مقالات

أمة لا تحترم رموزها لا يمكن أن تتقدم :عبدالرازق كرار

15-Nov-2008

ecms

الآن وقد مر حوالي نصف العام على إقامتي في مدينة ملبورن بأستراليا يسألني اصدقائي في السودان عن المدينة واذا كانت قد أعجبتي ، وعلى صعوبة إمكانية الإجابة على هذا السؤال ، ولكن حديث الأخ الدكتور عبدالحميد يلخص توصيف المدينة بأنها مكان ( أكل عيش ) مثل القضارف في السودان أو هكذا يحس بها الدكتور خلافا لمدن أخرى مثل سيدني أو هوبرت في تسمانيا التي يعتقد عبدالحميد انها تجمع بين معالم السياحة وفرص كسب العيش .

على كل فالحديث عن مدينة ملبورن بالنسبة لشخص مثلى لم يتعرف على أكثر من 5% من المدينة هو حديث لا يعتمد عليه ، ولكن جانب واحد هو الذي لفت نظري في هذه المدينة في كافة إتجاهاتها وطرقها .ملبورن حيثما تلفت ستجد أسم طريق أو مجسم أو مدرسة تخلد واحد من الرموز الإنجليزية التي قدمت في الأفواج الأولى ، وأستقرت واسهمت في نهضة المدينة ، هى مدينة تتنفس التاريخ ورد الجميل للجيل المؤسس ، بغض النظر عن هل بنى هذا التاريخ على حق أو باطل ـ والمعني هنا علاقة المؤسسين بالسكان الأصليين وطريقة تعاملهم فذلك موضوع آخر ـ ولعل هذا الجانب دون غيره هو الذي دفعني لكتابة هذه المداخلة في هذا التوقيت ، فهي صدقا لم تأتي للإجابة على تساؤلات الزملاء في السودان أو غيره .ومع كل مجسم أو طريق أو مؤسسة تحمل أسم واحد من الرموز كنت أتسال هل حظى أبائنا الذين أعطونا هويتنا وكينونتا السياسية ببعض المعاملة التي تليق بهم؟.ربما وجودي في السودان لفترة طويلة تجعلني مخول للإجابة على هذا السؤال ، طالما كان المعني ينصرف بداهة للتفكير في الرعيل الأول للنضال ، الجيل المؤسس للثورة الإرترية الذي صمد على جمرها طوال ثلاثون عاما حتى تحقق الإستقلال الذي كان ضربا من المستحيل .الحقيقة التي سوف تصدم كل إرتري وإرترية دون شك هي أن حال رعلينا الأول الذي يتسلل منا كل يوم بفعل الزمن ، حالة لا تتناسب ابدا مع ما قدموه لهذا الشعب ، ولنكون اكثر واقعية فالحديث هنا لا يعني الدولة بأى حال من الأحوال ، فالدولة في ظل النظام الجاثم على صدر هذا الشعب لا يتوقع منها ان تفعل أى شئ تجاه هؤلاء الأبطال ، لأنها في الأصل دولة تتنكر للتاريخ ، فمن باب أولى ان تتنكر لرموز هذا التاريخ ، بل ربما مع سبق الإصرار والترصد يسعى هذا النظام لمحاربة هؤلاء الرموز وإذلالهم لأن وجودهم دليل على عدم شرعيته ،وشاهد عيان على جريمته التي يتمادي فيها كل يوم ، وهو يعلم أن وجودهم أكثر من غيره يكشف ضعف حجة وجوده ومؤامرات قادته التي أوصلتهم الى ما هم عليه ، فما أكبر خوف المجرمين من الشهود ، ومثل عصابات المافيا التي نراها في الأفلام تسعى للتخلص من الشهود ، تسعى الجبهة الشعبية للتخلص من هؤلاء الأبطال تجاهلا وإزدراءا، وهو ما يعرف بالإغتيال المعنوى، لذلك فالحديث في هذه المساحة سنتجاوز به محطة الدولة الى المجتمع ، الذي هو معني بدرجة اساسية بستر هذا العورة الواضحة العيان ، أو قل معالجة هذا الدمل الذي يلفت نظر كل شخص طبيعي ، وثقتي أن المجتمع الإرتري قادر على ذلك .الرعيل المآساة المنسية :-غني عن القول أن من بقى على قيد الحياة من رموز نضالنا ألان هم في سن متقدم ، وهو عمر يصعب معه العمل والكد لسد مكتسبات الحياة ، وكما هو معلوم للجميع أن هؤلاء الأبطال عندما خرجوا الى الميدان ، خرجوا عن الحياة المنتجة لوسائل كسب العيش ، بمعني أنهم آثروا العمل لصالح البلد والمجتمع ، بدلا عن ذواتهم ، في نموذج للإيثار قل أن يتكرر ، وقد ترك بعضهم زراعته ، وبعضهم عمله في الجيس السوداني ، وبعضهم بهائمه دون راعي يقوم عليها ، ولم يقيلوا أو يستقيلوا عن المهمة التي نذروا لها حياتهم ، والمحصلة أن أوضاعهم الأسرية ساءت بدرجة لا يستطيع المرء أن يتخيلها ، وليس من رأى كمن سمع .بعد التحرير مباشرة استدعت الجبهة الشعبية معظمهم وأعطتهم مبالغ ضئيلة، ولكن عندما لم تستطع ان تكسب ولائهم ، أو يقبلوا هم إضفاء الشرعية عليها تنكرت لهم بسرعة ، وكان طبيعيا أن يعود معظمم الى السودان حيث يتواجدون في كسلا ، ومعسكرات اللاجئين بشرق السودان ، ولأن معظمهم كما أسلفنا في سن لا تسمح لهم بالعمل اصبح المحظوظ منهم من له أبناء يعتمد عليهم . أما الآخرون فحالهم يغني عن السؤال .كم هو محزن أن تذهب الى كسلا فتقابل رجلا ناضل مع عواتي بملابس ممزقة يسأل الناس أعطوه أو منعوه ، أو آخر يطرد من المنزل لأنه لم يستطع دفع الإيجار ، أو ثالث لا يستطع أن يجرى عملية جراحية في العين بما يعادل مائة وعشرين دولار أمريكي .كم يحز في النفس أن تجد واحد من رموز النضال في معسكرات اللاجئين يحمل باقة ماء على ظهره لأنه لا يملك ( حمار) وبالتالى هو لا يملك عربة ( كارو) وهو في سن السبعين عاما .اى شعب وأى أمة نحن ورجلا في قامة …………..، و ……………، و………………..في هذا الحال ، ولله رغم أنهم في أمس الحاجة إلى المساعدة لكن عفتهم التي لمسناها تمنعنا من أن نذكر اسمائهم ، ولكني على يقين أن كل الإرتريين يعرفون حالة او حالتين مما اعني ، فبالله عليكم أى شعب نحن لا يرحم تاريخه ورموزه النضالية ، وأى مستقبل نتوقع ونحن لا نرد الجميل لهذا التاريخ وتلك الرموز .لماذا الرعيل في هذا التوقيت :-•قد يعتقد الكثيرون أن المطلوب الآن جمع المساعدات لمساعدة هؤلاء المناضلين ، ولكن القضية أكبر بكثير من هذا التفسير المبسط ، فالمطلوب الآن أولا أن نحترم أنفسنا بإحترامنا تاريخنا ورموزنا ، ولنقرب المعني كيف لو تصور الإنسان والده في تلك الحالة التي ذكرنا ، إلا يمس ذلك كرامته ، وحتى الذي لا يريد أن يساعد ففي تلك الحالة سيضطر للمساعدة ليس حرصا على والده ولكن حرصا على كرامته وسمعته ، وهل رعلينا هم غير ابائنا نسبا وتاريخاً .•إن نهضة الشعوب مرتبط بدرجة اساسية بإحترامها لتاريخها ورموزها ومدينة مصنوعة كـ ( ملبورن ) لم تصل الى ما وصلت اليه إلا لأنها إحترمت تاريخ المؤسسين وخلدت ذكراهم في كافة معالمها ، فليس اقل من أن نرفع المعاناة عن كاهل الرعيل ، وعلى قله ما يتوقع أن نقدمه لهم ماديا ، ولكن ذلك قد يسهم في رفع روحهم المعنوية ويجعلهم فخوريين بما قدموه ، وتجارب التاريخ تشهد بأنه لم يتقدم شعب جاحد أبدا .•واحدة من مشكلاتنا السياسية المستعصية هي تمسك الأفراد بالقيادة لفترات طويلة وفي كل مجلس ستجد من يقول لك فلان أو فلان في القيادة منذ أكثر من ثلاثين عاما فماذا يتوقع منه أن يقدم ، وعلى صحة هذا الفرضية كواحدة من مشكلاتنا السياسية المعقدة ، لكن السؤال المباشر ماذا يتوقع هؤلاء القادة من الجيل الآخر اذا تنازلوا عن السلطة والصف الأول وهم يرون ما حدث للقيادت التي سبقتهم وضحت باكثر مما ضحوا هم ، وبالتالى فإن تمسكهم بهذا الموقع هو لتفادي ما حدث للذين قبلهم ، ولكننا كشعب لو كنا نحترم قياداتنا ، ونكرمها ونحفظ لها مكانتها لوجدنا الإنتقال السلس للقيادة بين الأجيال ، ومن هنا فإن التصدي لحال الرعيل هو واحدة من مداخلنا الصحيحة لتقويم المسرح السياسي برمته .•الكثيرون الذين يتحدثون عن عدم رغبة الشباب في التضحية وتفضيلهم مصالحهم الخاصة على المصالح الوطنية قد تكون حقيقة نسبية ، ولكن لماذا يضحى هؤلاء الشباب ، وفي مقابل ماذا يضحون ، وما الذي وجده الذين ضحوا قبلهم من قادة النضال ، أليس هو النسيان والتجاهل وإجترار معاناة الفقر والمرض ، طالما كانت تلك النتيجة الطبيعة للتضحية فلن يضحي الشباب ولن يفرطوا في مصالحهم الخاصة حتى يتم تقويم هذا الوضع المؤسف ، ومن هنا فإن معالجة هذا القضية هي مدخلنا الصحيح لتجاوز هذا المعضلة التي سيكون لها تأثير كبير على سيرورة الأوضاع في بلادنا في المستقبل المنظور .•إن الحديث عن تغيير النظام كأنه عصاة موسى لمعالجة كافة الأوضاع المختلة هو تبسيط مخل للأزمة الإرترية ، والحقيقة أن المجتمع عندما يكون مؤهل للتغير فإن التغيير يحدث لا محالة ، وعلى أهمية زوال هذا النظام فإن المشكلات التي تتعلق بقطاعات المجتمع يجب أن تحل في إطار المجتمع عبر منظماته المدنية ، وحتى في ظل الأنظمة الديمقراطية فإن الدولة لا تستطيع أن تغطى كافة المطلوبات ، وبالتالى فإن المجتمع يسهم في ذلك عبر آلياته المتعددة ، وإسهام المجتمع في مثل هذا القضايا العاجلة يعبر عن إستعداده لتقبل التغيير السياسي وجاهزيته لإدارة التغيير بشكل مثمر ، وإلا في ظل غياب المجتمع سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا ، فلن يحدث في إرتريا سوى تغيير شكلى يراكم القضايا ولا يعالجها ، ومن هنا فإن مدخلنا لمعالجة قضية النظام يجب أن تكون بتحمل مسئولياتنا التاريخية بمعالجة قضية الرعيل المؤسس للثورة الإرترية .الإمكانات المتاحة :-إن قضية الرعيل على أهميتها ليست بالقضية المستعصية الغير قابلة للحل ، فعددهم محصور ، ومعاناتهم معروفة ، وإحتياجاتهم ابسط مما نتصور فالمطلوب هو تكامل الجهود الفردية المشكوره هنا وهنالك عبر عمل مؤسس يتجاوز الأطر البيروقراطية ويعالج القضية مباشرة ، فمثلا لو أفترضنا أن هنالك عشرة الف إرتري في الخارج وكل منهم مستعد لدفع ما يعادل عشرة دولار أمريكي في الشهر فإن المحصلة النهائية لهذا المشروع في سنة واحدة هي مليون ومائتين الف دولار أمريكي(1,200,000) وهو مبلغ كاف لمعالجة القضية المادية والمعنوية من جذورها . وما أكثر الإرتريين المنشرين في كافة انحاء العالم وكل منهم ينفق مبلغ اضعاف العشرة دولار في جلسة واحدة في الشهر فقط في الشاى والقهوة ، فهل رعلينا وتاريخنا لا يستحق هذا المبلغ الضيئل .إن حال رعلينا بكل صدق هو عورتنا التي تحتاج الى ستر ، فهل هنالك من يبخل على ستر عورته بملغ عشرة دولارات ، وهم كرامتنا ورمز عزتنا المهدرة فهل هذا كثير إسترداد كرامتنا وعزتنا .دمعة أخيرة :-الكثيرون كتبوا عن هذا الموضوع ، وكثيرون اسهموا في حل بعض المشكلات التي واجهت بعض الرعيل ولا يزال البعض يقدم ، المطلوب الآن تكامل هذه الجهود وتنسيقها اليوم قبل الغد .الأخ إبراهيم قدم ( ابو حيوت ) هو واحد من المهمومين بهذا الموضوع ، ومن هنا فإن النداء للأخ ابوحيوت ( Please Ibrahim don’t give up ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى