مقالات

هدف المعارضة الاريترية : ثورة أم انقلاب؟ بقلم / فتحي عثمان

8-Mar-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ ( خاص)

مكونات ظاهرة التفاعل السياسي الاريتري الرئيسة اليوم ثلاث: نظام مستبد غاشم، ومعارضة سياسية عاجزة وبينهما شعب مقهور من النظام ومغيب من قبل المعارضة.المكون الأول: النظام المستبد يمسك بالسلطة وأدواتها القهرية ( القوات الأمنية والمؤسسات العقابية من حراسات وسجون). يستخدم النظام السلطة وأدواتها مقابل وضد المجتمع، حتى أن مفهمومه للتنمية يقوم على أساس فوقي/علوي. المشاريع التي ينفذها ليست من مطالب الشعب أو اختياره، بل تخطط وتمول وتنفذ وتقيم على المستوى الفوقي المستبد وتدفع في الأخير للشعب لينفذها عبر برامج السخرة. النظام يفترض بهذه الممارسة وبشكل ابوي/بطريركي بأنه يعرف سلفا ما الذي يريده الشعب، وكيف يريده، وباستخدامه الأول لكل أدوات السلطة فهو ليس بحاجة لمشاركة شعبية في أي من برامجه. النظام وأدوات السلطة مقابل/ضد المجتمع هو الشق الأول

من معادلة الظاهرة السياسية الاريترية. ويتسم الشق الأول للمعادلة بأن النظام يمضي منفردا في تقرير ما يراه ولا يعبأ برغبات وتطلعات ومشاركة الشعب في ما هو ماض في تحقيقه، عملا بــ ” ما أريكم إلا ما أرى” ويحقق ما يريده شاء من شاء وأبى من أبى. وهو في مسيرته المنفردة هذه تتعاوره الأزمات الخانقة؛ ويضيق صدره كأنما يصعد في السماء.وضمن منهجنا الساعي إلى بيان اختلال البنية، سوف ندرس الشق الثاني للمعادلة المتمثل في المعارضة السياسية للنظام. بداية علينا تبين المحيط الذي تصارع فيه المعارضة النظام قبل أن نتطرق لفكرها وغاياتها وأدواتها. المعارضة اليوم تصارع ضمن مجتمع لم تتغير بنيته الأساسية بشكل جوهري وحاسم رغم تعاقب عدة قوى استعمارية على حكمه؛ خاصة الإدارة الاستعمارية الايطالية والتي أمضت في حكمه ما يزيد عن الخمسة عقود. ونحن هنا نتحدث عن مجتمع تقليدي تمثل العلاقات القرابية فيه أس التركيب الاجتماعي. في هذا المجتمع التقليدي تحل القبيلة محل الدولة وذلك لأنها تقدم ما تقدمه الدولة من ولاء وعون وحماية وتناصر وتميز وتنظيم للعلاقة بين الأنا والآخر وتقسيم للسلطة والثروة والأدوار. والقبيلة في المجتمع التقليدي ليست بحاجة للدولة لكي تنظم شئون أفرادها/رعاياها، بل تعمل كبديل أكثر فاعلية عنها لأنها تحظي بالقبول غير الممانع والمنازع، لأن الخارج عن أعرافها يطارده التابو الاجتماعي الأقوى من المؤسسات العقابية، لذلك القبيلة لا تملك السجن؛ وليست بحاجة لأدوات السلطة القهرية (الجند/الشرطة).المجتمع التقليدي هذا لم تغير علاقاته التقليدية فترة ما يقارب من ربع قرن من تكون الدولة الاريترية المستقلة، إلا في وضع مكوناته في مواجهة الآخر وذلك عبر شقه بواسطة الاستبداد، وكسائر المجتمعات الأفريقية تتعايش/تتنافر فيه الدولة والقبيلة. ورغم أن القبيلة لا تنازع الدولة السلطة إلا أنها تنجح في منازعتها في أهم عنصر في الصراع المتبادل وهو الفرد وولائه، والطرفان يسعيان لكسب ولاء العنصر البشري المكون الأساسي للمجتمع. والدولة الطرف الأقوى في الصراع تلجأ للسلطة بكل أدواتها من أجل الانتصار على المكون التقليدي للمجتمع (القبيلة)، وهي بذلك تحشد الأدوات المتاحة لها وتوظفها وتشمل إضافة إلى أدوات الإكراه المذكورة أعلاه أدوات صياغة الخطاب وتحديد السياق: الدعاية والإعلام، ومصادر الثروة. والصراع الدائر والذي ينظر له المجتمع كمتفرج يعضد لدى الكل أهمية الحصول على السلطة باعتبارها الأداة السحرية في الصراع والعنصر الأكثر حسما له. ضمن التكالب على السلطة والذي يتم في حلقة المجتمع التقليدي نشأت المعارضة وعينها على نفس الأداة السحرية (السلطة وأدواتها) وهي التي يفعل بها النظام الأعاجيب؛ وبناء على فهمها وإدراكها صاغت المعارضة أهدافها شعوريا ولا شعوريا وعبأت نفسها في الصراع من أجل الحصول على هذه السلطة تحديدا وإزالة النظام. وهي هنا تصبو إلى إزالة النظام واستلام الدولة والسلطة، ومن ثم ستقوم (بالتغيير) نحو بناء دولة العدالة الاجتماعية، والمشاركة السياسية والحكم اللا مركزي ودولة سيادة القانون. وهي هنا (أرجأت) التغيير لما بعد استلام السلطة. يعني بعبارة أخرى: أن التغيير بالنسبة للمعارضة سوف يتم (بعد) استلام السلطة. وبما أن المعارضة تفكر في استلام الدولة والسلطة فإن هدفها المركزي هو القيام (بانقلاب) ضمن شروط المجتمع التقليدي والذي هي في تصالح تام معه، وخضوع لأهم عنصر فيه وهو عنصر القبيلة. إذن المعارضة أمام خيارين: الأول وهو الأسهل: المحافظة على بنية وأدوات المجتمع التقليدية والاكتفاء (بالانقلاب) الفوقي. أو: وهو الخيار المستحيل القيام (بثورة) ضد المجتمع التقليدي وآلياته وعدم الركون إلى نفس أدوات الصراع التي تعيد إنتاج الأزمة بما في ذلك المحدد الأساسي وهو السلطة وأدواتها. والاجتماعات النخبوية التي نشهدها والولاءات لمكون المجتمع التقليدي (القبيلة)، يثبتان أن المعارضة حددت اختيارها الأسهل؛ وهو الحفاظ على بنية المجتمع التقليدي دون مساس به، ثم القيام بانقلاب تستخدم فيه أدوات السلطة بنفس الطريقة التي درج النظام نفسه على استخدامها به وإن اختلفت الغايات.إذن المعارضة تسعي إلى السلطة ضمن هياكل وشروط المجتمع التقليدي، دون إحداث ثورة في بنيته، وأرجات التغيير إلى ما بعد استلام السلطة، وأخيرا فكرت في القيام بانقلابها هذا منفردة دون مشاركة شعبية، وبهذا غيبت ولا تزال تغيب الشعب من مشروعها المستقبلي؛ لماذا؟ لأن الانقلاب لا يحتاج إلى مشاركة شعبية؛ ولكن الثورة والتي هي ليست خيار المعارضة؛ هي التي تحتاج إلى مشاركة شعبية، وبما أن المشاركة الشعبية جهد تثويري يسعي إلى قلب مكونات المجتمع التقليدي، فإن المعارضة (المحافظة) توق نفسها شرور التغيير الراديكالي وتفضل التعامل معه بعد استلام السلطة.لنخطو خطوة أخرى نحو الأمام ونرى كيف يؤثر المجتمع التقليدي على الصراع السياسي. يستخدم كل من النظام والمعارضة التنظيم السياسي ( جبهة أو حزب) كمركبة حاملة للأهداف السياسية. والتنظيم السياسي الحديث؛ أي الحزب تحديدا، هو نتاج المجتمع الحديث وليس التقليدي، لأنه تكوين إرادي جمعي، يضم أفرادا لديهم (الوعي) بمصالحهم، ولديهم (الوعي) بأهدافهم ولديهم (الوعي) بوسائلهم ولديهم(الوعي) بالصراع ومسبباته؛ وأخيرا لديهم(الوعي) بغاياتهم المشتركة. إذن الوعي هو المحدد الأساسي لآليات الحزب السياسي والوعي بكافة أشكاله تدرجا من المعرفة البسيطة انتهاء بالوعي السياسي المعقد هو ما لا يتوفر في المجتمع التقليدي. ومقابل هذا الوعي السياسي المعقد نسبيا يتوفر بالمقابل وعي آخر وهو الوعي القبلي وهو وعي يتكون ويتشرب من محددات المجتمع القبلي. وبما أن الممارسة السياسية للمعارضة (أحزاب المعارضة) تتم في مجتمع تقليدي فإنها تخضع لشروط هذا المجتمع، وتدخل به صراعها السياسي من أجل السلطة التي تراها الحل لكل داء، بينما ضمن هذا السياق ألاصطراعي (السقيم) تصبح السلطة هي صندوق باندورا والذي بفتحه سوف تخرج كل الشرور. يتميز الوعي الحديث والذي يصاحب التنظيم الحديث بمصفوفة : أنا (و) والآخر من أجل المصلحة المشتركة. بينما يتميز الوعي التقليدي القبلي بمصفوفة: أنا (ضد) الآخر من أجل مصلحة قبيلتي ( الخاصة).وإضافة إلى عنصر الوعي، هناك عنصر الاستقطاب وهو الشغل الشاغل لأي تنظيم سياسي. يتم الاستقطاب السياسي للحزب بناء على الوعي المذكور أعلاه تأسيسا على مسألة الوعي بالهدف المشترك، وآلية العمل المشترك ضمن المصفوفة السابقة الذكر، أما في المجتمع التقليدي فأدوات الاصطفاف هي الدين والقبيلة، وهي الأسرع والأنجع، ولا يعرف المجتمع التقليدي وسيلة أكثر منها سرعة لتحقيق الاصطفاف والاستقطاب. حتى أن سيادة الانتماء إلى القبيلة والتي تلعب دور الدولة في المجتمع الديني، تسبق الانتماء الديني. والدليل على ذلك أنه لو حدث صراع ديني أو جهوي داخل أحد المكونات السياسية في المجتمع التقليدي ( جبهة/حزب/ رابطة)، فإن الفيصل فيه هو الانقسام القبلي، أي أن الصراع يتحلل من البعد الديني والجهوي ويتدهور مباشرة إلى المرجعية التقليدية السائدة الحاكمة وهي القبيلة، وحركة الجهاد الإسلامي الارتري وصراعاتها الداخلية أصدق دليل على ذلك. والبعد الثاني هو أن أي اتجاه جهوي وفي حال نشوب أي صراع داخله سوف يتدهور صراعه إلى المستوى الأدنى وهو مستوى القبيلة في حتمية اجتماعية قاسرة.ويشترك النظام والمعارضة في تغييب المشاركة الشعبية؛ النظام بوضعه الدولة مقابل المجتمع. والمعارضة بسعيها الصفوي المحموم نحو الأداة السحرية المتمثلة في السلطة، وتغييبها للمشاركة الشعبية مرده إلى أنها (أرجأت) التغيير والذي يعني الشعب الآن واليوم، إلى (ما بعد) استلام السلطة بالطريقة الانقلابية؛ والتي لا تستدع أي مشاركة شعبية. لذلك وضمن هذا الخلل البنيوي للمعارضة غاية وممارسة؛ غاب الشعب وأصبح بدوره ينظر إلى المعارضة والنظام كقطبين لمعادلة سياسية خاسرة، وصراعهما لا يعنيه من قريب أو بعيد.فإذا تساءل المرء عن غياب منظمات المجتمع المدني الفئوية ( النقابات/والاتحادات)، وعن الغياب للقضايا الاجتماعية الجوهرية ( اللجوء ومعسكراته/ والهجرة وآثارها) وانتهاكات حقوق الإنسان وأبعادها؛ لوجدت الإجابة في أن فكرة الانقلاب السياسي على السلطة الحاكمة لا تحتاج إلى كل ذلك، لهذا السبب انصرفت المعارضة برمتها إلى السعي المحموم إلى انتزاع السلطة؛ وبذلك صرفت انتباه الشعب عنها؛ إذ أن أفق تفكيرها وممارستها يؤديان إلى الاستخلاص بأنها تري الصراع على السلطة كصراع سياسي فقط ( استبعاد الصراع الاقتصادي، القانوني، الثقافي) هدفه الأساسي هو الحصول المشروع على السلطة بالانقلاب؛ ولا يتطلب ثورة على قوالب المجتمع التقليدي، والذي تستخدم نفس أدواته (الولاء القبلي والجهوي) في العمل السياسي؛ وتجد نفسها في النهاية تراوح محلها، والأنكى من ذلك أنها خسرت ركيزتها في الصراع والمتمثلة في السواد الأعظم من الشعب، في معسكرات اللجوء والشتات وفي الداخل. وحتى لو استشعرت أهمية اصطفاف الشعب من حولها؛ فإن ستجد نفسها محكومة باستخدام وسائل الاصطفاف التقليدي في الحشد والتأييد.وعندما تنجح المعارضة في انقلابها المفترض هذا؛ فسوف تقوم بنقل أمراض الخارج إلى العاصمة، وسوف تتقاتل على أدوات السلطة والثروة، وبينما هي تنزف بسبب اقتتالها على التحاصص الانقلابي، سوف تسقي نفس المياه الأزلية شجرة المجتمع التقليدي التليدة بفروعها التي تتأبى على الموت، وسوف يمضي الفلاح إلى حقله وهو يعرف شيخ قبيلته وحاميها ولا يعرف أسم رئيس وزرائه في عاصمة تبعد عن حقله وهمومه بعد المشرق عن المغرب. وهنا تحق الدعوة للشعب الارتري كما دعا له الراحل المقيم عمر جابر: كان الله في عون الشعب الاريتري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى