مقالات

أمريكا وإريتريا …. من الشراكة إلى المواجهة .. ياسين محمد عبدالله

20-Aug-2006

المركز

ارتبطت إريتريا وأمريكا في الأعوام الخمسة الأولى من استقلال الأولى (1998-1993) بما يشبه التحالف وتبنى البلدان في وقت ما رؤية مشتركة لأوضاع الإقليم خصوصا الوضع في السودان. وقد صنفت إدارة كيلنتون الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ضمن قادة أفريقيا الجدد الذين يُعول عليهم لقيادة بلدانهم في اتجاه الديمقراطية والحكم الراشد. فكيف ساءت العلاقة بين البلدين ووصلت حد التصادم مثلما يحدث في الصومال الآن؟

يعد الهجوم الذي شنه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في خطابة بمناسبة احتفال إريتريا بذكرى استقلالها في مايو الماضي، على الولايات المتحدة واتهامه لها بلعب دور سلبي في المنطقة وبالانحياز لإثيوبيا في صراعها مع بلاده، والذي تسبب في انسحاب السفير الأمريكي في أسمرا سكوت ديلسي والملحق العسكري في السفارة من الحفل، يعد مؤشراً على دخول الخلافات بين البلدين إلى مرحلة جديدة. وبسبب الاتهام المشار إليه طلبت الحكومة الأمريكية من الدبلوماسيين في السفارة الإريترية في واشنطن عدم التنقل إلى أكثر من 25 كيلومتر خارج العاصمة الأمريكية ورفضت إعطاء تأشيرات دخول لرجال الأعمال الإرتريين الذين يترددون عليها من وقت إلى آخر بسبب طبيعة أعمالهم. وردت الحكومة الإريترية على الإجراء الأمريكي بمنع إصدار تأشيرات دخول للأمريكيين إلى لإريتريا وهو ما طبق أيضا على الأمريكيين من أصول إريترية. وكانت الحكومة الإريترية قد طلبت في العام الماضي من وكالة التنمية الأمريكية مغادرة أراضيها فيما يبدو رد فعل على التقارير المتواصلة التي ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تصدرها حول انتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا.ظهر أول خلاف علني بين إريتريا وأمريكا في بداية الحرب مع إثيوبيا في عام 1998 عندما رفضت الحكومة الإريترية الانسحاب من منطقة بادمي حسب ما اقترحت المبادرة الأمريكية – الرواندية. وقد اتهمت الحكومة الإريترية السفارة الأمريكية في أديس أبابا بتشجيع إثيوبيا على إعلان الحرب على إريتريا وإدارة الرئيس كلينتون بتشجيعها على قصف مطار أسمرا. وبعد توقف الحرب اتهمت الحكومة الإريترية المخابرات الأمريكية بالتخطيط للإطاحة بالرئيس أفورقي وهو ما نفته هذه الإدارة ونفاه انتوني ليك مسئول الأمن القومي السابق ومبعوث الرئيس بيل كلينتون للتوسط بين إريتريا وإثيوبيا والذي اتهم بلعب دور المنسق بين المتآمرين المفترضين وإثيوبيا، في مقال نشرته له صحيفة (بوسطن قلوب ) بتاريخ 26/10/2002.وعند انضمام إريتريا للتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي أسسته وتقوده الولايات المتحدة في عام 2002 بدا كأن علاقات البلدين قد تخلصت من آثار النزاع الإريتري – الإثيوبي وعادت إلى سابق عهدها. لكن الولايات المتحدة، ومع ترحيبها بانضمام إريتريا للتحالف المذكور، لم تقبل عرض الحكومة الإريترية باستخدام أراضيها كقاعدة عسكرية للعمليات التي كان التحالف المذكور يستعد لشنها، تحت ضغط منظمات حقوق الإنسان والصحافة الأمريكية التي احتجت على انتهاكات الحكومة الإريترية لحقوق الإنسان. وقد كتبت هيومان رايتس ووتش رسالة إلى وزير الدفاع رامسفيلد احتجاجا على تصريحات أدلى بها في مؤتمر صحفي عقده في أسمرا عقب زيارة لها في 10/12/2002 وقال فيه أن إريتريا دولة مستقلة ومن حقها أن تختار السياسات التي تناسبها. وقد رد رامسفيلد على رسالة المنظمة بالقول أنه أبلغ الرئيس الإريتري أسياس أفورقي عند اجتماعه به في إريتريا أن تطور التعاون العسكري بين بلاده والولايات المتحدة يتوقف على تحسين الحكومة الإريترية لسجلها في مجال حقوق الإنسان. وكانت الحكومة الإريترية قد تعاقدت في أبريل 2002 مع شركة ( Greenbeg Traurig) الأمريكية مقابل 50.000 دولا أمريكي شهريا ولمدة عام لتحسين صورتها في الولايات المتحدة ولإقناع دوائر اتخاذ القرار بتطوير التعاون معها لكن جهود الشركة لم تفلح أمام احتجاجات الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان. لقد تأثرت علاقة البلدين سلبا بالانتقادات التي ظلت وزارة الخارجية الأمريكية توجهها لسجل الحكومة الإريترية في مجال حقوق الإنسان أثر اعتقال هذه الحكومة لمجموعة الإصلاحيين في سبتمبر 2001، ولاثنين من الموظفين الإرتريين في السفارة الأمريكية في أسمرا في أكتوبر 2001 اتهمتهما بالتجسس لصالح السفارة الأمريكية ورفضت، رغم المناشدات المتكررة لوزارة الخارجية الأمريكية، إطلاق سراحهما. وبسبب هذا السجل، خصوصا بسبب القيود التي تفرضها الحكومة الإريترية على الحريات الدينية، حذفت الحكومة الأمريكية اسم إريتريا من قائمة الدول المستفيدة من قانون فرص ونمو أفريقيا الذي يعطي الأولوية للمنتجات الزراعية الإفريقية وفرضت في سبتمبر الماضي حظراً على بيع السلاح لإريتريا بعد أن أمهلتها ستة أشهر لرفع القيود عن الحريات الدينية في البلاد، كما منعت شركة تملكها الحكومة الإريترية من ممارسة نشاط تحويل الأموال وصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي ما يقارب المليون دولار أمريكي وجدها في خزانة السفارة.وفي ندوة عقدها الحزب الحاكم في إريتريا في مطلع يونيو الماضي عن حقوق الإنسان في إريتريا هاجم قادة الحزب: وزيرة العدل فوزية هاشم ، مدير المخابرات الإريترية الجنرال أبرهة كاسا ويماني قبر مسقل مدير مكتب الرئيس، الولايات المتحدة بسبب انتقاداتها المتكررة لسجل حكومة حزبهم في مجال حقوق الإنسان واتهموها بتوظيف موضوع حقوق الإنسان لتحقيق أجندتها الخاصة وانتقدوا سجلها في مجال حقوق الإنسان خصوصا في العراق. وقد ذهب هؤلاء بعيداً فأعطوا خلافهم مع الولايات المتحدة والدول الغربية طابعا أيدولوجيا يعيد إلى الأذهان مرحلة الخلافات الأيدلوجية التي كانت سائدة في مرحلة الحرب الباردة حيث؛ اعتبروا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومفهوم حقوق الإنسان نفسه يعبر عن الرؤية الغربية للموضوع لا عن رؤية ومصالح الدول الفقيرة. وكرد فعل على العقوبات الأمريكية وما تعتبره انحيازاً أمريكيا لجانب إثيوبيا بدأت إريتريا تتبع سياسات إقليمية مستقلة عن الولايات المتحدة بل ومتصادمة معها أحيانها كما حدث ويحدث في الملف الصومالي. ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده بالاشتراك مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في نهاية زيارة الأخير لإريتريا في يوليو الماضي، قال أسياس أفورقي أنه لا يوجد إرهابيون في الصومال وأن الشعب الصومالي حر في خياراته في إشارة لدعم حكومته للمحاكم الإسلامية. ويمكن أيضاً فهم رفض إريتريا لأي تدخل دولي في مفاوضات الشرق التي تجري في أسمرا في إطار محاولاتها لإبعاد واشنطن عن الملف ولتأكيد قدرتها على لعب دور إقليمي مستقل عنها وللإعلان عن فض شراكتها الإقليمية معها وهي الشراكة التي تجلت أكثر ما تجلت في الشأن السوداني. وينطوي رفض الحكومة الإريترية إرسال قوات دولية لدارفور والنقد الذي وجهته لاتفاق أبوجا على رسالة للولايات المتحدة فحواها أنها يمكن أن تعيق تنفيذ سياساتها في الإقليم. لكن التعارض الأخطر بين البلدين هو الذي حدث ويحدث في الصومال فبينما دعمت الولايات المتحدة التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب سلحت الحكومة الإريترية المحاكم الإسلامية، كما اتهمتها جهات عدة، صومالية وإثيوبية وأمريكية ودولية. لقد وجهت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون أفريقيا جينداي فريزر أثناء زيارتها للكنغو الديمقراطية في نهاية الشهر الماضي تحذيراً لكل من إثيوبيا وإريتريا بأن لا يتدخلا في الشأن الصومالي. ويوجد في اعتقادنا فرق جوهري بين تدخل أي من الدولتين، فإثيوبيا لها حدود مع الصومال ولها مصالح استراتيجية في هذا البلد كما أن تدخلها يمكن أن يجد تغطية من الحكومة الصومالية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والأهم من كل ذلك إن هذا التدخل يخدم الرؤية الأمريكية المتشككة في نيات المحاكم الصومالية بينما لا يجد التدخل الإريتري التغطية المذكورة وهو يتعارض تماما مع السياسة الأمريكية وأهدافها في الصومال ويمكن أن يضع الحكومة الإريترية في مواجهة مع الولايات المتحدة ليس من الصعب التكهن بنتائجها.ياسين محمد عبد اللهنشر في صحيفة (الصحافة) بتاريخ 8/8/2006

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى