الوساطة السودانية بين أسمرا وجيبوتي .. إلى أين ؟*
15-May-2010
hglv;.
تناقلت وسائل الإعلام أمس الأول خبراً عن وساطة سودانية لحل المشكلات بين إريتريا وجيبوتي بعد تنصيب البشير رئيساً و تشكيل الحكومة الجديدة ، وبدا الطرف السوداني متفائلاً وهو يتحدث عن استعداد إرتري للتفاوض وقبول البلدين بمبدأ الوساطة .
لا شك إن تنقية الأجواء والعلاقات البينية بين دول الإقليم من الشوائب التي تكدرها وتعيق تواصلها الإيجابي تعد خطوة مهمة لتحقيق السلام المستدام والأمن والاستقرار ، والسودان باعتباره من الدول الرئيسة في الإقليم بالنظر إلى موارده المادية والبشرية المتعاظمة ورقعته الجغرافية الواسعة وعلاقاته الممتدة يعتبر أكثر الدول تأهيلاً للعب دور إيجابي يعزز السلام الإقليمي ويعمل على بناء الثقة بين الدول ويذيب جليد التوتر بينها .وبالرغم من العوامل المتوفرة لدى السودان للعب دول الوسيط لحل مشكلات المنطقة سواء تلك التي تحدث بين الدول أو داخل الدولة المعينة ، إلا أن الدور السوداني ظل غائباً أو مغيباً عن الفعل الإيجابي خلال الفترة الماضية ربما بسبب مشكلاته الداخلية أو زهده عن لعب دور محوري في المنطقة .كل هذا يحدث والشأن السوداني أضحى مستباحاً للجميع بما فيه إرتريا التي تئن تحت وطأة مشكلاتها الداخلية و عزلتها الخارجية التي فرضت عليها بسبب دورها السالب في إشعال بؤر التوتر وتأجيج المشكلات ودق طبول الفتن بما أدى إلى تسميم الأجواء الإقليمية وإدخالها في نفق مظلم .بالرغم من كل هذا ظلت إرتريا تسعى للاحتفاظ ببعض كروت الملعب السوداني بما يؤهلها لحشر أنفها في شأنه بين الفينة والأخرى وكان آخرها مطالبة أفورقي بتأجيل الانتخابات في السودان لعامين مما أدى لتصاعد سحب التوتر في سماء العلاقات بين البلدين .الموقف السالب للنظام الإرتري من الانتخابات السودانية وسعيه لتخريبا كان واضحاً للعيان ومكشوفاً للجميع ، وعندما عجز أفورقي عن فعل شيئ في هذا الصدد أصدر تعليماته لوسائل إعلامه ( إذاعه ، تلفاز ، صحيفة ) لتجاهل الانتخابات السودانية وعدم تغطية وقائعها بما أدى إلى استغراب الشارع الإرتري الذي يتفاعل بطبيعته مع الشأن السوداني . كل هذا يحدث والسودان يقف عاجزاً عن فعل شيئ في الشأن الإرتري ولو من باب المعاملة بالمثل على أقل تقدير بطرح تسوية سياسية بين أفورقي ومعارضيه بما للحكومة السودانية من علاقات إيجابية بالطرفين في الوقت الذي قامت فيه إرتريا برعاية اتفاقية شرق السودان وسعت بشكل محموم للعب دور في الاتفاق مع فصائل دارفور وما زلت تحتفظ ببعض من أوراق الملعب الدارفوري للعب الخشن عن الضرورة .والسودان يقف مكتوف الأيدي عن فعلٍ يوازي إمكاناته وقدراته ويعززه دوره الإقليمي بممارسة الضغوط على النظام الإرتري لتحسين سلوكه الداخلي والخارجي ، والكف عن تأجيج بؤر التوتر في المنطقة . يأتي السودان الآن للوساطة بين إرتريا وجيبوتي بعد صدور القرار 1907 من مجلس الأمن والذي يقضي بمعاقبة إرتريا نتيجة لعدم تجاوبها مع النداءات المتكررة الصادرة من مجلس الأمن بالإنسحاب من الأراضي المتنازع عليها مع جيبوتي والتي قامت باحتلالها في 2008م ولدورها السالب في الشأن الصومالي.وفي اعتقادنا أن الوساطة تأتي هذه المرة بطلب إرتري تقدم به الوفد الذي يزور الخرطوم هذه الأيام والذي يترأسه وزير الخارجية الإرتري عثمان صالح والمستشار الرئاسي يماني قبرآب وذلك بهدف الخروج من عنق الزجاجة الذي وضعت فيه إرتريا نفسها جراء الممارسات غير الراشدة .وبالرغم من أن الوساطة السودانية بين الدولتين تستحق منا الإشادة والتقدير إلا أن السودان يجب أن ينتبه لئلا يزج به النظام الإرتري في معاركه الخاسرة مع المجتمع الدولي أو أن يتعرض لابتزازته المتكررة مثلما حدث في قمة سرت حيث تورط السودان في مواجهة مع عدد من الدول العربية بسبب موقفه الرافض للعقوبات على النظام الإرتري. كما أن على السودان الكف عن ممارسة هوايته المفضلة في إنقاذ النظام الإرتري عندما يشتد عليه الحصار من كل جانب لأنه المتضرر الحقيقي من بقاء هذا النظام هو السودان لأن التردي المتزايد للأوضاع في إرتريا وحالة الإحتقان التي تشهدها ستلقي بظلال سالبة على الشأن السوداني .وختاماً نردد مع رئيس تحرير هذه الصحيفة الأستاذ سيد أحمد خليفة (لماذا لا يحاول السودان فعل ما فعلته أريتريا في مجال المصالحة بين الإنقاذ وخصومها، ويلعب دوراً وفاقياً ملموساً ومحسوساً في إحداث مصالحة ووفاق وتقارب وطني واسع وعريق بين المعارضين الأريتريين وحكومة أسياسي أفورقي ..؟! ) نأمل ذلك.* نشر كافتتاحية في صفحة نافذة على القرن الافريقي – صحيفة الوطن السودانية -14مايو2010م