مقالات

قد تقوده للجنايات الدولية.. لماذا فرضت أوروبا عقوبات على جهاز أمن إريتري؟ بقلم / عبد القادر محمد علي

2-Apr-2021

عدوليس ـhttps://www.alestiklal.net/ar

في سابقة هي الأولى من نوعها، قرر البرلمان الأوروبي فرض عقوبات على جهاز الأمن الوطني الإريتري برئاسة الجنرال أبرهة كاسا، نتيجة انتهاكاته لحقوق الإنسان داخل البلاد، كما نص القرار.أصداء هذه العقوبات ترددت داخل البلاد وخارجها، وقادت إلى الكثير من التساؤلات بشأن ارتباطها بعواقب المشاركة الإريترية في حرب إقليم تيغراي بإثيوبيا، وإن كان من الممكن أن تقود إلى محكمة الجنايات الدولية.

سيء السمعة:
هل العقوبات مهمة؟ “نعم هي مهمة” هكذا بدأ دانئيل رزني مكونن حديثه إلى “الاستقلال”، مضيفا: “لأن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها النظام الإريتري لعقوبات دولية لسجله سيء السمعة في انتهاكات حقوق الإنسان”.
ويستطرد المحامي المتخصص في قضايا حقوق الإنسان قائلا: “كان من المفترض إيقاع العقوبات عام 2016، مباشرة بعد إصدار التقرير الثاني والأكثر أهمية لمفوضية الأمم المتحدة للتحقيق في إريتريا، لكن حينها لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي قانون محدد لنظام العقوبات المتعلق بحقوق الإنسان، والذي تم تبنيه فقط في ديسمبر/كانون الأول 2020”.
وفي عام 2014، شكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة لتقصي أوضاع حقوق الإنسان في إريتريا، قدمت تقريرها الأولي بعد ذلك بعام، وفي 2016 قدمت تقريرها الثاني، حيث خلصت فيه إلى أن السلطات الإريترية تمارس وبشكل ممنهج وواسع النطاق جرائم ضد الإنسانية.
وجاء في التقرير أيضا أن جهاز الأمن الوطني “هو المسؤول عن معظم حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية”.
أهمية قرار العقوبات يؤكدها البروفيسور النرويجي كيجيتلي ترنفول ويصفها بأنها “هذه الأهمية رمزية”، موضحا أن “هذا مهم للغاية من حيث كيفية تعامل المجتمع الدولي مع إريتريا. تذكر أن نظام عقوبات الأمم المتحدة كان راسخا في دور النظام المزعزع للاستقرار في القرن الإفريقي”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، أقر مجلس الأمن الدولي القرار 1907، الذي تضمن حزمة عقوبات على النظام الإريتري لدوره في “دعم حركة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال”، ورفضه سحب قواته من أراض متنازع عليها مع جيبوتي بعد اشتباك بين الطرفين عام 2008.
تضمنت العقوبات حظرا على تصدير السلاح إلى إريتريا وحظر سفر لبعض القادة، وتجميد أصول بعض القادة السياسيين والعسكريين في الخارج، قبل أن ترفع العقوبات عام 2018 بعد توقيع اتفاق سلام لقي ترحيبا دوليا كبيرا بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي.
أبعاد إقليمية :
شهدت الأسابيع الماضية ضغوطا متصاعدة على إثيوبيا وإريتريا من أطراف في المجتمع الدولي ولا سيما واشنطن، أكدت على مجموعة نقاط أهمها: المطالبة المكثفة بانسحاب القوات الإريترية والقوات الأمهرية من إقليم تيغراي، والتأكيد على جرائم شابت العمليات العسكرية في تيغراي وضرورة التحقيق فيها وتقديم الجناة إلى العدالة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عملية عسكرية “لإنفاذ القانون” ضد الجبهة الشعبية الحاكمة لإقليم تيغراي شمالي البلاد، بعد صراع سياسي بين الطرفين انتهى إلى عدم اعتراف كل منهما بشرعية الآخر.
شاركت في هذه العمليات التي أعلن انتهاؤها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قوات إريترية وقوات من إقليم أمهرة الإثيوبي نسبت إليهما بشكل رئيس ارتكاب فظائع بحق المدنيين.
ولهذا يرى ترنفول أستاذ دراسات الصراع والسلام في جامعة بيوركن في النرويج وأحد كبار المتخصصين في شؤون القرن الإفريقي أن “لهذه العقوبات أبعادا سياسية بسبب تورط إريتريا في حرب تيغراي”.
مضيفا في حديثه لـ”الاستقلال”: “هذه أيضا عقوبة على جرائم الحرب الجسيمة والانتهاكات المرتكبة ضد السكان المدنيين التيغراويين”.
في حين كان الحقوقي رزني أكثر حذرا في ربط المسارين السياسي والإنساني قائلا: “شعوري أن الاتحاد الأوروبي ربما يكون قلقا أيضا مما يزعم أن القوات الإريترية تفعله في تيغراي وقد يكون هذا بمثابة دافع إضافي للقرار (بالإضافة إلى القانون المعتمد حديثا)”.
وبعد أيام من إقرار هذه العقوبات وزيارة كريس كونز مبعوث الرئيس جو بايدن إلى إثيوبيا أجرى آبي أحمد زيارة إلى العاصمة الإريترية أسمرة، حيث أعلن في بيان موافقة الأخيرة على سحب قواتها من داخل الحدود الإثيوبية، وقيام جيش بلاده بحراسة الحدود.
عقوبات أميركية:
نص قرار العقوبات الأخير على تجميد أصول من صدرت بحقهم العقوبات في الاتحاد الأوروبي، وحظر السفر إليه، بجانب قطع الدعم المالي المباشر أو غير المباشر، عنهم من أفراد أو كيانات في الاتحاد.
وبينما يرى ترونفول في حديثه إلى الاستقلال أن طبيعة هذه العقوبات “الفردية واستهدافها رئيس وموظفي جهاز الأمن لا تؤثر على النظام وقدرته على مواصلة انتهاكاته”.توقع رزني “أن يتم تحديث القائمة في المستقبل. وأن “العقوبة” التالية الوحيدة من وجهة نظري هي حظر السفر. على سبيل المثال، قد يمنع يماني جبريب (المستشار السياسي للرئيس الإريتري) وعثمان صالح (وزير الخارجية) من السفر إلى أوروبا في الجولة التالية من العقوبات”.
كما يعتقد ترونفول أن هناك احتمالية لانضمام الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات أحادية الجانب قريبا على إريتريا، بسبب تورطها في الحرب في تيغراي.
مستطردا “حتى الآن أفترض أن الولايات المتحدة ستؤخر العقوبات المفروضة على إثيوبيا، من أجل معرفة كيفية ردهم على مبادرة مفاوضات السلام الأميركية والامتثال لها. إذا وقفت إثيوبيا وآبي على موقفهما ورفضا أي مفاوضات، واستمرت جرائم الحرب والانتهاكات بلا هوادة في تيغراي، فقد تفكر الولايات المتحدة في معاقبة إثيوبيا”.
ونص قرار العقوبات الأوروبي على رئاسة العميد أبرها كاسا لجهاز الأمن الوطني الإريتري، وهو من الشخصيات التي يلفها الغموض ولا يعرف عنه الكثير ولا سيما بعد توليه رئاسة هذا الجهاز أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وبالإضافة إلى كونه من أفراد الدائرة المقربة إلى الرئيس الإريتري يعد كاسا مسؤولا أيضا عن أمن الرئيس. وقد اتهمته إثيوبيا بتنظيم دعم أسمرة لـ”جماعة الشباب” في الصومال، وهو ادعاء نفاه كاسا.
شهدت المرحلة الماضية تغطية كبيرة للأحداث في إقليم تيغراي الإثيوبي، حيث تناولت كبريات المؤسسات الإعلامية بسيل من التقارير والأخبار الفظائع التي وقعت في سياق العمليات العسكرية وما بعدها هناك.
كذلك صدرت العديد من التقارير الحقوقية من منظمات كالعفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، كشفت عن انتهاكات متعلقة بمجرزة في مدينة أكسوم الإثيوبية، نسبتها إلى القوات الإريترية، داعية إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية، وهي الخلاصة التي أكدتها هيئة حقوق الإنسان الإثيوبية لاحقا في تقريرها.
هذه التغطية الإعلامية والحقوقية متزامنة مع تكثيف الضغوط الدولية على إثيوبيا وإريتريا فيما يخص الملفات المرتبطة بالحرب في إقليم تيغراي، دفعت المتابعين إلى التساؤل إن كان الطرق على أبواب محكمة الجنايات الدولية سيمثل آخر المطاف.
وعن هذا السؤال يجيب رزني المتخصص في قضايا حقوق الإنسان: “نعم ولا!”، مضيفا أنه “من الناحية القانونية يمكن محاكمة بعض المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية. لكن من الناحية العملية هذا شبه مستحيل”.
وقال: “لم توقع كل من إريتريا ولا إثيوبيا على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. والإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية لا تكون إلا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع وجود الصين وروسيا هناك فإن هذا شبه مستحيل”.
وفي 6 مارس/آذار 2021، فشل مجلس الأمن في إصدار بيان يدعو إلى إنهاء العنف في منطقة تيغراي وعزي الفشل إلى معارضة روسيا والصين بشكل رئيس، اللتين أكدتا أن القضية مسألة داخلية بالنسبة إلى إثيوبيا وليست شأنا أمميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى