اللاجـئون بكسـلا.. مأســاة لا تنتهي :قصـــص وحــكايــــات مـــــن داخــــل المعسكـــــرات
10-May-2012
المركز
معتمــد الإسكان: الجديــد في اللجــوء ظاهــرة الأســر الكاملة
نقلاً عن صحيفة الأهرام اليومالسودانية 9مايو2012م
قصة اللاجئين بشرق السودان قصة مأساة تحوي في فصولها أقسى مشاهد المعاناة والانتهاك لآدمية البشر، أعداد خرجت قسراً من أوطانها بحثاً في فجاج الأرض عن ربوع أرحب، ضاقت بهم أو ضاقوا بها فارقوا مستودع ذكرياتهم ومنبت أحلامهم، مضوا في دروب المجهول، يتربص بهم ضعاف النفوس، والخارجون عن القانون، يتصيدهم تجار البشر،
والذين سلموا منهم يواجههم قانون الهجرة الذي يعرفهم بالمتسللين، ومن كان سعيد الحظ وكفاه الله شر هذه وتلك وجد أمامه الجهات التي من المفترض أن تكون سنده وملاذه في أرض اللجوء، والمتمثلة في الجهات الأمنية من جهة ومعتمدية إسكان اللاجئين (كور) والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين من جهة أخرى. (الأهرام اليوم) اقتحمت معسكراتهم وعايشت معاناتهم .إحصـــــاءات: (68) ألـــــف لاجــــئ بـــكــســــلا حالـــياًمن داخل المعسكراتننصح ذوي القلوب الرقيقة بعدم قراءة هذه السطور خوف أن تنفطر قلوبهم حزناً، إلا أن الحياة دوماً تظل تحمل في طياتها تناقضات تسخر من الإنسان والإنسانية حيناً وتبتسم لها في بعض الأحيان، والقدر حتم على هؤلاء أن يكونوا كذلك إلا أنهم رغم معاناتهم يحدوهم بصيص من الأمل.(م.م.ب) امرأة في الخمسينيات دخلت الأراضي السودانية في عام 2003م ولديها خمسة أطفال، وهي مصابة بسرطان الثدي وتم استئصاله بالخرطوم وابنتها الكبرى البالغة ستة عشر عاما من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا تستطيع القيام بشيء وفي حاجة دائمة لمرافق للأكل والشرب وقضاء حاجتها، بالإضافة إلى أن ذات المرأة تكفل طفلي أختها التي توفيت بذات المعسكر، وتم تسجيلها في برامج إعادة التوطين ولم تجد أي رد حتى اللحظة، فقد كالت الاتهامات للمفوضية في تجاوزاتها وقالت: «إن هناك لاجئين أفضل منها حالاً تمت إعادة توطينهم»، وتساءلت عن معايير اختيارهم لبرامج إعادة التوطين؟(ب.ك.ب) لاجئ إريتري اتهم جهات داخل المفوضية وقال إن اللاجئ الميسور الذي يدفع أكثر يجد طلبه القبول السريع وفي الدولة التي يختارها.وفي معسكر آخر اتفق الجميع على أمر واحد يتمثل في (ع. م. ن) مشرف المعسكر، وممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، و(أ.أ) مسؤول الحماية بالمعسكر، فالأول هو حلقة الوصل التي لا توصل بين اللاجئين والمفوضية، فالمعاناة هنا لها وجه آخر، فقد قام لاجئو هذا المعسكر بتكوين لجنة لرفع وإيصال أمرهم للمفوضية بكسلا، بعد أن أبلغوا المشرف بمذكرة شرحوا فيها كافة مشكلاتهم ولم يحرك ساكناً، بل مارس عليهم أقسى أنواع الانتهاك وذلك بناءً على إفاداتهم، فقد ظل لاجئو هذا المعسكر يتعرضون للترويع المستمر وليس لهم موارد، وهناك مشكلات المياه والتعليم والصحة وغيرها من المشاكل، وقالوا: «كلما أردنا أن نعرض مشكلاتنا صدنا المسؤول» وأكدوا بأنهم ظلوا طوال عامين يشتكون ولا أحد يجيب، وتم إرجاع اللجنة إلى المعسكر وإلى ذات الشخص وقال ساخراً منا: «تمشوا وتجوني تاني أنا في السماء في الأرض ما عندكم حل غيري»، وعند سؤالنا عن (ع) حتى نلتقي به ونستمع له تبين أنه مقيم بخشم القربة ولا يأتي إلى المعسكر إلا لماما، وعندما يأتي لا يفعل شيئاً سوى إذلالهم وتحقيرهم على حد قولهم، كما جأر لاجئ بذات المعسكر بالشكوى من الخدمات الأساسية وسبل العيش.مسؤول الحماية بالمعسكروهذا قصة أخرى، وهو شخص يدعى (أ.أ) هو إريتري الجنسية، وقد كان قبل ما يقارب الثلاث أو أربع سنوات لاجئاً في ذات المعسكرات وعانى ذات الظروف، إلا أن الحظ ابتسم له وصار بين ليلة وضحاها أحد أفراد الحماية بالمعسكر وفق سياسة المفوضية بالاستعانة بالعاملين، وسعد اللاجئون كثيراً بذلك إلا أنه سرعان ما تنكر لهم وأصبح يتعامل معهم بفوقية واستعلاء بل يمارس ذات الانتهاكات.ويتواصل سرد الحكايات المأساوية، حيث إن (ف.ت.س)لاجئة في الخمسين من عمرها لديها خمسة أطفال قدمت طلباً منذ 2004م، ومنذ أن تسلم المدعو (أ) ملفها تعقد الأمر كثيراً، وأشارت إلى أن اللاجئين الذين يرتبطون بعلاقات خاصة معه تسير أمورهم بصورة جيدة، وأن اللاجئين الذين أتوا قبلها ولديهم علاقات به تمت إجراءات إعادة توطينهم وتمكنوا من السفر.وكذلك الحال مع العديد من اللاجئين الذين جهروا بالشكاوى من مسؤول الحماية وطالبوا الجهات المختصة بحمايتهم منه، وقالوا إنه لا يأتي مطلقاً وإن جاء لا يختلف الأمر عن ما يمارسه (ع) عليهم، وأكدوا أن المفوضية لا تقدم أي دعم لهم، وأشار العديد منهم إلى انعدام الخدمات العلاجية.(خ.س.ب)امرأة لديها خمسة أطفال، أحد أبنائها مصاب بالصرع و(الأهرام اليوم) تحصلت على تقرير طبي يفيد بذلك، لا تجد ما تقدمه له وقد تم رفض طلبها في برنامج إعادة التوطين، أخرى جاءت لنا وهي تلملم أطرافها قالت إن زوجها تم اختطافه من داخل المعسكر في الثالث من ديسمبر في العام الماضي، وقدمت بلاغاً إلى (ع) وبدأت بالبكاء وقالت: «أنا كنت عايزة أنتحر وعندما كلمت (ع) قال لي انتحري البحر جمبك»، وقال: «الحبش كذابين تقولوا كدا عشان تمشوا بره».لاجئة أخرى طلبت منا أن نستمع لشكواها فهي قدمت في 2006م وزوجها معتقل بإريتريا، تعرضت للاختطاف هي وطفلاها وتم اغتصابها.(م.ا.ب)لا تختلف قصته كثيراً عنهم إلا أنها أمرّ، فقد حاول أحد المنفلتين أن يغتصب زوجته ودخل معه في عراك مما عقد حياته مع العديد من الجهات.آخر وهو على حد قوله كان مسؤولاً رفيعاً تعرض لإطلاق نار داخل المعسكر من جهات ظلت تلاحقه دائماً، وهو يعيش في قلق مستمر وهذا بشهادة معتمدية إسكان اللاجئين بموجب خطاب رسمي، يؤكد على ذلك والصحيفة لديها صورة من ذلك.حقائق وأرقامتأكيدات معتمدية إسكان اللاجئين بكسلا تفيد بأن متوسط دخول اللاجئين للأراضي السودانية ما بين 30 – 40 لاجئاً يومياً، فيما تفيد مصادر أخرى بأن معدل دخولهم يكون ما بين 50 – 80 لاجئاً، وإن صح هذا أو ذاك تبقى الأرقام أقل. ونقدر الجهد المبذول من معتمدية إسكان اللاجئين والجهات ذات الصلة وهي تقوم بدورها تجاه التدفقات الكبيرة، حيث تجاوزت أعداد اللاجئين الموجودين حالياً بالولاية 68 ألف لاجئ يتفرقون في عدد من المعسكرات المنتشرة في أرجاء الولاية، منهم 1017 لاجئاً وصلوا مؤخراً خلال الأشهر الأولى لهذا العام وذلك بناءً على إفادات المعتمدية.التهريب وتجارة البشرقضية التهريب وتجارة البشر أضحت ظاهرة انتشرت مؤخراً وبقيت هاجساً يؤرق حكومة الولاية التي ظلت تتعاطى مع هذا الملف بمسؤولية كبيرة، فقد سنت قانون تجارة البشر كأول ولاية تضع لقانون مماثل، وذلك بعد تزايد أعداد المختطفين من الولاية خاصة بين أوساط اللاجئين، وهذا يعود إلى أسباب أبرزها أن أغلب اللاجئين الوافدين من دول الجوار يكونون على غير دراية بضرورة تسليم أنفسهم لأقرب مركز شرطة، أو لأنهم متخوفون من الإبعاد فيقعون فريسة سهلة للمنفلتين والمشتغلين في مجال تهريب وتجارة البشر. وكما هو الحال في الإحصاءات والأرقام فقد تحصلت (الأهرام اليوم)، ومن مصادرها الخاصة جداً على أن عدد اللاجئين الذين تم تحريرهم من أيدي المهربين يفوق (550) لاجئاً خلال هذا العام فقط، علماً بأن هذا الرقم هو الإحصاء الرسمي من جهات مختصة، فهناك أعداد أخرى تم تحريرها عبر الاتصال المباشر بين المختطفين وأهل وذوي اللاجئ المختطف، فضلاً عن الأعداد التي لم يتم تحريرها، ومن المؤسف حقاً أن نجد أن أقصى عقوبة حكم بها على المهربين كانت السجن لمدة عام والغرامة ألف جنيه وكان ذلك في 20/3/2011م.وأكد الباحث والناشط الحقوقي جمال سعيد إبراهيم أن قضية اللجوء قضية شائكة ومعقدة وتتطلب تكامل كافة الجهات ذات الصلة، وقال إن هناك جهوداً كبيرة ومقدرة تبذلها الدولة متمثلة في أداء معتمدية إسكان اللاجئين (كور) بجانب الأجهزة الأمنية، إلا أن هذا الجهد لا يوازيه جهد الشركاء من المجتمع الدولي والمتمثل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي دائماً ما تقلل من الجهد الحكومي وتنتقد أداءه بدلاً من أن تثمنه وتدعمه. وأضاف جمال أنهم لا ينظرون إلا للجزء الفارغ من الكوب وهذا ما لا يخدم قضية اللجوء في شيء، وسيظل الحال على ما هو عليه ما لم تتكامل الأدوار، ويتم التنسيق بين كافة الشركاء. وقال: «من الأهمية أن تعترف المفوضية والمجتمع الدولي بالدور الكبير الذي تقدمه معتمدية إسكان اللاجئين والحكومة وتقدم دعماً معنوياً ومادياً لارتقاء وتطوير جهودهم في ذات السياق».ما بين قانون الجوازات والهجرة وقانون اللجوءوأشار الأستاذ معاذ إبراهيم عبد الكريم الماحي الناشط في مجال حقوق الإنسان إلى القوانين المعمول بها، والمتمثلة في قانوني الجوازات والهجرة وقانون اللجوء للعام 1975م بالإضافة إلى قانون اللجوء المعدل، وقال إن هذا الأخير غير معمول به، مشيراً إلى حجم التضارب بين القانونين، مبيناً أن قانون الهجرة ينص على أن أي فرد دخل الأراضي السودانية دون تأشيرة دخول ومن غير إذن مسبق من السلطات المختصة يعد متسللا، فيما يصف قانون اللجوء أي فرد يدخل الأراضي السودانية بسبب ظروف قاهرة باللاجئ شريطة أن يسلم نفسه لأقرب مركز شرطة. وقال إن السلطات القضائية في أغلب الحالات تتعامل معهم بقانون الجوازات والهجرة ويتم إبعادهم مباشرة، منوهاً إلى الكثير من اللاجئين ليكونوا على دراية بضرورة تسليم أنفسهم للسلطات، وألا يتوغلوا داخل الأراضي السودانية، وقد يصلون إلى داخل المدن وهذه النقطة يجب معالجتها بصورة أمثل تكفل الحق اللاجئين.ماذا يدور خلف أسوار (UNHCR)بناية ذات أسوار مرتفعة محاطة بسلك شائك أمامها موظفو الحرس اليقظون دوماً والمتحفزون لصد الجميع إن لم تصدهم تلك الأسوار والأسلاك الشائكة، هذا هو الحال كما يحسه القاصد للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بكسلا، كيف لا وهي ذات سيادة أممية.ومن داخل المفوضية التقت (الأهرام اليوم) بالدكتور محمد حسن قاسم رئيس المكتب الإقليمي للمفوضية السامية بشرق السودان، وطرحت عليه جملة من التساؤلات والاتهامات، حيث أكد دكتور قاسم أنه لم يسمع بتلك الشكاوى والاتهامات من قبل، وقال إن المفوضية تقوم بالرعاية والاهتمام على ما يقارب 68 ألف لاجئ منتشرين في 12 معسكراً مخصصة لهم، مبيناً أن اللاجئين الجدد يتم استيعابهم بمعسكر الشجراب، مؤكداً أنهم مسؤولون عن الخدمات الأساسية لأغلب تلك المعسكرات، وقال إن المفوضية وبالتعاون مع حكومة الولاية ودول إعادة التوطين تسعى لوضع حلول لمشكلة اللجوء. وأشار قاسم إلى برنامج الاعتماد على الذات الذي تقوم المفوضية بالتعاون والتنسيق مع الشركاء على إنفاذه.معتمدية إسكان اللاجئين (كور)أكد معتمد إسكان اللاجئين بكسلا عبد العظيم أحمد علي أن شكل العلاقة بين المفوضية والمعتمدية علاقة تنسيقية وتكاملية، مشيراً إلى الدور الذي تقوم به المعتمدية في هذا المجال وجهودهم في تقديم كافة الخدمات المتاحة للاجئين، مؤكداً أنهم ملتزمون بالإعاشة للاجئي معسكر ود شريفي بجانب تأمين الخدمات والرعاية الصحية، وأشار إلى ظاهرة لجوء أسر كاملة مبيناً أنهم في السابق كانوا يستقبلون حالات فردية.تظل قضية اللجوء واللاجئين هماً يحتم على الجميع من حكومات ومجتمع دولي تضافر الجهود لإيجاد الحلول الناجعة لها وإخضاعها لدراسات مستفيضة، وملاحظة من جولة (الأهرام اليوم) أن هؤلاء اللاجئين لا يميزون بين الأفراد والمنظمات والدولة، وأغلبهم يحملون كافة التجاوزات للحكومة السودانية والسودان عموماً، وحتى لا يُساء إلينا بسبب تجاوزات أفراد ليس لهم وازع ديني أو إنساني أو أخلاقي، ويمكن أن يتذرع المجتمع الدولي بالانتهاكات التي تحدث داخل هذه المعسكرات ولهذا يجب على كافة الجهات التعامل مع هذا الملف بحسم وردع، وعلى المفوضية والمجتمع الدولي القيام بدوره تجاه اللاجئين بشرق السودان.