مقالات

إعلام افورقي والثورات الشعبية ..إفطار بعد طول صيام : عبد الله محمود

26-Feb-2011

المركز

أفطرت الحكومة الإرترية بعد صيام طويل عن تناول أخبار الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر ثم ليبيا وعدد من البلدان العربية ، وبعد أن تدثرت برداء الصمت الحائر منذ أن اندلاع هذه الثورات الشعبية وحظرت فضائيتها (الوحيدة) وإذاعتها (الوحيدة) وصحيفتها (الوحيدة ) من تناول أنباء هذه الثورات فأضحت كأنما تبث من كوكب آخر غير كوكب الأرض .

لم تكتف السلطات الإرترية بهذا بل ألزمت مالكي أندية المشاهدة بعدم عرض أخبار هذه الانتفاضات من الفضائيات العربية المعروفة مثل الجزيرة والعربية والبي بي سي وغيرها من القنوات مع سحب ترخيص من يخالف هذه القرارات .
ويبدو أن ما حدث من تغيير في مصر والذي تمت الإطاحة بموجبه بنظام حسني مبارك الحليف لأفورقي ،والمصير الذي ينتظر معمر القذافي أكبر حلفاء وداعمي أفورقي ، جعلته يعيد النظر ملياً في سياسته، فأفطرت وزارة الإعلام الإرترية بعد صيام أمتد لأكثر من شهرين على إعلان عن سلسلة مقالات تحليلية مطولة ستنشر باسم الوزارة تقدم تحليلاً للأوضاع في تونس ومصر والبحرين.
ويبدو أن حكومة افورقي قد أدركت أخيرا فداحة الخطأ الذي ارتكبته بتجاهل أخبار هذه الثورات الشعبية التي قادت إلى التغيير في دولتين فحاولت أن تتلمس مخرجاً باعتذار خجول عن تناول أخبار هذه الثورات في فاتحة الإعلان الذي ذكرت فيه ( أن ثقافة الحكومة الإرترية ومبادئها السياسية فيما يتعلق بهكذا تطورات هي النظر إليها في سياق أوسع في الإطار الإقليمي والعالمي،والنظر إلى جذورها وامتداداتها التاريخية التي يمكن أن تلقي الضوء على تعقيدات التطورات الراهنة ، وكذلك مناقشة السيناريوهات المحتملة والخلوص إلى تحليل نهائي يستند إلى الحقائق الكاملة بتفصيلاتها).
من الواضح في هذه الفقرة أن النظام الإرتري يحاول أن يبحث عن تبرير لصمته المطبق ليس عن التصريحات والبيانات الرسمية حول تطورات الأوضاع حتى العبارات الدبلوماسية والعبارات المعممة (مثل التعبير عن القلق أو الوقوف مع خيار الشعب المصري ) كما فعلت غيرها من الدول، بل حتى عن تناول الأخبار في فضائيته ووسائل إعلامه الأخرى وحظر أندية المشاهدة من عرض هذه الأخبار ، وحظر رواد مقاهي الإنترنت من تصفح أخبار الثورات . ولا شك أن النظام الإريتري كان يبتغي وراء ذلك تجنب إصابة الشعب الإرتري بعدوى الثورة وينسى أو يتناسى أن العالم قد أصبح قرية واحدة في ظل انفجار ثورة المعلومات بل أصبح غرفة واحدة فلم تعد هذه الأساليب البدائية ذات جدوى في عزل الشعوب عن بعضها البعض .
وفي خطوة يمكن تفسيرها بالهروب إلى الأمام لم تنس وزارة الإعلام الإرترية في إعلانها أن تهاجم وسائل الإعلام العالمية على تغطيتها للثورات الشعبية التي وصفتها بتقديم (قصص إخبارية متحيزة تخدم رغباتها وتقدم صورة منقوصة للأحداث وإنتقاء الاخبار عملاً بنهج الصحافة الصفراء ) ، وقال الإعلان ( إن الأشخاص الذي يتلقون أخبارهم من وسائط الإعلام العالمية بدون تفسير لدوافعها يفشلون في رؤية الصورة الحقيقية ).
ويبدو أن وزارة الإعلام الإرترية تجهل أو تتجاهل وظيفة ومهمة الفضائيات الإخبارية التي تتمثل في رصد ومتابعة التطورات لحظة بلحظة وتقديمها للمتلقي ثم استضافة الخبراءولتحليل الأخبار وربط جزيئاتها وصلاً إلى الصورة الكاملة .أما الانتظار إلى حين اكتمال الصورة ثم تقديم التحليلات والسيناريوهات والتوقعات فهذا مما تضطلع بها مراكز التفكير والبحوث.
وتمضي وزارة إعلام افورقي بعيداً لتبرير عدم متابعتها للأحداث الساخنة التي أطاحت برئيسيين حتى كتابة هذه السطور قائلة ( إن الإستهلاك الأعمى للتقارير الإخبارية المبتسرة عن التطورات اليومية للأحداث ومشاهدة وحدات صغيرة متناثرة من المشهد الكلي يؤدي إلى الحصول على معلومات خاطئة تسهم في تزييف سجلات التاريخ .إن النهج الواقعي والعملي في التعاطي مع هذه القضايا هو الصبر في تحليل الصورة الحقيقية ).
التبرير أعلاه الذي ساقته وزارة الإعلام الإريترية لا ينطلي على أحد ويعتبر محاولة مكشوفة لإخفاء للدوافع الحقيقية لتجاهل أنباء هذه الثورات والتي يدرك الجميع أنها محاولة يائسة لعزل الشعب الإرتري عن متابعة ما يجري من تطورات إقليمية وعالمية بغية ضمان عدم تأثره وانفعاله بها وسريان العدوى إلى أوصاله ليتم ترجمتها على شكل ثورة شعبية عارمة ترفع شعار ( الشعب .. يريد ..إسقاط .. النظام ) وتسعى إلى تطبيق ذات التكتيكات التي استفادت منها ثورات الشعوب في تونس ومصر ثم ليبيا .
ويبدو أن لعنة اللاجئين الإرتريين تطارد هذه الأنظمة فالنظام المصري بقيادة مبارك كان حليفاً مهماً لأفورقي وظل يقدم له الدعم المادي والمعنوي كما أنه أعاد الآلاف من اللاجئين الإرتريين قسراً إلى أسمرا ليعودوا إلى جحيم المعتقلات والحاويات المعدنية مرة أخرى التي فروا منها وسط شجب وتنديد من المنظمات الحقوقية ، وقد سبقه في هذا المسلك النظام الليبي بقيادة معمر القذافي الذي رحل المئات من اللاجئين إلى أسمرا وليس بعيد عن الأذهان حادث الطائرة الليبية التي اختطفها اللاجئون الإرتريون عام 2004م وأجبروها على الهبوط في مطار الخرطوم لينجوا بجلدهم من الكمين الذي أعده لهم افورقي بمعاونة صديقة القذافي .. وحتما لكل ظالم نهاية ودولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى