مقالات

القرن الأفريقي..وذكرى (11 سبتمبر ) التاسعة: محمد صالح عبد الله

19-Sep-2010

المركز

لم تكن منطقة القرن الأفريقي استثناءا، بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما أعقبها من الحرب “الأمريكية الكونية” على ما يسمى الإرهاب، فقد شهدت المنطقة هبة الآلة العسكرية الأمريكية والغربية وحشد امني واستخبارات ضخم غير مسبوق في تاريخها، فالمنطقة وبحسب المنظور الأمريكي كانت ولا تزال مرشحة لان تكون الحاضنة البديل لتنظيم القاعدة الذي تلقى حينها ضربات قاسمة في بلاد الأفغان وباكستان وفي الشرق الأوسط بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

كما وان المنطقة والتي تتفرد بموقع جغرافي مهم اعتبرتها الولايات المتحدة بأنها تشكيل تهديدا خطيرا نظرا لعوامل عدم الاستقرار التي تهمين عليها منذ عقود، فالحروب والتوترات الأمنية وهشاشة الأنظمة والأزمات الإنسانية والاقتصادية كلها عناصر تصنع مناخ مواتي للجماعات الإسلامية التي توصف بالتطرف والعناصر الخارجة عن القانون التي لا تتردد في استغلال هكذا وضع بحثا عن موطئ قدم لها وإعادة ترتيب أجندتها ورسم أهدافها والتي غالبا ما تحصر في النيل والإضرار بالمصالح الأمريكية والغربية والحلفاء في خضم جدلية المواجهة القائمة بين القاعدة والقوى العظمى.فبعد هجمات سبتمبر بشهور قليلة تحولت المنطقة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وشكلت الولايات المتحدة قيادة لمكافحة الإرهاب تتخذ من جيبوتي مقرا وتضم عديد قوات الدول الغربية في مهمة مراقبة وضرب الأهداف المحتملة لتنظيم القاعدة وما يعتقد إنها خلايا نائمة تعمل لحسابه خاصة في الصومال “الدولة الفاشلة” ورصد تحركات عناصر قيادية في القاعدة ظلت تتخفى في منطقة شرق إفريقيا منذ الهجمات الدامية ضد السفارات الأمريكية في تنزانيا وكينيا في عام 1998 وهي ربما المواجهة العلنية الأولى بين القاعدة وأمريكا وهذا في حد ذاته يضيف بعدا آخر يزيد من أهمية المنطقة للأمن القومي الأمريكي والسلم العالم كما يقول كثيرون.وقد فرضت الولايات المتحدة طوقا امنيا على الصومال عبر وجود مكثف في المداخل المائية الشمالية والشرقية والجنوبية من البلاد على المحيط الهندي، كما كثفت من حركة الاستطلاع عبر الطيران وأحكمت المراقبة المائية على مداخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب والسواحل اليمنية، ونفذت العديد من الغارات الجوية في جزر قبالة إقليم صومالي لاند الانفصالي فضلا عن غارات جوية في العمق الصومالي وفي مناطق بجنوب البلاد كان يعتقد ان القاعدة تعسكر فيها بالقرب من الحدود الكينية، كما استهدفت الغارات الأمريكية العديد من القيادات النشطة في الحركات الإسلامية الصومالية هذا ميدانيا.وعلى الصعيد الاستخباراتي، أقامت الولايات المتحدة علاقات تعاون أمني مع دول المنطقة مثل جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا واليمن والسودان وأوغندا ودول أخرى في شرق القارة، تمحورت حول تبادل المعلومات الاستخاراتية والدعم الأمني لبناء قدرات الأجهزة الأمنية والقيام بعمليات نوعية مفترضة لاقتناص “صيد ثمين” وتوجيه ضربات استباقية وغربلة النظم المالية والبنكية وشبكات الاتصالات بهدف تجفيف منابع الدعم المالي والتواصل “للمجموعات الإرهابية، واستقدام خبراء في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية في إطار حملة لكسب وترويض العقول والقلوب وتحسين صورة أمريكا وسط التجمعات السكانية بدول الإقليم، كل ذلك وغيره كان من مقتضيات أوجه الحرب على الإرهاب في المنطقة.واليوم وبعد تسعة أعوام من الحرب الأمريكية على الإرهاب لا يزال الوجود العسكري الأمريكي شاخص على المنطقة، فيما تتفاقم الهواجس الأمنية أكثر في المنطقة على ضوء الوضع القائم في الصومال وتنامي ظاهرة القرصنة والحرب اليمنية ضد القاعدة وجماعات أخرى متمردة والاتهامات المتبادلة بين دول المنطقة بتغذية كل طرف لمناوئ الطرف الآخر وغير ذلك من الصعوبات السياسية والاقتصادية وتقارير تتحدث عن تنامي نفوذ القاعدة في الإقليم واختراق عناصره للعديد من الجماعات الإسلامية على خلفية ما أعلن من تحالفات بينه وبين تنظيمات صومالية.صحيح ان الولايات المتحدة، لن تضع إستراتجية واضحة المعالم ولن تساعد دول المنطقة التي تعاونت وتحالفت معها في بناء خارطة طريق لبناء الديمقراطية وحلحلة الأزمات والمشكلات التي تعاني منها.. فالتوتر السياسي والأمني لا يزال السمة البارزة في المنطقة، لكنها وبكل تأكيد كسبت الكثير من الأصدقاء والثقة على المستويات الرسمية في سياق تبادل المصالح، ونظرا لأن مفهوم الأمن لدى واشنطن يعني السيطرة المطلقة، فان الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إقامة قيادة عسكرية موسعة لها في عموم القارة فيما تعرف بـ”AFRICOM” وهي القيادة العسكرية لأفريقيا وتفاوض منذ أكثر من خمسة أعوام الدول الأفريقية ومنظمة الاتحاد الإفريقي لاستضافتها، إلا أن هذا المشروع الذي يثير جدلا وشكوكا لا تزال القارة السمراء تقف على مسافة واحدة منه، فقد تحفظ عليه الاتحاد الأفريقي ليس لطبيعته العسكرية والمخاوف من أن يكون مقدمة لفرض وصاية أمنية على القارة، وإنما بغية الحفاظ على الموقف الأفريقي موحدا وتجنب خلافات واختلافات داخل دول الاتحاد وتلك مهمة يناط بها الاتحاد الأفريقي.ويمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في مغادرة المنطقة حتى ولو انتهت حربها على ما تسميه الإرهاب الكوني، ولو ترك غيرها المنطقة كما فعلت ألمانيا مؤخرا التي قلصت وجودها بصورة كبيرة، فقد أكدت العديد من الدراسات الأمنية والاقتصادية الغربية، إن مكانة إفريقيا الإستراتيجية والاقتصادية تتعاظم باستمرار لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ما يجعلها وجهة المستقبل المفضلة، كما أن الوجود الأمريكي في القارة تكرسه أيضا حاجة الكثير من الدول الأفريقية نفسها والتي تعتمد على أمريكا لمساعدتها في المجالات الأمنية تحديدا وغيرها الكثير وعلى ضوء ذلك يبدوا أننا سنحتفل كثيرا ونحي أحداث سبتمبر مع واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى