مقالات

أرسالـة وداع لرجـل حلـم بوطـن حـر وديموقراطـي : حمد كل

18-Oct-2010

المركز

الحلم …. الحلم حالة من الإلهام يتحول إلى رسالة ، كل الثائرين حلموا ، القادة التاريخيين حولوا الحلم إلى رسالة ، بعضهم حقق رسالته وأنتصر وآخريين ماتوا في الأدغال أو إبتلعتهم السجون أو المنافي. كم هو مؤلم أن ترى حلمك يتبدد وتبقى أنت والخيال في جدال.

حلم يتحقق وحلم يصبح عصياً في البدء ثم يجود عليك الزمان فيبقى واقعاً ، وحلم لا يتحقق كاملاً فتنتقل به إلى الرفيق الأعلى . هذه هي الحياة وأهوالها ، الحياة وتصاريف أزمانها وأحلامها أدمت كثيراً من القادة والكتاب والشعراء والفلاسفة. قال فيها إحسان عبد القدوس : نحن لا نسير في الحياة لكننا نحملها ونسير بها . أيليا أبو ماضي قال فيها متشائماً : وطريقي ما طريقي ، أطويل أم قصير، هل أنا السائر في الدرب أم الدرب يسير، أم كلانا واقف والدهر يجري لست أدري؟ ناظم حكمت ، حلمه لم يكتمل : أن أجمل الأيام يوماً لم نعشه بعد وأجمل البحار بحر لم ترتده أشرعتنا بعد نزار قباني سرقوا حلمه : سرقوا منا الزمان العربي سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبي يا صلاح الدين باعوك وباعونا في المزاد العلنييا أبا محمود لو كان الدمع يجدي لزرفناه عليك مدراراً ، باعدنا الزمان وتمترس بيننا العدى. حلمت بوطن الجدود ، عشت ريعان شبابك في بورتسودان وشاركت مع الوطنيين السودانيين حتى تم إستقلال السودان بإعتبار أن النضال من أجل الحرية لا يتجزء ، لكن إستقلال السودان لم يكن يمثل نهاية المطاف بل كانت إرتريا الوطن همك ، كانت إرتريا ساكنةً فيك ، كنت مشدوداً نحو ذلك الوطن. يوم رفع العلم السوداني إيذاناً بإستقلاله فرح رفاقك السودانيين بذلك اليوم المشهود ، لكنك كنت تعد العدة لمرحلة أخرى ، كنت تشد الرحال إلى الوطن الأم ، فلا الوظيفة أغرتك ولا العيش الهاني الوادع ألهاك . شهدت بأم عينيك إستقلال السودان وقيام الدولة وإنجاز الدستور وممارسة الديموقراطية وقيام الأحزاب وحكام متسامحين مع شعبهم أمثال إسماعيل الأزهري ، محمد أحمد المحجوب ، الهندي ، مبارك زروق ، ومعارضة راقية ممثلة فيعبد الخالق محجوب وعلي عبد الرحمن . وإتحاد عمال يقوده الشفيع أحمد الشيخ ، والمرأة بقيادة فاطمة أحمد إبراهيم ، إتحادات طلابية ، وفلاحين ، نقابات ، صحافة حرة وديموقراطية تمارس دون حسيب أو رقيب . كان ذلك الجزء الثاني من حلمك بعد تحرير إرتريا من جبروت هيلي سلاسي وزبانيته كان نضال الآباء الأُول ماثل في ذهنك. بعد تطبيق الفيدرال المشؤوم إعتقد الإمبراطور هيلي سلاسي وعملاءه أن الأمور قد إستتبت لهم في إرتريا ، لكن الشعلة التي أنرتها أنت ورفاقك كانت كالشرارة أشعلت كل المدن الإرترية ، كانت بداية لمسيرة طويلة ، كانت البداية في الثاني من نوفمبر 1958 م وكانت الخاتمة في 24/05 / 1991 م . وبالرغم من أن المسيرة الطويلة شابها كثيراً من الخلافات لكنك شددت الرحال إلى الوطن مع إنجاز المرحلة التاريخية وشاهدت وعشت تلك اللحظات التاريخية العظيمة يوم الإستقلال ورفع العلم الإرتري ، كنت فرحاً ، عاودك الحلم القديم من جديد بعد أن سمعتها معك أحاديث المسؤولين الإرتريين عند اللقاء بهم ، قالوا أنهم سينجزون الدستور وسيمارسون الديموقراطية وسيسمحون بقيام الأحزاب ، عاودك الحلم من جديد وقلت لي يومها ” لا يهم من يحكم ، ليس مهماً في هذه المرحلة ، بل المهم أن تسود الديموقراطية ” وراودك الحنين لإقامة وبناء حزب يكون منبراً ولسان يعبر عن تلك الأماني المخزونة في الذاكرة والتي قدمت لها زهرة شبابك . مع مرور الأيام أصبح ذاك الإستقلال ، إستقلالاً لا طعم له ولا لون يا أبا محمود لم تكن وحدك من تألم لهذا الوضع بل شعبك بكامله ، وحتى معظم مناضلي الجبهة الشعبية ، قال لي أحد كوادرهم أكان يضحك أم يتألم لا أدري : “وقبضنا الريح”. نزعوا الكحل من عيون فتياتنا ، زرعوا اليأس في أحشاء شبابنا ، أسكنوا الذهول والألم في وجوه وحنايا آبائنا وأمهاتنا ، حتى أطفالنا ينظرون لقدوم العام الثامن عشر من أعمارهم بنوع من الفزع ، أذلوا رقاب المناضلين الشرفاء . يقولون يا أبا محمود ، أن كل ديموقراطية تختلف عن الأخرى ، لكن الدكتاتوريات تبدو واحدة ، الدكتاتوريات لا وفاء فيها للحلفاء والشركاء ولا رحمة للخصوم والأعداء . لمحتك أول مرة من بعيد في مدينة أغردات وأنا صبياً ، كنت أنت زائراً ، و مرة أخرى وأنت عريساً . إنتميت في بداية شبابي في الخرطوم إلى تنظيم حركة تحرير إرتريا وناضلت في صفوفه ثم حدث الخلاف السياسي معه ، ثم جمعتني بك الأيام من جديد في السودان ثم في أسمرا، وجدت فيك الأخ والصديق ، وجدت التسامي ، رفيع في خلقك طيب المعشرفيك شهامة إبن البلد ، سياسياً قد نختلف أو نلتقي مع رؤياك السياسية لكنك ودوداً ، كتوم بطبعك ، يأسر بأحاديثك كل جلسائك ، مستمع جيد بدون ملل ، كاتب من نوع رفيع ، كانت لك محاولات لكتابة التاريخ وكنت تقول لي أن وثائقك ليست معك ، كتابتك للتاريخ يختلف ويلتقي عليها البعض لكنها تؤسس لمرحلة قادمة ليواصل فيها الآخرون كتابة التاريخ ، لم يجود الزمان عليك لتتابع كتابة الروايات أو القصص فأكتفيت ب ” صالح ” وإذا لم تخنِ الذاكرة فإن “صالح” هي أول رواية إرترية ، إسهاماتك مع المغفورله عثمان صالح سبي في تراجم الكتب هي عند تقدير الكثيرين . كنت تئن من جفاف وتصحر أسمرا الثقافي ، كنت من عشاق القهوة خاصةً ” الجبنة” في العصريات ، كم مرة ً دعيتني لحضورها ورائحة البخور الزكية كانت ترد الروح ، بساطتك كانت تشدني وكيف أنسى نهاية التسعينات ونحن نتسامر مع أصدقاء عديدين من الساعة العاشرة وحتى منتصف النهار في النادي الإيطالي بأسمرا ، وكانت الجلسة تحلوا كل ما إذدادت فناجين القهوة ، وأنا ما زلت من عشاقها ، أشربها وبرد “لندن” يهمي على جسدي ، حين ذهبت إلى دمشق كلما أرسل لك كل شهر مظروفين أو ثلاثة من الملاحق الثقافية بواسطة الحقيبة كنت تقول لي عبر الهاتف ” ها أنا في أسعد يومي لأنك تزيل عني الجفاف والتصحر ” . أذكر لك ذاك الحديث الذي تبادلناه بعد ذهابنا إلى الوطن بثلاثة أعوام وأنت تقول لي مندهشاً ” أن الجبهة الشعبية إذا إستمرت على أحوالها هذه ستتآكل كتنظيم ونظام ، وسيقل رصيدها الشعبي ” كنت حريصاً أن تستمر هذه التجربة وتنتقل بشكل سلس إلى الديموقراطية ، أقول لك الآن ” أن الجبهة الشعبية كتنظيم ونظام قد تهاوت ووصلت إلى الحضيض وتحولت إلى نظام بوليسي قمعي . حاولوا أن يجعلوا من رحيلك يوماً عادياً ، فالدكتاتور نرجسي بطبعه لا يسمح بإعلاء إسم أحد حتى في الموت . لكنك يا أبا محمود قامة وطنية ، فتاريخك وهامتك أرفع من الدكتاتور وقصرِه ، لأنك ساكن في قلوب كل الوطنيين الشرفاء. هم حاولوا أن يعتموا على كل الشرفاء ، مات إدريس محمد حسن ” قانشره” وجهل دور المناضل الجسور أحمد سويرا ، وآخرين من مؤسسي حركة تحرير إرتريا ولم يذكرهم أو يتذكرهم أحد . نحن لا ندري ما حال ذاك الوطني الكبير ” أكيتو” وهل سيموت دون أن يعرف عنه أحد وهل ينطبق هذا على نكروما وعلى “علي برحتو” في المهجر ، قل لي كم من المناضلين الشرفاء ماتوا ولم يعرف عنهم أحد ، كم هم الذين ماتوا في كسلا وباقي المدن السودانية ، ماتوا وحالهم يرثى له . كل الشرفاء أعداء في نظرالدكتاتور ، لا نعرف كيف تعيش أسرة إبراهيم سلطان ، أسرة عثمان صالح سبي ورفاتهم ما زالت تنتظر العودة إلى وطنها ، لا نعرف كيف تعيش أسرة حامد إدريس عواتي ، كل هذه الأسماء والرموز تسبب صداعاً ومنغصات للدكتاتور . بالرغم من كل ذلك أقول لك يا أبا محمود إن في نهاية النفق ضوء ، وإن بعد الغروب ينفلق الصباح ويأتي الشروق ، وأن جذوة النضال من أجل النصر باقية في نفوس شعبك وأن الظلم عمره قصير . فنم غرير العين وأبناء شعبك سيحملون الشعلة التي أضئتها حتى تحقيق النصر وهو بإذن الله آتٍ لا محالة . وبهذه المناسبة أناشد وأتوجه إلى كل المناضلين الشرفاء من أبناء شعبنا في إرتريا والسودان وفي كل أنحاء المعمورة أ ن نحتفل بيوم الثاني من نوفمبر 2010 م وهو بلا شك يوم وطني وهو أيضاً وفاء ً ، وتكريماً وتخليداً لفقيد الوطن المغفور له محمد سعيد إدريس ناود ، وهو يصادف يوم ميلاد وتأسيس حركة التحرير الإرترية يوم الثاني من نوفمبر 1958 م رحم الله محمد سعيد إدريس ناود رحمةً واسعةً وأسكنه فسيح جناته مع الصديقيين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى