مقالات

أفورقي الغريق: مسرحية الإرهاب ومحاولة السباحة في رمال الصحراء* بقلم / حامد سلمان

30-Mar-2018

عدوليس ـ ملبورن

التصريح الصحفي الصادر عن وزارة إعلام النظام الإريتري بتأريخ 22 مارس 2018م والاتهامات الخطيرة التي وزعها على كل من دولة قطر وجمهورية السودان بتمويل وتدريب جماعات إسلامية إرترية متطرفة، ليس في الواقع من أجل جذب انتباه بعض الدول والحصول على المال “الرز” الخليجي كما تبادر إلى أذهان بعض النشطاء الإرتريين المعارضين للنظام، فالموضوع أخطر وأعقد من مجرد لفت الإنتباه والحصول على الدعم المادي، وأمامنا أحداث متتابعة سبقت هذا التصريح الصحفي المضطرب والبائس معنى ومبنى.وحتى نفهم سياقات الأحداث والتطورات الأخيرة بما في ذلك مبررات ودوافع التصريح الصحفي المذكور، ينبغي علينا فهم العقلية التي تدار بها دولة إرتريا منذ الاستقلال، فمنذ أن تقلد تنظيم الجبهة الشعبية “لتحرير إرتريا” الحكم في إرتريا عام 1991م، شرعت حكومة الجبهة الشعبية مباشرة في عمليات الخطف والإخفاء القسري والإغتيالات الممنهجة، ولم يكن من طباع حكومة الشعبية الإلتزام بأي

معايير إنسانية أخلاقية في معاملة الموتى، فكل من يموت في سجونها (وهم عشرات الآلاف-منذ الإستقلال) يتم دفنهم في أماكن سرية، دون إبلاغ ذويهم أو تسليم جثامينهم إلى ذويهم، ومن المؤكد أن النظام الإرتري لم يتخل حتى اللحظة عن هذا السلوك الإجرامي بإخفاء أثر الجريمة والتخلص من الموتى في أماكن سرية دون إبلاغ ذويهم، ومما يؤكد استمرار النظام في هذا السلوك الإجرامي، عدم تسليمه جثة وزير الخارجية (هيلي درع) الذي مات في سجون النظام الإرتري قبل أسابيع قليلة حيث كان معتقلا في أقبية سجون النظام الإرتري منذ تأريخ اعتقاله في سبتمبر 2001م ضمن ما عرف بمجموعة “الخمسة عشر الإصلاحية” التي ضمت الوزراء والسفراء وكبار مسؤولي الدولة، لم يسمح النظام لأسرة الوزير بتسلم جثمانه كما لم يتم إبلاغ عائلته بخبر وفاته بصفة رسمية من قبل أجهزة النظام، حيث تسرب خبر وفاته عبر وسائل التواصل الإجتماعي من قبل ناشطين معارضين للنظام.
ومن عجائب الصدف، أن وفاة وزير الخارجية (هيلي درع) حدثت في ذات الشهر الذي حدثت فيه وفاة الحاج موسى محمد نور مدير مدرسة الضياء الأهلية، فكلا الرجلين مات في المعتقل، إلا أن أجهزة النظام الإرتري تعاملت بسلوك مختلف مع الحالتين بالرغم من تشابه ظروف موتهما، فقد قامت بتسليم جثمان الحاج موسى “الداعية الإسلامي” إلى أسرته في حي أخريا بمدينة أسمرا، وهذا الوصف “الداعية الاسلامي” ما هو إلا وصف أسبغته عليه أجهزة النظام الإريتري بعد الأحداث الأخيرة، علما بأن الحاج موسى، إضافة إلى كونه معلم أجيال ومربي ورجل أعمال ناجح، فهو أيضا مناضل وسياسي معروف ومن أسرة مناضلة دفعت أغلى الأثمان من أجل حرية واستقلال إرتريا، والرجل ليس إسلاميا بالمعنى السياسي بأي حال من الأحوال، لقد سمحت أجهزة النظام الإريتري بإجراء التجمهر والصلاة على جنازته في المسجد ومن ثم الخروج في جنازته إلى المقابر في مسيرة وتظاهرة يسمح بمثلها للمرة الأولى منذ استقلال إرتريا، علما بأن النظام الإرتري منغلق وبوليسي وجبان إلى درجة تجعله يرتعب ويمنع بكاء الأمهات على أبنائهن الموتى، فمجرد بكاء الأم على ابنها الميت في سجون النظام، ممنوع في إريتريا، ويمكن أن تسجن الأم إذا علمت بوفاة ابنها في سجون النظام، وقد حدث هذا في حالات عديدة، حيث يتم استجواب الأم المكلومة من قبل أجهزة النظام البربري للوصول إلى كيفية حصولها على خبر وفاة إبنها، ومن ثم يرمى بها في ظلمة السجن بلا شفقة أو رحمة.
إذا، ما هو التفسير المنطقي لتعامل النظام الإرتري مع أحداث مدرسة الضياء منذ بدايتها وصولا إلى وفاة الحاج موسى والسماح بدفنه بتلك المسيرة المهيبة في ظل دولة لا تسمح مطلقا بالتجمهر لعدد يزيد على 5 أشخاص، دولة تعتقل وتقتل وتدفن دون أن يراها أحد.وهنا يجدر بنا أن نعود قليلا إلى ممارسات النظام الإرتري في بدايات استقلال إريتريا، حيث كان الجناح الذي يقوده إسياس أفورقي داخل الجبهة الشعبية مصمما على التخلص من كل ما يمكن أن يشكل عائقا أمام تنفيذ مشروعه للهيمنة القومية في إريتريا، فبدأ باعتقال بعض قيادات المجتمع المؤثرين والفاعلين فاعتقل “الشيخ صالح ود سعيد” أحد كبار رجالات المجتمع في مدينة أفعبت عند دخول الجبهة الشعبية مدينة أفعبت عام 1988م، كما اعتقل القاضي محمد مرانت أحد أشهر القضاة في إرتريا من مدينة كرن بعد أسابيع قليلة من خروج جيش الإحتلال الإثيوبي وتحرير كامل التراب الإريتري، إضافة إلى اعتقال أعداد كبيرة بإنتقاء العناصر المتعلمة والمؤثرة في المجتمع وبأسلوب ممنهج ومدروس، علما بأن جميع المعتقلين اختفى أثرهم ولا يعرف مصيرهم أموات أم أحياء حتى اليوم.
كان التبرير لهذه الإعتقالات الممنهجة والمخطط لها بعناية هي تهمة “التعاطف مع المجموعات الجهادية”، ولكن، ومع كثرة الإعتقالات واتساع نطاقها لتشمل شخصيات وطنية مشهود لها بالسلامة الشخصية ويعرف القاصي والداني بأن هذه الشخصيات لا يمكن أن تكون لها علاقة بالمجموعات الجهادية، أصبح تبرير ” التعاطف مع المجموعات الجهادية ” غير مقنع للكثيرين حتى من داخل قيادة الجبهة الشعبية نفسها، وبدون الدخول في تفاصيل أعمق لهذا الموضوع الشائك والمرير، ندلف إلى القول بأن أسياس أفورقي لجأ كعادته إلى التلفيق والكذب والتضليل حيث أوعز إلى جهاز الأمن الخاص به في بداية العام 1994م القيام بتدبير (سيارة تويوتا-بيك آب) على متنها أكياس (شوالات) معبئة بمختلف أنواع العملات الأجنية (ريالات سعودية،جنيهات سودانية، بالإضافة إلى حزم أخرى من عملة البر الإثيوبي والدولار الأمريكي) ومحشوة بجانبها عدد 2 بندقية كلاشينكوف وقائمة بأسماء، يعود معظمها إلى معلمي المعاهد الأهلية الخاصة بالإضافة إلى احتواءها على أسماء تجار وشخصيات عامة، بما في ذلك رئيس برلمان إقليم عنسبا، النائب البرلماني محمد ود شيخ أدم، وتجار ومعلمين من قندع وأفعبت وحقات وأغردات وأسمرا ومن مختلف المدن والقرى الإرترية، تحركت السيارة من منطقة الحدود السودانية الإرترية، وتحديدا من مدينة سني الحدودية بهدف الإيحاء بأنها قادمة من داخل الأراضي السودانية، وصلت السيارة المشؤومة وهي تحمل تلك المصائب إلى مبتغاها، المدخل الرئيسي لمدينة كرن (بلوكو كرن) من جهة مدينة حقات، وذلك وفق ما تقتضيه خطة التلفيق التي رسمها أسياس أفورقي، وهناك تم إيقاف السيارة وتفتشيها ليتم العثور على تلك المعروضات الخطيرة بداخلها.
كان السيد محمود شريفو وزيرا للداخلية في ذلك الوقت (تحت مسمى وزير الحكومات المحلية) وقد حرص إسياس أفورقي على إبلاغ وزير الداخلية بتفاصيل هذه الحادثة من خلال تقرير رسمي مدعم بالصور والأموال والأسلحة التي عثرت عليها “الأجهزة الأمنية” والأهم من ذلك قائمة الأسماء “للخلايا السرية ” للطابور الخامس، حامشاي مسرع، كما كانوا يسمونها حينذاك، وكرد فعل يتسم بالكثير من السحطية والسذاجة حاول وزير الداخلية محمود شريفو تشكيل وحدة استخبارية وأمنية مختصة بمحاربة الإرهاب كجزء من الجهاز الشرطي التابع لوزارة الداخلية، إلا أن أسياس أفورقي أدرك خطورة أن تتولى وزارة الداخلية مسألة “محاربة الإرهاب” على خططه التدميرية السرية، ومن هنا نشأت الفكرة بضرورة الإحتكار الكامل لكل أجهزة الأمن وحصرها في يد مجموعة أسياس أفورقي، وبناءا عليه قام أفورقي بإلغاء وزارة الداخلية من قائمة الوزارات في الحكومة الاريترية، حتى يصفوا الفضاء لمجموعته السرية لإستكمال السيناريوا المرسوم لها بخلق حالة يسودها الرعب المطلق وتؤدي بالنتيجة إلى الإستفراد بالمجتمع المراد تدمير بنيته الإجتماعية والإقتصادية ومحاصرته وصولا إلى تصفيته وإخراجه من دائرة الفعل والتأثير في القرار السياسي للدولة الإرترية، وهو ما قطعت فيه عصابة إسياس أفورقي شوطا كبيرا ولكنها لم ولن تتمكن من حسم هذه القضية لصالح أجندتها القومية الشوفينية الضيقة، وقد وجد إسياس أفورقي مساندة مالية ودعم غير محدود من دول عربية على رأسها نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، لتنفيذ أجندته دون الوطنية، للأسف الشديد، وليس هناك وزارة داخلية ضمن الهيكل الإداري للدولة الإريترية حتى يومنا هذا.
ولإستكمال فصول المسرحية على الوجه الأكمل ، عمد إسياس أفورقي إلى إيصال رسالة إلى كل المسؤولين الكبار في تنظيم الجبهة الشعبية الحاكم، لا سيما أبناء المجتمع “المستهدف”، حيث أحاطهم علما بهذا التطور “التهديد الإرهابي الخطير” وحصل بالمقابل على مباركتهم للخطوات والإجراءات المتبعة لحماية “الوحدة الوطنية” من تهديد التطرف الإسلامي، وقد أبدى هؤلاء المسؤولين من أبناء المجتمع “المستهدف” حماسا زائدا لمحاربة التطرف الإسلامي، وانخرطوا في حملة الفتك بمجتمعهم دون تحفظ، غير أن مجموعة أسياس أفورقي لم تكن ترغب في وجودهم ضمن هياكل الدولة الإرترية أساسا وبالتالي تم التخلص منهم الواحد تلو الآخر.
ومن خلال هذه الحادثة المفبركة أخذ إسياس أفورقي الرخصة اللازمة لمواصلة عمليات التطهير الممنهج لأبناء المجتمع الذي كان يشكل عقبة أمام مشروعه لفرض هيمنة قوميته “التجرينيا” على مفاصل الدولة الإرترية في خيانة عظمى لكل القيم والمفاهيم الوطنية الثورية والتضحيات الهائلة ورفقة النضال لا يمكن للتأريخ أن يغفرها، وانطلاقا من ذلك قام إسياس أفورقي بتأسيس مجموعة سرية تتألف من فرق الموت، حيث قامت هذه المجموعة بالعمليات القذرة من تفجير البصات السفرية للمواطنين وزرع الألغام في الأماكن العامة وتنفيذ اغتيالات لشخصيات سياسية وإعلامية ورجال أعمال، كما أن هذه المجموعة قامت بذبح معلمين يعملون في المدارس بالقرى النائية وإلصاق التهمة بالجماعات الجهادية، وقد حقق إسياس أفورقي نجاحا كبيرا في إزاحة كل العوائق من طريقه متخفيا بعباءة محاربة الجماعات الإسلامية الجهادية، ومما ساعد على إنجاح هذه السياسة القذرة لأسياس أفورقي، أن الجماعات الإسلامية وهي على سبيل الحصر “حركة الجهاد الإسلامي الإريتري” استحسنت هذا الدور (عاشت الدور-كما يقال في العامية السودانية الحديثة) حيث أنها لم تقم بنفي هذه الأحداث في حينها، وكان عليها أن تتصدى وتفضح هذا التشويه في حينه بمختلف الوسائل التي كانت متاحة في الزمان والمكان، علما بأن الظروف التي أدت إلى نشوء “حركة الجهاد الإسلامي الإريتري” هي ذات الظروف التي أدت إلى نشوء الحركات الجهادية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي في أفغانستان.
وغني عن القول بأنني، على المستوى الشخصي، احتفظ بموقف مبدئي رافض لحركات الإسلام السياسي سواءا المسلحة منها وغير المسلحة، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن الجدال حولها فيما يتعلق بجماعات الإسلام السياسي الإرترية، هي أن هذه الجماعات لم تنزلق طوال تأريخها إلى مستنقع الإرهاب وقتل المدنيين، بل حصرت صراعها مع الأجهزة الرسمية للنظام الإريتري، وبالرغم من أن حركة الجهاد الإسلامي الإرتري تفككت نتيجة لعوامل داخلية وتفرقت إلى أربع مجموعات مستقلة، إلا أن أيا منها لم تثبت عليه تهمة ممارسة الإرهاب وقتل المدنيين وترويع الآمنين، حتى أن هذه المجموعات الإسلاموية تخلت عن مصطلح الجهاد طوعا وبشكل كامل ودخلت في حوارات وتحالفات مع القوى السياسية الإرترية العلمانية وتواضعت على القبول بالعمل ضمن مؤسسات الدولة المدنية العلمانية في إرتريا بعد إسقاط نظام إسياس أفورقي القاتل والمجرم، ولا أدَلَّ على خلو سلوكها من التطرف وممارسة الإرهاب من عدم إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية سواءا من قبل وزارة الخارجية الأمريكية أو من قبل الدول أو المنظمات الدولية الأخرى المعنية بملف المنظمات المتطرفة، ويمكن الجزم هنا بأن العنف غير المنظم ليس سلوكا إريتريا بحكم التجارب الماثلة، فعلى الرغم من الفظائع والإنتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها عصابة إسياس أفورقي ضد أبناء الشعب الإرتري منذ استقلال إرتريا وحتى اليوم، إلا أننا لم نلاحظ أعمال عنف انتقامية حتى على المستوى الفردي، فكلما اشتدت آلة القمع والتنكيل على الإنسان الإريتري فإن أقصى ما يقوم به هو الهروب بجلده والبحث عن الأمان في مكان آخر خارج أرضه ووطنه.
بنفس العقلية القديمة، وبنفس الأدوات البائسة، يعيد نظام أسياس أفورقي اليوم تجربة بداية التسعينات انطلاقا من حادثة مدرسة الضياء الأهلية، علما بأن الظروف الإقليمية والدولية اليوم ممهدة أكثر من أي وقت مضى لتقبل فكرة تهديد الجماعات الإرهابية، فعندما ترغب أي حكومة في تدمير وتهجير واقتلاع أي مجموعة سكانية فلن يكلفها الأمر أكثر من خلق هذا البعبع “المجموعات الإرهابية” لتجد التعاطف أو غض الطرف والتغاضي والسكوت من قبل المجتمع الدولي ومنظماته المعنية.
ومن هنا يمكن أن نتوقع، بأن التصريح الصحفي للنظام الارتري سوف تتبعه أعمال قذرة من تفجير سيارات تحمل مسافرين مدنيين أو زرع قنابل في أماكن عامة أو استهداف دور العبادة، وسيتم توجيه الإتهام لمجموعات إسلامية متطرفة يقودها الداعية الاسلامي ( املأ الفراغ بأي إسم) بتدريب سوداني وتمويل قطري.
ويرجح أن تدخل روسيا على الخط لمساعدة النظام الإريتري في التخلص من الجماعات الإرهابية، فالتحركات الدبلوماسية الأخيرة للنظام الإرتري تشي بذلك، وما دام الأمر كذلك، فإن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، ستلتزم الصمت هي الأخرى، عدا عن التنديد الخجول هنا وهناك، لأن مواجهة الإرهاب أمر لا نقاش حوله.
ومهما كانت الرسائل التي حاول النظام الإريتري إيصالها إلى كل من دولة قطر وجمهورية السودان من خلال ما تضمنه التصريح الصحفي آنف الذكر من كيل التهم الثقيلة الممجوجة ضد الدولتين، فلا شك بأن قطر والسودان كفيلتان بالدفاع عن بلديهما أمام تلك التهم، ويملكان من أدوات التصدي ما يكفي لإيقاف نظام أفورقي عند حده، أما الشعب الإرتري فهو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، ولهذا نجد أن نظام اسياس أفورقي يمهد الأرضية ويحاول استنبات “مجموعات إرهابية ” ليتمكن من خلالها من تحقيق هدف الاستفراد بالشعب الإريتري وتدميره عبر الاعتقالات والتصفيات والتفجيرات وحرق القرى وتهجير السكان بدعوى محاربة الإرهاب ؛ وهي التجارة الرائجة في عالمنا اليوم للتخلص من المجتمعات وإجبارها على ترك أرضها وإخلاء ديارها عبر تنفيذ مشاريع التطهير العرقي والثقافي تحت عباءة “محاربة الإرهاب”.
خلاصة القول، لا يساورنا أدنى شك بأن الشعب الإرتري أثبت عبر مراحل تأريخه الحديث والمعاصر بأنه قاهر الصعاب وصانع المعجزات، فعند انطلاقة الكفاح التحرري الإرتري على يد عصبة قليلة من الرجال بقيادة القائد حامد إدريس عواتي عام 1961م ، لم يكن أشد المراقبين تفاؤلا ليتخيل أن تكون النتيجة النهائية للصراع الإثيوبي الإريتري هزيمة وتركيع ثالث أقوى الجيوش الإفريقية ” جيش العقيد منجستو هيلي ماريام الإثيوبي” على يد أبطال جيش التحرير الإرتري، لقد كانت حرب الثلاثين عاما اختبارا حقيقيا لمعدن المقاتل الإرتري، من حيث البسالة المطلقة التي تجلت في أنصع صورها في معارك التحرير، ومن حيث سمو الأخلاق والإنضباط والتضحية وعدم الإنجراف وراء المغانم الشخصية، ربما تتغير الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالشعب الإرتري، غير أن الروح الكامنة في الإنسان الإرتري عصية على التغيير، والزمن كفيل بإثبات هذه الفرضية، وقد لعب الشباب الإرتري دورا محوريا حاسما في إفشال المخططات الظلامية الخبيثة في الماضي، ولا شك في قدرته الأسطورية على تجاوزهذه المحنة التي فرضت عليه من قبل عصابة أسياس أفورقي بوسائل غير أخلاقية ومنافية لكل الأعراف والتقاليد الإنسانية السامية كما تجاوز ماهو أعقد منها طوال تأريخه الممتد، ومهما حاول أفورقي الغريق الثشبث بسترة النجاة من خلال محاولاته البائسة لإستنساخ مسرحية الإرهاب والتطرف فإنه لن يستطيع السباحة في الصحراء، وعلى لسان الفنان الإرتري الكبير إدريس محمد علي،المعتقل في سجون النظام نقول ونردد: والديمقراطية،مهما غيبوها،مصير بلدنا.
وحتما سيدفن أفورقي وعصابته ملفوفا في طيات أحلامه السوداء تحت رمال مؤامراته الرخيصة المبتذلة.
البريد الإلكتروني للتواصل مع الكاتب:
hamid.salman@outlook.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى