مقالات

طبيعة الخلاف بين النظامين الارتري والاثيوبي وحكاية السمنارات: الحلقة الاولى- بقلم:حمد كل

5-Sep-2011

المركز

لا يمكن للقارئ ان يلم بطبيعة هذه الخلافات بين النظامين دون معرفة الخلفية التاريخية للصراع الارتري-الاثيوبي ومعه منطقة القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر. مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على دول المحور وضح ان الاتحاد السوفيتي وبريطانيا ومعهم فرنسا ان الحرب قد انهكتهم وان الولايات المتحدة الامريكية قد خرجت من الحرب قوية، في تلك الفترة قال “فرانكلين روزفلت” رئيس الولايات المتحدة الامريكية ما دمنا كولايات متحدة امريكية قد خرجنا من الحرب العالمية الثانية اقوياء وان حلفائنا قد اضعفتهم الحرب على الولايات المتحدة الامريكية ان تلعب دور الـ Super Power في كل المناطق ذات الاهمية الاستراتيجية، وقد وصفته القوى التحررية في ذاك الزمان “بالاستعمار الحديث” الذي يستولي على قرارك السياسي وعلى كل مواردك، كان هدف امريكا في تلك الفترة تطويق كل الممرات المائية في العالم.

جاء “فرانكلين روزفلت” “بيخته” الى منطقة الشرق الاوسط 1945 وبالتحديد ارسى “يخته” بالقرب من قناة السويس على البحر الاحمر والتقى هناك بالعاهل السعودي والملك فاروق، شاه ايران، والامبراطور هيلي سلاسي. والواضح ان الامريكان قد خططوا للهيمنة على الممرات المائية في الشرق الاوسط ومنطقة القرن الافريقي عبر حلفائهم في المنطقة، فكلف شاه ايران ليكون امينيهم على مضيق “هرمز”، وكلفت اسرائيل لتلعب دورا في شرق قناة السويس ومنطقة الهلال الخصيب، اما الامبراطور هيلي سلاسي فقد كلف ليلعب دورا في منطقة القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر من خلال الاستيلاء على ارتريا وسواحلها في البحر الاحمر والهيمنة على “باب المندب”. كل الادلة تؤكد ان لقاء الامبراطور هيلي سلاسي بفرانكلين روزفلت – رئيس الولايات المتحدة الامريكية – في تلك الفترة قد حسمت فيه المسالة الارترية.ومنذ القدم كان الملوك الاثيوبيين بالتواطؤ مع الغرب يطمحون للاستيلاء على اراضي شعوب الجوار التي تطل على البحر الاحمر والمحيط الهندي، والغرب تواطأ مع اثيوبيا حيث قضمت اراضي من الصومال وضمت الى اثيوبيا، وقضمت ارض من الصومال وضمت الى كينيا.كان الامبراطور هيلي سلاسي يطالب وباستمرار لضم جيبوتي الى اثيوبيا لكن النفوذ الفرنسي وقف حائلا دون ضمها لوجود قاعدة عسكرية فرنسية تشرف على جنوب باب المندب وجزء من المحيط الهندي حتى مدغشقر. وعاملة الغرب وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية ارتريا كارض بلا صاحب (كما ذكرها البرنامج السياسي لجبهة التحرير الارترية في المؤتمر الوطني الاول في شهر نوفمبر 1971) وكان القرار 390|أ|5 هو قرار امريكي صدر في الامم المتحدة عام 1950 بربط ارتريا بذاك الفيدرالي المشؤوم.ومع تطبيق القرار الفيدرالي 1952 بدات تظهر النوايا الاثيوبية الخبيثة المتمثلة في تكسير القرار الفيدرالي، ادخال الجيش الاثيوبي وتمركزه في كل انحاء ارتريا، انزال العلم الارتري 1958 وضم ارتريا قسرا على اثيوبيا 1962، (واقيمت قاعدة امريكية في اسمرا لها اجهزت تنصت متطورة).في داخل ارتريا كان الامبراطور يمارس تكميم الافواه، سياسة فرق تسد داخل المجتمع الارتري، مطاردة الوطنيين، انهاك الاقتصاد الارتري من خلال قفل الشركات والمصانع ومطاردة المستثمرين الاجانب، وكان الهدف من ذلك لاشعار العالم ان ارتريا لا تملك مصادر لتعيش بها ولا تستطيع العيش دون اثيوبيا، الغريبة ان النظام الاثيوبي الحالي في بداية المشاكل مع ارتريا عام 1998 كان يقول ذلك، وعلى المستوى الخارجي كانت سياسة اثيوبيا تركز على تزييف تاريخي بقولها ان ليس هناك بلدا يسمى ارتريا، وان ارتريا عادت الى امها اثيوبيا، وان ارتريا جزء من التاريخ الاثوبي. كان الغرب وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية يسعى لجعل اثيوبيا بلدا مهما في افريقيا ودولة ذات نفوذ في منطقة القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر، كانت الولايات المتحدة الامريكية تقدم مساعدات مادية ضخمة نصف ما كانت تقدمه لافريقيا، ودعما عسكريا بالسلاح وكل الوسائل اللوجستية العسكرية التي تجعل من الجيش الاثيوبي جيشا قويا ولذلك كان يقال في تلك الفترة ان اثيوبيا تملك اكبر جيشا في افريقيا السمراء ولذلك سعى الغرب لجعل منظمة الوحدة الافريقية مقرها في اديس ابابا. وانتهزت اثيوبيا هذه الفرصة وانتزعت قرارا من منظمة الوحدة الافريقية عام 1964 يقول القرار ” عدم مس الحدود الافريقية الموروثة من الاستعمار” ليقف هذا القرار عائقا امام استقلال ارتريا، وبكل اسف منظمة الوحدة الافريقية تبنت هذا القرار حتى مجئ الاستقلال. وبالرغم من ان القرار الفيدرالي كان ينص على عدم المساس به الا بعد الرجوع الى الامم المتحدة، وبالرغم من ذلك كسرت اثيوبيا القرار الفيدرالي وضم ارتريا، كان الغرب وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية والامم المتحدة متواطئة ولم يحركوا ساكن. ومع قيام الثورة الارترية بقيادة جبهة التحرير الارترية ازداد دعم الغرب وعلى راسه امريكا وبلا حدود للامبراطور هيلي سلاسي بالمال والسلاح وكل المساعدات اللوجستية لمواجهة الثورة الارترية. كان الامبراطور هيلي سلاسي يمارس السياسة المرسومة له، فقد تآمر على السودان من خلال دعمه لحركات التمرد في الجنوب وفي الشمال السوداني كان يتدخل بشكل غير مباشر في الشان السوداني من خلال تحالفه مع حزب الامة. ثم في فترة لاحقة كان يساوم الحكام السودانيين بالجنوب السوداني لايقاف تسهيلاتهم للثورة الارترية، كان يعكر الاجواء في الصومال ويطالب باستمرار بضم جيبوتي الى اثيوبيا ويمارس مؤامراته بالتحالف مع الغرب على البحر الاحمر. 1970 ظهر تململ في اروقة صناع القرار الامريكي فقد شعرت امريكا ان الامبراطور هيلي سلاسي قد ازدادت جبروته وعناده والاوضاع الاقتصادية في تدهور مستمر في اثيوبيا وان النظام اصيب بالعجز وتفشي الفساد وليس هناك اي اصلاحات، بالاضافة الى ذلك ازدادت قوة جبهة التحرير الاترية وضرباتها الموجعة للجيش الاثيوبي، وفشل الامبراطور في اجهاض الثورة. برز اتجاه داخل اروقة صناع القرار الامريكي في ذاك الزمان يقول اسقاط نظام الامبراطور هيلي سلاسي بانقلاب عسكري، لكن اتجاه آخر قال لا يمكننا ان نرتكب اخطاء اخرى فقد ساهمنا في انقلابات عسكرية في انحاء العالم الا ان الانقلابيين في فترات لاحق انقلبوا علينا واخذوا توجها يساريا، فالنترك نظام الامبراطور هيلي سلاسي لاقداره. (ملاحظة: هذه المعلومات كانت متداولة في ذاك الزمان في منطقتنا). 1974 بدات تظهر المجاعة على السطح ما كان يخفيه الامبراطور في السابق، كان الجوع يتفشى في القرى النائية ثم بدا سكان هذه القرى يلجؤون للمدن الكبيرة هربا من الموت كان الجوع ينخر اجسادهم، الاحصاء الاولي الغير دقيق في فترة الامبراطور ومنجستو هيلي ماريام كان يقدر عدد الموتى من الجوع بتقدير اولي ما يساوي خمسة ملايين نسمة ولم يرف جفن للامبراطور القاسي والمتجبر وايضا ذاك السفاح منجستو هيلي ماريام. حين انتشر خبر المجاعة في العالم ذهبت صحفية اوروبية لمقابلة الامبراطور هيلي سلاسي، وجدته وهو يغذي كلبه فسالته لماذا تقدم الطعام لكلبك ولا تقدم الطعام لشعبك؟ فقال لها ودون اي وازع ان الكلب اكثر وفاء من الانسان. التمرد العسكري انتشر في كل انحاء اثيوبيا والجوع تفشى في كل القرى الاثيوبية. كان في تلك الفترة تاتي الى اثيوبيا بواخر مليئة بكراتين زجاجات الويسكي ليزين بها الموائد في احتفالات الثورة، وسفير منجستو هيلي مريام في سويسرا كان ايجار فيلته خمسة ملايين من الدولارات الامريكية، في هذه الفترة كانت الصحافة في كل انحاء العالم تناشد لاغاثة جياع اثيوبيا، في هذا الوقت جاء صحفيا اجنبيا وقابل منجستو هيلي ماريام وقال له كيف يمكن ان تعالج مسائل التمرد والجوع بصورة خاصة؟ فرد عليه منجستو هيلي ماريام وبكل عجرفة “فالتاخذ الطبيعة من الجياع والمتمردين حقها”. في نهايات 1974 بدء اضراب سائقي سيارات الاجرة في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا وشهدت جامعة اديس ابابا اضرابا طلابيا، لكن العسكر لاحقا سرقوا الثورة ونصبوا انفسهم حكام على اثيوبيا، وتهاوى نظام الامبراطور هيلي سلاسي الذي اللهته الكنيسة الاورتودكسية وافرد له حرفا من حروف “الجئزية” لا يستعمل الا لتمجيده وكان الجميع يسجد له. سقط الامبراطور وترك اثيوبيا خاوية على عروشها. من الاشياء التي تلفت الانتباه ما هي المعايير التي خلد بها هيلي سلاسي نفسه امبراطورا؟، نقرء ونسمع ان امبراطوريات اقامت صروحا ومنارات للعلم وبنت اقتصادا وجيوشا تتباهى به امام العالم ويوضع لها الاعتبار ثم بادت، ترى ما الذي قدمه ذاك الامبراطور العجوز لامبراطوريته سوى الحروب والقتل لضم القوميات قسرا والتنكيل بهم وفرض الدين المسيحي حتى على مسلمي اثيوبيا وفرض اقلية من قوميته من “الامهرا” لتهيمن على كل مقدرات شعوب اثيوبيا وحولت الكنيسة الاورذوكسية الاف من الفلاحين الى عبيدا في مزارعها.الأغرب من ذلك ان النظامين الاثيوبي والارتري لا يتحدثون عن مرحلة الامبراطور هيلي سلاسي بل يتناولون بالتركيز على مرحلة منجستو هيلي ماريام.وانت تتجول في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا تشاهد تماثيل اباطرة “الامهرا” منتصيبة بالرغم من ان ثوراة خيضت ضد هؤلاء، عجيبة هي اثيوبيا وحكامها. _______________* محلل ديبلوماسي سابق، ومحلل سياسي وجيو-استراتيجي ارتري مقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى