لمحكمة العدل الدولية والتزام الدولتين بنتائج التحكيم سلفا ، ثم تمت الترتيبات الفنية بأن ترابط قوات حفظ السلام بعمق 25كيلومتر داخل اراضيها وقبلت ارتريا بذلك لكونها الدولة المهزومة وجاءت قرارات التحكيم وبالنتيجة اتضحت ان بعض المناطق وخاصة بادمي اصبحت من نصيب ارتريا ويبدو ان ذلك ازعج الاثيوبيين وبالرغم من انهم كسبوا الحرب عسكريا الا انهم خسروها قضائيا مما انعكس ذلك سلبا على النظام الاثيوبي لذا جاء التعلل الاثيوبي بأن عملية ترسيم الحدود بحرفيتها ستخلق أوضاع انسانية نتيجة تقسيم القرى بين ضفتي الحدود لذا لابد من الجلوس ومناقشة ذلك رغم اعلانها صراحة بالقبول بقرار المحكمة وهذا ما رفضته ارتريا ، ويبدو ان المجتمع الدولي يساندها في ذلك وطالب سكرتير عام الأمم المتحدة بالتفاوض وعين وزير خارجية كندا السابق بالقيام بمساعي حميدة لكن ارتريا رفضت ذلك ورأت ان على المجتمع الدولى ممارسة الضغط على الطرف الاثيوبي للإلتزام بقرار المحكمة دون تسويف وهي تشعر الآن ان المجتمع الدولي غير قادر على ذلك لذا يلجأ لتصعيد الاوضاع بين فترة وأخرى لكي يتحرك المجتمع الدولي ولكن الأخير يبدو انه ( كاشف ) قدرات ارتريا العسكرية والأقتصادية التي لاتمكنها من الهجوم العسكري مرة ثانية لذا يتجاهل تهديدات الرئيس اسياس والتي كان آخرها رفضه لاستقبال نائبة وزيرة الخارجية الامريكية وقبلها طرده لجنسيات معينه من المراقبين الدوليين مما دفع كوفي عنان الى التهديد بسحب جميع القوات لداخل الاراضي الإثيوبية .وفي تقديري ان المستفيد الوحيد من هذه الحالة هو اسياس فقط حتى لايطالب بتطبيق الدستور واجراء اصلاحات سياسية فهو دائم الحديث عن اراضي ارترية محتلة وانه في حالة حرب … الخ . ويبدو ان كل الاطرف الاقليمية والدولية تعرف ذلك لذا رمت القفاز في وجهه . واستمرار الوضع في ارتريا على ما هو عليه سوف يدفع بالمزيد من الشباب للهروب عبر الحدود ويزداد التشرد الارتري ، كما سيؤدي الى مزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وتمتليء السجون بمعتقلي الرأي والضمير وزيادة القبضة الأمنية دون اي رقابة قانونية واستمرار قوانيين الخدمة الوطنية الجائرة والتي تستمر لسنوات . في الحلقة القادمة لماذا الصمت الامريكي والاوربي تجاه ما يحدث في ارتريا ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى